بعد قيام ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير، ضد الاستبداد وضياع الديمقراطية، ووقف الجيش بجوارها وحماها، ولكن الثورة لم يكن طريقها مفروشا بالورود، فما لبثت بعد استيعاب المفاجاة الثورية، أن لقيت مقاومة واسعة من أقطاب النظام القديم، وبخاصة أن سلميتها، كانت سببا فى اجتراء خصومها عليها، ولذلك فرش طريقها بجثث الشهداء من شباب مصر الشرفاء، الذين كان أملهم العيش فى وطن ترفرف عليه رايات العدل والحرية والديمقراطية، وهو ما قامت الثورة من أجل تحقيقه، وإذا كانت الثورة قد قامت ضد حكم مبارك الذى استمر ثلاثين عاما إلا أن هذا الحكم كان امتدادا لنظام، استمد شرعيته من ثورة يوليو التى قامت فى 23 يوليو 1952 من خلال انقلاب عسكرى قام به ضباط الجيش المصرى ضد الحكم الملكى.
كانت ذلك بعد حرب 1948 وضياع فلسطين، حيث قام تنظيم الضباط الأحرار، بانقلاب مسلح أبيض لم ترق به دماء ونجح فى السيطرة على الأمور والمرافق الحيوية، وإجبار الملك على التنازل عن العرش لولى عهده، وشكل مجلس وصاية على العرش، وألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية، ونشأ الصراع على السلطة حسم لصالح جمال عبد الناصر مستمدا شرعيته من ثورة يوليو، والتى كانت مبادؤها الستة ممثلة فى القضاء على الإقطاع، والاستعمار، وسيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة، وإقامة جيش قوى، وإقامة عدالة اجتماعية، وقد حقتت ثورة يوليو بعض أهدافها وفشلت فى تحقيق الأهداف الأخرى، ولكن كانت سلبياتها كانت أكثر من الإيجابيات لعدم تحقيق عدالة اجتماعية وسيطرة رأس المال على الحكم وعدم وجود حياة ديمقراطية سليمة، ولذلك ثار الشعب ضدها فى يناير وقد حماها الجيش، والذى قام المجلس العسكرى ببعض الإجراءات منها الإعلان الدستورى، والذى رسم خارطة الطريق نحو الديمقراطية، من خلال انتخابات مجلسى الشعب والشورى والدستور، إلا أن بعض الممارسات والبطء فى تنفيذ بعض القرارات، وشيوع الفوضى والانفلات الأمنى، وبعض الأحداث الدامية بما عرف بالثورة المضادة، والتى هدفت إلى الحفاظ على النظام السابق (نظام ثورة يوليو)، ولذا فهل تستمر شرعية ثورة يوليو والتى تسعى من خلال بعض الثغرات والمواد ومنها المادة 28 من الإعلان الدستورى والتى تحصن الانتخابات الرئاسية، للاحتفاظ بقمة هرم السلطة فى البلاد وهو منصب الرئيس مع العمل على وجود فزاعات وهو صعود الإسلاميين واستيلائهم على الحكم، وهى رسالة للداخل والخارج وهو ما يغير الثوابت فى العلاقات الدولية والنظام العالمى، وبذلك تكون النظرة إلى ثورة يناير على أنها ثورة تصحيح لثورة يوليو، لاستكمال أهدافها أو بديلا لها ومطيحة بنظامها.
