الحقيقة التاريخية أن أية ثورة لا يمكنها أن تحظى بالفوز والانتصار، بل يكون مآلها الفشل والإخفاق، إذا فقدت بوصلتها السياسية والإيديولوجية فى الفكر والممارسة وافتقرت إلى برنامج ثورى يخدم مصالح الشعب ومصالح الوطن".
ونعتقد أن هذا الشرط لم يتوفر بعد، ليس فى مصر فحسب، بل فى مختلف البلدان العربية التى قامت بها ثورة، وبالتالى فإن نجاح هذه الثورات الشعبية وتحولها إلى ثورة ديمقراطية شعبية، ليس واردا بعد وهو يتطلب نضالا شعبيا طويلا وقيادة محنكة ونتمنى أن يتحقق هذا الشرط فى المستقبل المنظور حتى يتجسد الربيع العربى، ولا يبقى حبيس الافتراضات النظرية المغرقة فى التفاؤل فوضع مصر حاليا ليس بأفضل مما كانت عليه سابقا، بل ازدادت سوءا من حيث تعمم البؤس والفقر واستفحال البطالة وتدهور المعيشة وغير ذلك. فمظاهر الأمراض والآفات الاقتصادية والاجتماعية تعم اليوم كل مصر والإحصائيات المتعلقة بالوضع فى غاية الدلالة على الانحطاط والتردى وتدهور الناتج المحلى والإجمالى.
أنا لا أنكر أن النظام السابق هو السبب الرئيسى فى هذا كله، وليس هذا فقط بل فى انتشار الجهل والأميّة بشكل مريع، وذلك بسبب الإثراء الفاحش لبعض رجال الأعمال المقربين من النظام على حساب المواطنين، وبسبب تخلى الدولة عن وظيفتها الأساسية فى حماية المواطن وقـد استفحل الفساد كالطاعون فى مختف أجهزة الدولة، وهذا أدى إلى تردى أبسط وسائل الحياة يوما بعد يوم وتؤكد المعطيات أن الشعب المصرى وفئاته الفقيرة والكادحة أصبحت فريسة لكل الشرور والآثام الاقتصادية والاجتماعية التى تسبب فيها النظام البائد ابتداء من عدم توفر مياه الشرب النظيفة، وانحطاط القدرة الشرائية وأخيرا وليس آخرا استفحال البطالة والفقر وخاصة بين الشباب حيث وصلت نسبة البطالة بينهم إلى حوالى 40%. فإذا أضفنا إلى ذلك سعى الرئيس المخلوع إلى توريث الحكم لابنه، انتهينا إلى نتيجة منطقية وهى أن كل الظروف الموضوعية تدعو إلى الثورة على هذا النظام الموغل فى التخلف والظلم والاستبداد.
ومن الطبيعى أن تفرز هذه الوضعية السيئة نقيضها على صعيد الطبقات الحاكمة، فقد تكونت فى ظل هذه الظروف التى لا تحتمل طبقات جديدة من الأثرياء تكدست بين أيديها ثروات فاحشة على حساب الاقتصاد الوطنى وعلى ظهر الشعب المجهد الشعب الذى يعانى معاناة شديدة من البؤس والظلم والاضطهاد والقهر.
ولم يعد الشعب المصرى أمام هذه الوضعية غير المحتملة قادراً على تحمل مساوئ هذا النظام وفساده.
لقد لعب نظام مبارك أدوارا قذرة ضد مصالح الشعب المصرى ففضلا عن عملية التوريث التى كان يسعى إليها بمختلف الوسائل الخفية والعلنية، كان فى مقدمة المتآمرين على النظام التقدمى فى مصر فكان يرى فى تخلف الشعب استفادة له ولنظامه لفعل ما يحلوا لهم، هذا النظام الذى أنجز إنجازات كبيرة فى انتشار الأمية فى المجتمع حتى أصبح هناك قطاع كبير من المجتمع لا يفكر إلا فى لقمة العيش، وكثرت الموبقات الاقتصادية والاجتماعية من تدهور للتعليم والصحة والعمل والسكن وكل مرافق الحياة العصرية.
ولم يكتف مبارك ونظامه بالتآمر على الشعب المصري، بل كان بيدقا لرغبات الإمبريالية الأمريكية بحربه القذرة ضد كل من يعارض سياسته، هذه السياسة التى تقوم على ترسيخ الظلم والاضطهاد وأيضا الفتنة الطائفية فكنيسة القديسين ليست منا ببعيد، كل هذه الظروف والعوامل شكلت الأرضية السياسية والاجتماعية للثورة المصرية السلمية التى قامت فى كل محافظات مصر ضد هذا النظام الفاسد، وقد عرف الشعب المصرى خلال هذه الثورة أكاذيب النظام ومزاعمه الهادفة إلى المساس بالثورة وطابعها الشعبى والإساءة إلى سمعتها، والزعم بأنها من صنع التيارات الإسلامية المتطرفة التى كانت تشكل دوما الفزاعة التى يستخدمها البعض للقضاء على ثورات الشعوب فى كامل المنطقة.
ويشعر البعض بأن أولئك الذين يحاولون ارتداء رداء الثورة مع أنهم كانوا جزءاً من النظام البائد ويساعدونه ويصفقون له أحيانا ويريدون الآن الإحلال محله، وإذا كانت إحدى المعضلات اليوم فى مصر تتمثل فى كيفية حل إشكالية التناقضات فى داخل الجماهير الثائرة بين الليبراليين والتيارات الإسلامية الذين يعمل كل منهم لفرض ذلك النظام الذى يتناسب مع قناعاته الفكرية والإيديولوجية. فإن الخطر الأكبر على هذه الثورة التى أخذت تراوح مكانها، هو أن يحصد ثمارها أولئك الذين ركبوا موجتها وحرفوها عن مسارها وفى هذه الحالة وهى من بين الاحتمالات الواردة فى مصر سيخسر الشعب المصرى ثورته التى ضحى من أجلها بالكثير من دماء أبنائه.
وأخيرا إن أية ثورة لا يمكنها أن تحظى بالفوز والانتصار إذا فقدت بوصلتها السياسية والإيديولوجية فى الفكر والممارسة وافتقرت إلى برنامج ثورى يخدم مصالح الشعب ومصالح الوطن.
مبارك
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
shaheir
كفانا اسفاف في هذة المسرحية الهزليه السخيفه.