تتخذ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من المعتقدات الدينية عند اليهود ستاراً لتبرير ما تقوم به من اعتدءات مستمرة على الأراض الفلسطينية، وتهجير أهلها والتوسع فى إقامة المستوطنات والتعدى على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومحاولة هدمها بدعوة إقامة "الهيكل الثلاث" مكانها، وتحقيق " الخلاص" لبنى إسرائيل وإعادة مجدهم المزعوم، فى سبيل تحقيق الاطماع التوسعية للكيان الصهوينى.
فحسب دراسة علمية حديثة أُجريت داخل جامعة "عين شمس" أكدت أن بداية الألفية الثالثة (الحالية) تمثل بالنسبة لأتباع الديانة اليهودية وبعض الطوائف المسيحية البروتستانتية- التى تعتقد أن اجتماع اليهود فى فلسطين خطوة حتمية فى سبيل المجىء الثانى لـ"يسوع المسيح" ليحقق الخلاص النهائى للمؤمنين به- علامة فارقة فى تاريخ الكون عامة وتاريخ اليهود بصفة خاصة، نظرًا لأنها تمثل الألفية السادسة من عمر الكون وفقًا لحساباتهم وتوقعاتهم المبنية على حسابات بعض الأرقام الواردة فى سفر دانيال فى العهد القديم عند اليهود، وسفر يوحنا اللاهوتى فى العهد الجديد عند النصارى.
وتشير دراسة الباحثة رشا محمد محمود التى حصلت بموجبها على درجة الماجستير بتقدير ممتاز، أن بداية الألفية الحالية حسب تلك المزاعم تشهد ما يشبه حمى التنبؤ بالحروب بين الأمم، والكوارث التى تحل بالعالم، باعتبارها إرهاصات لنهاية العالم، فأطلق البعض لخياله العنان لوضع تواريخ محددة لليوم الذى سوف يشهد نهاية العالم.
وقالت الدراسة، إن نبوءة لأحد حاخامات القرن الثامن عشر ويُدعى "جاؤون فلينا"- التى يزعم فيها أن اليهود سيشرعون فى بناء هيكلهم الثالث فوق أنقاض المسجد الأقصى فى السادس عشر من مارس عام 2010- قد لاقت رواجًا وانتشارًا هائلاً على صفحات الصحف الإسرائيلية وعبر شبكات المعلومات الدولية (الإنترنت). وأُنشئت مواقع خاصة للرد على التساؤلات الخاصة بكيفية النجاة من تلك الكوارث التى سوف يشهدها العالم، والاستعداد لخوض الحروب التى سوف تشنها الأمم على إسرائيل.
وتضيف الدراسة العلمية التى أشرفت عليها الدكتورة ليلى إبراهيم أبو المجد أستاذ الدراسات التلمودية بقسم اللغة العبرية كلية الآداب جامعة عين شمس، والدكتور محمد السعيد جمال الدين أستاذ اللغة الفارسية بقسم اللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة عين شمس أن تلك التوقعات تستند إلى ما ورد فى التلمود وتفاسير أحبار اليهود أن الكون سوف يستمر ستة آلاف سنة ثم يخرب فى الألفية السابعة، فقد خُلق الكون فى ستة أيام، وكل يوم من أيام الخليقة يساوى عندهم ألف سنة. ووفقًا لتوقعاتهم فسوف تشهد هذه الألفية أحداث ما قبل النهاية، وحروب آخر الزمان (حروب جوج وماجوج) أو "هرمجدون"، ونزول "المسيح المخلص" ليتطهر العالم من أدرانه، وتزول الأرض وتتجدد، ويعم السلام والرخاء الكون.
وعلى سبيل المثال فهناك الكثير من أصحاب التنبؤات والتكهنات، مثل الحاخام ماجور "מגור"، يقولون إن "المسيح" المخلص سوف يظهر بين اليهود نهاية العام القادم 2012 على أقصى التقديرات، وأنه على اليهود أن يكونوا مستعدين، ومتأكدين أن "المسيح" سوف يظهر فى أى لحظة. لذا يجب على اليهود أن يجتمعوا على أبواب أورشليم (القدس) للدفاع عنها حينما تنشب الحرب بينهم وبين الأمم الأخرى. فاجتماع ستين ألف يهودى على أبواب "أورشليم" كفيل بتحقيق الخلاص المنشود، كما يربط الحاخامات اليهود بين الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والأعاصير التى تجتاح مناطق مختلفة فى العالم، مثل إعصار تسونامى جنوب شرق آسيا، وبين نبوءات آخر الزمان المذكورة فى الموروث الدينى اليهودى المتمثل فى التلمود وكتب التفاسير وما تلاها من تفسيرات لفقهاء العصر الوسيط وحاخامات الكيان الصهيونى الآن. ويمثل ذلك نوعًا من الاستغلال المباشر للشعور الدينى لدى اليهود المتدينين.
ويتزامن ذلك مع اتجاه الكيان الصهيونى إلى التأكيد على يهودية دولة إسرائيل، بعد أن كان هناك إصرار شديد من جانبهم على علمانيتها فى البداية، فتعالت النبرة التى تؤكد على أن إسرائيل دولة يهودية تتبنى قيم الحرية والعدالة والاستقامة والسلام، وتنهل من التقاليد الدينية، والتوراة هى الكتاب الرئيسى، وأنبياء إسرائيل هم أساس أخلاقياتها، وتقوم فيها قوانين الزواج والطلاق بموجب قانون التوراة.
ولم يتوقف الأمر لدى الدولة الصهيونية عند حد التكهنات ووضع الحسابات لزمن النهاية، إنما بدأت فى اتخاذ خطوات فعلية لإحياء مجدها المزعوم فى آخر الزمان، وفى سبيل ذلك تسعى إسرائيل بخطى حثيثة لاتخاذ خطوات فعلية لتهويد جميع الأراضى الفلسطينية.
وفى الوقت ذاته قامت مجموعة من الهيئات الدينية أو ما يسمى جماعات "أنصار الهيكل" التى تعمل على دفع فكرة إقامة "بيت المقدس الثالث" (الهيكل الثالث)، وتضع نصب عينيها هدفًا واضحًا، هو هدم أو تفجير المساجد الواقعة على جبل الهيكل (مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى)، وبناء "بيت المقدس الثالث" على أنقاضها.
وفى المقابل تشن الحكومات الإسرائيلية حملات ترويع واعتقالات مستمرة على السكان الفلسطينيين، أصحاب الحق التاريخى فى الأراضى الفلسطينية، تحت زعم حتمية عودة اليهود إلى الأرض الموعودة والاستعداد لإقامة "الهيكل الثالث" تمهيدًا لظهور "المسيح المخلص"، إلى جانب ما تحصل عليه من دعم من المؤسسات "المسيحية الصهيونية" فى أمريكا والبلدان الأوروبية.
وقد قامت الدراسة بتتبع جذور تلك المعتقدات الدينية فى التلمود وكتب التفاسير اليهودية، والوقوف على أصول تلك الأفكار والمعتقدات فى ديانات ومعتقدات حضارات الشرق الأدنى القديم ككل.
وقد تكونت لجنة مناقشة الدراسة التى أشرفت على البحث العلمى كل من الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الحميد البحراوى الأستاذ بقسم اللغة العبرية بكلية الآداب جامعة عين شمس، والأستاذ الدكتور محمد عبد الله الشرقاوى الأستاذ بقسم الفلسفة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.
وتوصلت الدراسة إلى شيوع معتقد الخلاص فى ديانات الشرق الأدنى القديم، السابقة لديانة بنى إسرائيل. وقد اعتمدت فكرة الخلاص فى جوهرها على الصراع الدائم بين الخير والشر سواء على مستوى عالم الآلهة أو على مستوى البشر، وقسمت حضارات الشرق الأدنى القديم تاريخ الكون إلى عدة دورات تاريخية ترتبط نهاية كل دورة منها بحدث مفصلى يؤدى إلى نهاية مرحلة ما لتبدأ دورة تاريخية جديدة، ويرتبط ذلك الحدث- بالضرورة- بفكرة الصراع الدائم بين قوى الخير وقوى الشر، وتنتهى تلك الدورات بانتصار قوى الخير والقضاء على قوى الشر للوصول بالعالم إلى حالة الكمال الأبدى.
وتوصلت الدراسة أيضاً إلى تباين مفهوم الخلاص فى ديانات الشرق الأدنى القديم وفقًا لاختلاف مفهوم العالم الآخر، ومفهوم الثواب والعقاب فى كل ديانة على حدة، فقد تبنت الحضارة المصرية القديمة مفهوم الخلاص الأخروى الذى ينال فيه الفرد جزاءه عن أفعاله فى الدنيا فى العالم الآخر، باعتباره عالم الخلود، فقد اعتقد قدماء المصريين فى البعث بعد الموت وتضمن هذا الاعتقاد الإيمان بالدينونة والثواب والعقاب، والخلود فى مملكة "أوزوريس" كجزاء للصالحين.
أما فى بلاد الرافدين فقد ارتبط مفهوم الخلاص بعالم الآلهة فقد خاضت الآلهة صراعًا طويلاً بين القوى الخيرة متمثلة فى الآلهة الأبطال، وبين القوى الشريرة المتمثلة فى آلهة على هيئة تنانين هائلة وشياطين، وهو ما أدى فى النهاية إلى حالة خلاص نهائى للآلهة والوصول بها إلى حالة سرمدية من السلام والتنعم بالقرابين والتقدمات البشرية. بينما كل ما كان يسعى إليه سكان وادى الرافدين هو نيل صورة مبسطة للخلاص فى شكل انعكاس وقتى للعصر الذهبى للآلهة، والعصر الذهبى الأول للإنسان الذيحُرم منه لسبب أو لآخر، كارتكاب الخطيئة أو المخالفة أو التجاوز. لذا فقد كان غاية ما يرنو الفرد إليه من خلاص هو استعادة ذلك العصر الذهبي.
وتقوم فكرة الخلاص فى الزرادشتية على مبدأ حلولى فـ"روح القدس" قد هبطت من السماء إلى الأرض بعد مرورها بسلسلة من الكائنات العلوية إلى أن حلت فى جسد زرادشت وقد صاحبته طوال حياته. كما تحدثت النبوءات المتعلقة بالخلاص عن حلول الجلالة فى زرادشت والمخلصين الثلاثة الذين سوف يأتون من نسله. كما تظهر من خلاله النزعة العنصرية عند الحديث عن العنصر الآرى محل إختيار الرب "أهورامزدا" وصاحب الحق الوحيد فى نيل الخلاص.
كما ارتبط مفهوم الخلاص فى الزرادشتية بالعديد من المفاهيم المتعلقة بآخر الزمان مثل: إحياء الموتى (البعث) والثواب والعقاب، والحكم الألفى السعيد.
أما بالنسبة للديانة اليهودية فقد كان مفهوم الخلاص من أكثر المفاهيم الدينية ارتباطًا بالحالة السياسية لجماعة بنى إسرائيل فكان للوضع السياسى لتلك الجماعة، أثر واضح فى تبلور وتطور ذلك المفهوم. فقد كان تردى الوضع السياسى أو استقراره هو العامل المحدد لظهور معتقد الخلاص بين جماعة بنى إسرائيل. وقد كان السبى البابلى أكثر الأحداث السياسية تأثيرًا فى مفهوم الخلاص.
لم ترد فكرة الخلاص فى أسفار التوراة الخمسة، وكان أول ظهور لها فى أسفار الأنبياء، ومن خلال تتبع الفكرة فى أسفار الأنبياء يمكن رصد التطورات التى لحقت بمفهوم الخلاص سواء فى أثناء فترة السبى، وفترة ما بعد العودة من السبى. ويُصور فى أسفار الأنبياء على أنه خلاص قومى جماعى للشعب وليس للأفراد، وهو خلاص وقتى.
قد يتم فى المستقبل القريب الذى قد يعاصره بعض ممن عاصروا النبوءات التى قالها الأنبياء. وقد جاءت نبوءات الأنبياء قبل السبى لتوضح أن المقصود بالخلاص هو الخلاص من المحن والشدائد، وأن هذا الخلاص يتوقع حدوثه فى وقت وشيك، داخل الزمان الحالى، المعاصر لتلك النبوءات. وتكون التوبة هى الأساس لتحقيق الخلاص.
دراسة تكشف:الساسة الإسرائيليون يستخدمون الدين لتحقيق الأطماع بفلسطين.. وإسرائيل تربط بين الأحداث السياسية الكبرى وبين نبوءات "التلمود"لـ"آخر الزمان"..وحاخام يهودى: "المسيح" سيظهر بين اليهود نهاية 2012
الثلاثاء، 17 أبريل 2012 05:44 م
رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نيتانياهو
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد شاكر
حقا تلك سياساتهم