وقفت أتلفت حولى وقد وقفت مجبراً فى ظل شجرة صفصاف مورقة ترمى بأغصانها إلى مياه ترعة قريبة، كى تغتسل من خطايا البشر، تأملت كم الطعام القليل الذى وضُع أمامى وقد أدركت أنه لا يكفى هذا المجهود المضنى، الذى أقوم به بصورة يومية دون ملل أو كلل، كيف يسمح هذا لنفسه أن يبخل على بقوت يومى على الرغم أن الكثير من البشر يلقون فى صناديق القمامة بكميات هائلة من الغذاء تكفى لسد رمق الكثيرين ..! وعلى الرغم من أننى لا أتقاضى راتباً ولا أعول أحداً إلا أننى أشعر بالغبن لهذا الشعور المهين، الذى يُمارس معى عن قصد ..ولا أدرى هل هو نوع من الإقتصاد أن يُلقى إلى كماً قليلا من الطعام وألا أتقاضى راتبا نظير ما أقوم به من مجهود، أم أنه مجرد إضطهاد مقصود لشخصى المتواضع ..! أى نوع من الإضطهاد والتعسف هذا الذى يمُارس معى بصوره ممنهجه ..لماذا كل هذه الإزدواجية فى التعامل ..من لا يبذل الجهد يتقاضى أكثر منى ..بل يوضع أمامه الكثير من المأكولات التى تثير اللعاب ويأكل منها حتى يصاب بالخمول والكسل ...عموما فكثرة الطعام فى المعدة ليست من الأمور الحميدة فهو بهذا التصرف الغير عادل يعالجنى بالتى كانت هى الداء وينسى نفسه ...فيذهب إلى الطبيب مرة كل ثلاثة أشهر، لإجراء فحوصات الكوليسترول والدهون وقياس السكر ..،أما أنا فلا أعرف طريق الطبيب إلا فيما ندر ومعظمها أمراض بعيده عن الإسراف فى الطعام حتى لو اسرفت فلدى من الهمة والنشاط ما يكفى لحرق أى كم من الطعام .. ،
يبدأ عملى عندما يبدأ الليل فى الانحسار وتقوم طيور الخالق بنشر البهجه بين السنابل فى الحقول وينتهى المصلون من تسبيحاتهم شكراً وعرفانا للخالق بنعمه التى لا تحصى ..
وإلى أن يقوم الأطفال بالإستعداد للذهاب إلى كتّاب القرية أكون قد ذهبت إلى الحقل ببعض من السماد مصاحباً للماشية فى مشوار معتاد بصوره يوميه ..وفى طريقى على امتداد البصر واللون الأخضر يكسى الأراضى بالغذاء الذى يضنّ على به صاحبنا ..ولا أدرى لما يزرعه ولما يضن به على ..وعلى الرغم أنه طعام لا يصلح للبشر، إلا إذا كان يريد تغيير النمط الغذائى للبشر، فأنا أستسيغه كما لم أستسغ طعاما قط، وهذا ما يجعلنى قانعاً بما يوضع أمامى من طعام ..فالمعدة لم يخلقها الخالق كى تملأ بالطعام حتى نشعر بآلام الشبع ..نعم للشبع آلام كما للجوع أوجاع لا يشعر بكلاهما، إلا من تمرس على التعايش معهما، وأنا تعايشت مع كل الأحوال حتى ألفت الجوع وتمرست على تحمل الإحساس بالشبع ببذل مزيد من الجهد ..إذاً فلا حاجه لى بالذهاب إلى أطباء الحمية كما يفعل هؤلاء الذين أثخنهم الشبع..
أعود من الحقل يكون الأطفال قد أتموا استعدادهم وتناولوا إفطارهم وتأهب الجميع إنتظاراً لعودتى، كى أصطحبهم إلى كتّاب القرية، وفى طريقى أكون حذراً فى السير وأسير على مهل حتى لا أرتكب جرماً يدفع ثمنه هؤلاء الصغار ..فلم أرتكب حادثاً قط ولم أصطدم أبداً بأحد فى رحله الذهاب والعودة وأعود سالماً دائماً، على الرغم من كثرة حوادث القطارات والسيارات إلا أننى أحافظ على نفسى ورفاقى وهذا فضل من الله، كى استطيع أن أكمل رسالتى التى أوكلها الخالق سبحانه إلى ..عموما ها هو النهار قد قارب على الانتهاء واستعدت الشمس للسفر فى رحلتها اليومية ..لقد كان يوما شاقا بالنسبة لى فقد قمت اليوم بنقل كمية لا بأس بها من الطعام تكفى قطيعاً من المواشى فى المزرعة الخاصة التى أعيش فيها ..وها هو صاحبى قد عاد وقد حمل لى كما لا بأس به من البرسيم الأخضر الناضج كى أتناول وجبه العشاء .
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
roma roma
دنيا غروره وكدابه زى السواقى القلابه..!!!!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
اكرم
مبدع كالعاده وهذا ليس بغريب - وتعليق 1 جاء بالمفيد
عدد الردود 0
بواسطة:
د. طارق النجومى
مازالت أصواتهم أنكر الأصوات
عدد الردود 0
بواسطة:
اكرم
حقيقي كلام الدكتور طارق النجومي
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح لطف الله
الرفق بالبشر
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام كرم الطوخى
الضاحك المبكي
عدد الردود 0
بواسطة:
حمدي يوسف
اشكركم جميعا