د. محمد صلاح أبو رجب

مجلس الدولة.. القضاء الشامخ

الأحد، 15 أبريل 2012 03:33 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن القضاء بشكل عام هو الركيزة الأساسية لأى مجتمع يرغب فى التقدم والرقى، والمتتبع لتطور نشأة الدولة بمفهومها الحديث يدرك للوهلة الأولى أن الحاجة للقضاء العادل سبقت الحاجة لتكوين الدولة ذاتها، "فالعدل أساس الملك"، أى أنه سبق الملك نفسه ومهد لاستقراره وبقائه.
وقضاء مجلس الدولة قضاء شامخ وعريق، فهو أول قضاء مستقل فى تاريخ العالم العربى، فقد حفظ فى ذاكرته صمود رئيسه - فقيه القانون المصرى وعميد الفقه العربى - فى مواجهة قادة ثورة 1952، ويقوم مجلس الدولة بدور قضائى فعال فى المنازعات الإدارية والتأديبية، كما أن له اختصاص الفتوى والتشريع للوائح والقرارات فى المرفق الإدارى.

ويقوم مجلس الدولة بدور هام فى الوقوف ضد الفساد، فله العديد من الأحكام فى هذا الشأن صدرت فى ظل النظام البائد، حيث حكم ببطلان عقد مدينتى، وأصدر أحكاما بإلغاء تصدير الغاز لإسرائيل، وإلغاء الحزب الوطنى ومصادرة ممتلكاته، وإلغاء الخصخصة للكثير من الشركات منها بطلان عقد بيع شركة عمر أفندى، وحكم ببطلان إجراءات الانتخابات فى الكثير من الدوائر لمخالفتها القانون.
كما أن لمجلس الدولة العديد من الأحكام الصادرة فى شأن حماية حقوق وحريات المواطن فى مواجهة توغل الدولة بسلطاتها وحصاناتها، كما هو الحال فى بطلان إحالة المدنيين للقضاء العسكرى، وطرد الحرس الجامعى، وإلزام الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، وقضية قطع الاتصالات، وقضية كشف العذرية الشهيرة وقضية مرشح الرئاسة الشيخ محمد حازم أبو إسماعيل وغيرها من الأحكام التى لا يتسع لها هذا المقام.
وقد صدر أخيراً حكم محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية لمخالفتها للإعلان الدستورى.
ويعد هذا الحكم – وبحق - نقطة تحول فى مسار الثورة لأنه يحمى الحياة السياسية ويصحح المسار السياسى فى مصر، ويحمى الدستور المصرى القادم من انفراد قيادات وأعضاء تيار الأغلبية بوضع الدستور رغم أن ذلك لا يحق لهم تحت أى حال من الأحوال، فلا توجد أغلبية تضع دستورا، لأنها أغلبية مؤقتة، فمن له الأغلبية فى هذه المرحلة قد لا يكون كذلك فى مرحلة أخرى.
وبمناسبة هذا الحكم أهمس فى أذن التيار الحاصل على الأغلبية فى البرلمان أنه بعد صدور هذا الحكم لابد أن يضع نصب أعينه مصلحة الوطن، وأن يختار الـ100 عضو دون أن يقع فى أخطاء الماضى، وذلك بتحديد المعايير قبل الأشخاص، وعدم المغالاة فى تمثيل أعضاء الجمعية من داخل المجلسين، وأن تشمل الجمعية التنوع الذى يذخر به المجتمع المصرى، وأن يكون هناك تمثيل نسبى عادل تشعر معه الأحزاب السياسية ويشعر معه المواطن المصرى بأن الدستور هو ملك لهم وهو الجائزة التى انتظروها بعد الثورة.
أعود لمجلس الدولة، مؤكداً على أن ما ذكرته عن هذا الكيان القضائى الشامخ هو أقل بكثير مما يستحقه، ولكن ما يثير استغرابى ودهشتى المطالبات التى تصاعدت خلال الفترة السابقة بإلغاء مجلس الدولة ودمجه فى القضاء العادى، أو محاولة بعض الهيئات الأخرى الادعاء بأن القضاء التأديبى الذى يختص به مجلس الدولة دستوريا وقانونيا هو من حقها، ولا أرى أى أساس منطقى أو قانونى لهذه المطالبات، وأعتقد أن من يطالب بذلك هو يطالب بهدم أرث قضائى يرتد لخمسة وستين عاما، هل هذا من العقل والمنطق فى شىء؟
ولن تجد هذه المطالبات نفعا، ولن تخرج عن كونها مجرد خيال فى أذهان من ينادون بها، فالمجلس له دور واضح فى قيام ثورة 25 يناير والمحافظة عليها الآن من خلال الأحكام العديدة السابق ذكرها، ونحن كقضاة أبناء هذا الصرح والشعب ذاته، ومن قبل ذلك كله عناية الحق والعدل، سنحمى هذا الصرح القضائى ضد كل الدعوات الداعية لإلغائه، أو دمجه مع غيره، أو توزيع اختصاصاته على غيره، لأنه ببساطة هو الملاذ الأول والأخير لهذا الشعب، وليت من يدعون إلى ذلك أن يعوا ويعلموا هذه الحقائق. وأن يعلموا تحديدا أن مجلس الدولة هو قبلة كل ذى مظلمة فلا يمكن لأى مظلوم أن يستغنى عنه.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة