قال د.شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة، إن ثروت عكاشة هو رمز من رموز النهضة الثقافية التى تمزج بين القول والفعل والرؤية والإنجاز وإسهاماته تتنوع بين الكم والكيف وهى تتنوع فى التأليف والترجمة، كما أن المشروعات الثقافية التى أنجهزها نجدها فى كتاباته عن فنون الشرق مثل الفن المصرى القديم والكتابة عن فنون الإغريق والرومان مرورا بعصور النهضة وصولا إلى الفن الحديث، حيث كان يمزج بين الطلاقة والأصالة وكان يمتلك الرؤية والقدرة على متابعة تلك الروية باستمرارية متواصلة وكان يكتب فى علوم النفس والترجمة.
جاء ذلك فى حفل تأبين "ثروت عكاشة" بالمجلس الأعلى للثقافة مساء أمس الأربعاء، والتى أدارها د.سعيد توفيق أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، حيث بدأ حفل التأبين بعرض فيلم تسجيلى عن حياه ثروت عكاشة وانتهى التأبين بعرض موسيقى للفنانين رانيا يحى ورشا يحى أحد تلاميذ ثروت عكاشة.
وأضاف وزير الثقافة، أن إنجازات ثروت عكاشة لا تبدأ مع ثورة 52، لأنه وضع تلك البذور قبل تلك الفترة من خلال كتاباته وأكمل هذه المسيرة ولم يحد عنها ومن إنجازاته إنشاء فرقة الموسيقى العربية وفرقة البالية والسيرك القومى وإنقاذ آثار النوبة وفى مجال المعاهد والفنون رغم أن تلك الفنون وصلت إلى حالة من التراجع نتيجة تراكم عديدة لعصور مضت، كما أنه قام بتأليف أكثر من 26 كتاباً منها مذكراته فى السياسة والفن وهى كتب ترصد فترة مهمة من مراحل تاريخ الشعب المصرى وفى الترجمات قام بترجمة العديد من الكتب ومنها كتابات جبران نقلها إلى العربية، علاوة على أنه يمتلك العديد من المؤلفات باللغة الإنجليزية وكتاباته أقرب إلى النقد الثقافى لأنه لا يقوم برصد تسلسل تاريخى، وإنما يقدم رؤية واسعة يحيط بها طبيعة المكان، كما أنه يعد من أهم الفنانين الذين برزوا فى ذلك العصر ويتحدث كناقد فى الفن وكمؤرخ فى التاريخ ويقدمها فى لغة ممتعة ومتدفقة تؤثر فى القارئ والمتلقى.
وقال د.سعيد توفيق، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، إن ثروت عكاشة كان مهندس الثقافة المصرية بعد ثورة يوليو، فهو من قام بإنشاء صروح الثقافة المتحررة من طبيعة الحياه العسكرية رغم أنه كان رجل عسكرى فارس، كما أنه يعد مؤسس الثقافة بحريتها وتعدد روافدة فى ظل نظام لا يخلو من الديكتوراية وهى مفارقة.
وأوضح د. أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى، أن ثروت عكاشة كان يرى أن حواسه الخمسة تتكامل مع بعضها ولا تعمل بمفردها، حيث كان ينشد الكمال فى كل كتاباته ويتابع كل ما يتعلق به من قرب، كما أنه يؤمن أن لا يوجد كمال من غير فضيلة ولا فضيلة من غير كمال وكان لا يحب أن يهدر وقته فى التسالى مما أدى إلى اتهام البعض له أنه متجهم وانطوائى، وكان لا يهتم بصورته الاجتماعية وكان يفضل العمل والاجتهاد عن تلك الصورة.
وفيما يتعلق بالناحية العلمية والطبية قال إن "ثروت" كان يمتلك توليفه عالية بين فصه الأيمن والأيسر لعقله وكان بينهم توافق كبير رغم أن معظم العقول البشرية لديها فص أنشط من فص آخر، مما جعله يكتب ويفكر ويحسب وكان لدية قدرة على الصمود والمثابرة وتحمل الأعباء لمدة تتخطى 14 ساعة يوميا، كما أنه كان يهتم بالعمق مقابل السطحية والعمل فى صمت والبعد عن الناحية الإعلامية والدعائية وكان يمزج بين الثقافة الشرقية والغربية، مؤكدا أن "تروث" كان قدوته.
وقال الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، إن بداية علاقتى بثروت عكاشة كانت عندما كتبت الأمير المتسول وصورت فيها حالى وحال المثقف المصرى فى ستينيات القرن الماضى، وكيف سقطت الأحلام وأصبحت أوهام وصارت الأكاذيب ثقافة سائدة وكتبتها وأهديتها للويس عوض الذى كان يشرف على صفحة الأهرام فى ذلك الوقت، وبعد نشرها تلقيت مكالمة من ثروت عكاشة وقال لى قرأت القصيدة وأعجبت بها لأنها وصلت بينى وبين الفارس النبيل.
وأضاف حجازى أن ثروت كان يحظى بتأييد واحترام النخبة المثقة عندما وقف بجانب الديمقراطية فى أزمة مارس التى انقسم فيه ضباط يوليو بين تسليم السلطة للمدنين وبين البقاء فيها والانفراد بها وكان من نتيجتها انسحاب الضباط المعترضين، وكتب عنى "ثروت" مقاله نشرتها مجلة المصور، مؤكدا بأن ثروت رحل عن عالمنا بعدما أدى ما علية للثقافة المصرية وترجم لجبران النبى وحديقة النبى وعيسى ابن الإنسان وأرباب الأرض، وخصص موسوعته لللتعريف بفنون العمارة والنحت والموسيقى ومختلف العصور عرضا وطولا منطلقا من هذا المبدأ ووحدة الفنون وتجاوبه وتكامله، حيث كانت وحدة الفنون لديه تفسر معظم فنون ثروت عكاشة كما أن من إنجازاته أنه ترك وراءه أعمال تحقق له حضورا لا يغيب.
وقال الأديب والروائى بهاء الدين طاهر، إن كل ثورة فى الدنيا يوجد ما يعبر عنها، وليس ضرورى أن يكون أشهر رجالها وكان ثروت عكاشة هو من عبر عن ثورة يوليو بمفهومها الثقافى كضابط مصرى يجسد أفضل ما سعت إليه ثورة يوليو 52، رغم أنه كان بعيدا كل البعد عن الأضواء، وكان يمثل نموذج حلم الثورة، فقد كان لا يهتم بالمناصب، وقبل منصب وزير الثقافة بعد إلحاح شديد من قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكل ما كان يعنيه الإنجاز فى خدمة تلك الثورة فقط التى آمن بها لأجل مصلحة الوطن وإيمانه بأن تلك الثورة كانت له رسالة حضارية، وكان يؤمن أن هناك دورا حضاريا لمصر ينبغى أن تقوم به كرائدة فى منطقته والعالم كله، وكان يسعى إلى العالمية فيما كان يقدمة سواء كان وزيرا أو مترجما أو مبدعا وكان يكرس كل وقته لكل ما كان يكتب عنه.
أما الناقد والفنان التشكيلى، عز الدين نجيب، فيؤكد أن أهم مميزات ثروت عكاشة أنه كان مهتما بالشباب ويراهن عليهم فى البناء الثقافى حيث كان يستدعى مجموعة من الشباب للقيام بأدوار قيادية فى الأعمال الثقافية، وبفكر رجل أمن بالشعب، وكان يرى الثقافة للشعب ضرووة مثلها مثل الضروات الأساسية الأخرى كالتعليم والعلاج والصحة والغذاء، كما أعطى "عكاشة" المسئولية لأجيال كان لا يضمن ما يمكن أن تفعلة فى تلك التوقيت، وخاصة أن الشباب فى ذلك الوقت كان ما بين مؤمن بمبادىء الثورة ومنهجها، وما بين معترض على مسارها الديمقراطى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة