لا تتسق الخطوات الأخيرة التى اتخذتها جماعة الإخوان المسلمين فى مصر مع منهجها الذى اتبعته لعقود مضت، فالتحول فجأة من عدم الدفع بمرشح رئاسى إلى الدفع بمرشح من أبناء الجماعة كان تحولاً غريباً استهجنه الشارع المصرى، قبل أن تنتقده كل القوى السياسية، التى رأت فيه عدم مصداقية من الفصيل السياسى الذى يهيمن على السلطة التشريعية بفرعيها (مجلسى الشعب والشورى)، والغريب فى الأمر هو أن أحد المبررات- بل المبرر الأساسى- من وجهة نظر قادة الجماعة أن متطلبات المرحلة هى التى تفرض عليهم الدفع بمرشح رئاسى، فهل متطلبات المرحلة تقتضى أن تسيطر الجماعة على كل أركان السلطة فى مصر؟!، وبعد ساعات- وليس أيام- تدفع الجماعة بمرشح آخر- احتياطى- مستفيدة مما حدث للمرشح "أيمن نور"، ويأتى المرشح الاحتياطى بشكل يؤكد أن الجماعة لديها إصرار لاقتناص المنصب، ولعل فى هذا إعلان نهاية المقولة التى رددها الإخوان لسنوات "مشاركة.. لا مغالبة".
منذ الأيام الأولى للثورة والإخوان لم يظهروا فى الصورة بوضوح، فقد فضلوا أن ينتظروا حتى تتضح معالم المظاهرات والاحتجاجات التى ملأت الشوارع والميادين، وعندما باتت الصورة أوضح وبات النموذج التونسى قريب من التحقق على الأرض المصرية.. نزل الإخوان إلى الشارع، أليس من الغريب أن يحتكر السلطة فصيلاً كان آخر من نزل إلى الميدان، بالرغم من تكرار الحديث عن أنه هو الأكبر من بين الآخرين، وهم أيضا الفصيل الذى كان من بين المهرولين إلى لقاءات عمر سليمان، تلك اللقاءات التى عُقِدَ أحدها فى ظل صورة كبيرة للرئيس المخلوع حسنى مبارك، وقد ركز التليفزيون المصرى فى نقله لهذا اللقاء بين عمر سليمان والقوى السياسية أن يكون للبرواز الكبير الذى يحمل صورة مبارك نصيب كبير من الظهور على الشاشة، فى نفس الأثناء كان الثوار فى الشوارع يواجهون ويلات الرصاص المطاطى وقنابل الغاز المسيل للدموع.
الإخوان إذ يرشحون الشاطر ثم يدفعوا بمرشح احتياطى له، فإنهم يعطون لأنفسهم صفعة قوية على الوجه، وستبقى آثار الأصابع واضحة لفترة قد تطول دون أن تُمحَى، فالفشل فى الحصول على فرصة تشكيل حكومة من المجلس العسكرى لا يعنى هذا أن الضرورة قد دفعت الجماعة إلى اقتناص منصب الرئيس، ألم يكن من الممكن تنسيق الأمر مع الرئيس القادم فى هدوء، دون زوبعة الدفع بمرشح فى تراجع واضح عن مصداقيتهم؟ أليست الجماعة هى من يهيمن على تأسيسية وضع الدستور، وبالتالى فبإمكانهم تحويل نظام الحكم إلى نظام برلمانى؟، صحيح أن من حق الإخوان تشكيل الحكومة.. وأنا من مؤيدى ذلك، فمن يملك الأغلبية البرلمانية يشكل الحكومة.. وهذا متعارف عليه فى كل دول العالم، لكن هل تجنب الجماعة للصدام مع العسكر كان يستوجب الاستحواذ على منصب أعلى من سلطة العسكر!، ثم العودة إلى سحب مرشحهم بشكل دراماتيكى، وكأننا نشاهد مسلسلاً تركياً، فقط هنا يجب التذكير بأن الميدان استطاع أن يأتى بعصام شرف.. والميدان أيضا استطاع أن يطيح بعصام شرف، والإخوان رحبوا بالجنزورى فى البداية.. لكنهم فشلوا فى الإطاحة به، رغم أن المرحلة تقتضى ذلك، وحتى يتمكنوا من تطبيق برامجهم الانتخابية التى وعدوا بها أبناء الشعب.. إذ إن فقدان الذراع التنفيذى والاكتفاء بالذراع التشريعى هو أمر عديم الجدوى، فلو افترضنا أن الانتخابات التشريعية ستجرى خلال الشهر القادم مثلاً.. فإن أغلبية اليوم ستكون أقلية الغد، وبصورة دراماتيكية سيفقد الإخوان والسلفيون معظم مقاعدهم!
مخطئ من يظن أن مصر تمر الآن بأفضل أوقاتها.. بل هى أصعبها على الإطلاق، وهذا يعنى أن الشعارات التى ترددها القوى السياسية من ضرورة التحالف والتوافق وليس الهيمنة أو السيطرة هى مقتضيات المرحلة الحالية، إن من العيب- بل كل العيب- أن نتناحر ونتصارع، بل ونتآمر على الوطن.. ودماء الشهداء لم تجف من على ثيابهم حتى الآن.
أحمد الغـر يكتب: الإخوان.. يعطون لأنفسهم صفعة قوية!
الخميس، 12 أبريل 2012 01:03 م