خالد الشرابى يكتب: عم بشندى.. والإعلام اللى يحرق الدم

الجمعة، 09 مارس 2012 08:25 ص
خالد الشرابى يكتب: عم بشندى.. والإعلام اللى يحرق الدم صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كعادتى كل يوم أذهب إلى جارى «عم بشندى» حيث يعود من عمله بعد غروب الشمس ثم ينام حتى التاسعة مساء فأذهب إليه دون استدعاء ونبدأ السهرة سوياً، منضدة صغيرة عليها مفرش مهترئ يغمره «عم بشندى» باللب بأنواعه والسودانى «مكسرات الشعب» التى يستعيض بها عن المكسرات التى تكسر ميزانيته قبل أضراسه، يلقانى «عم بشندى» بابتسامة وجهه الدائمة ويسألنى الأسئلة الروتينية: عامل إيه وأخبار الدنيا معاك تلاحقها إجابتى المعتادة الحمد لله على كل حال، يعد لى الشاى وأكرر عليه تنبيه كل ليلة: شاى خفيف يا عم بشندى بلاش الحبر اللى بتعمله، ويطمئنى بذات كلمات كل ليلة: من عينى انت عارف أنا بطلت السجاير العلبة بقت بـ 15 جنيه بعيد عنك عشان كده بشربه حبر!. ما بين قزقزة اللب وتقشير الفول السودانى واحتساء شاى فى ليل برده قارس يمسك عم بشندى بريموت الريسيفر ويقلب فى القنوات ويبدأ بقناة الفراعين وتوفيق عكاشة وقبل أن أطالبه بحذف القناة يفحمنى بكلماته: والنبى يبنى الراجل ده هو اللى حاسس باللى زى حالاتى كفاية إنه بيكلمنا زى ما نكون أصحابه على القهوة، قلت له خليها مصطبة أحسن، بضحكات متتالية لا تلبث أن تفرغ من فم «عم بشندي» فيأتى الفاصل الإعلانى طويل المدة فيمسك بالريموت مستعملاً حقه بالضيافة وإذا بقناة مودرن سبورت ومدحت شلبى وجهبزته السياسية وفتاوى وكلام مرسل خارج المستطيل الأخضر أساسه الترويع وتبلد روح الثورة !. مع نفخات تنطلق من فمى وزفرات متكررة تسحب شحنات غضبى أعرض على عم بشندى متعشماً فى مشاهدة لقاء خالد على مرشح الرئاسة الشاب مع يسرى فودة وما كدت أنتهى من عشمى وعم بشندى يصوب إلى ركلة تطبق أسنانى وتلجم لسانى بسؤاله هو مين يسرى فودة ده يبنى؟. لا أجد إلا إنى أجاوبه بذكر الله واستغفاره فيتذكر طقسه الدائم بمشاهدة قناة الناس وأبتسم له فى محاولة لفك عنكبوتية هذه الليلة قائلاً: يا عم بشندى يا مؤمن!، ولم تلبث كلماتى أن تنتهى والداعية خالد عبد الله يستكمل ما قطعته الفواصل الإعلانية فى الفراعين ومودرن من تحيات وتبجيلات للعسكرى ومخططات إسقاط الدولة، يبدو أن عم بشندى قد انهمك فى المشاهدة وبدا على قسمات وجهه التأثر الشديد واقتضابه وارتكازه على ظهر الكنبة الفاصل بينه وبرودة الحائط وإذا بالإشارة تضعف والصورة تنقطع وعم بشندى تنفر عروقه ضارباً على كفيه وكالعادة يعطينى الريموت فى الأزمات فقط مستغيثاً: مفيش إشارة شوف إيه اللى حصل يبنى كدة، فوجدت سقوط طبق الدش من شدة تيارات الهواء فصبرّته قائلاً: انت عارف أمشير والشتا بتودع!، فى الحقيقة كنت أحاول جاهداً ألا يتعكر صفو هذه الليلة أكثر من ذلك فاستبدلت التليفزيون الأرضى بالدش وإذا بفيلم تسجيلى عن محمية رأس محمد وفى قناة أخرى نشرة باللغة الفرنسية وعم بشندى يتثاءب فبادرت بكلمات الذوق والأدب أستئذنك يا عم بشندى أسيبك تنام ..آه والله يبنى عليا شغل من صباحية ربنا.. ماشى يا عم بشندى تصبح على خير.

كم أشفق على عم بشندى وكل من يقع على شاكلته من هذا الإعلام الذى يتلاعب بمواطن عائد من عمله وقد استنفذت قواه وأراد أن يقضى سهرته بعيداً عن عكننة المدير وعناء العمل، يبدو أن المواطن الكادح كالكرة التى يتقاذفونها مروجو الشائعات وملبسو الحق بالباطل والذين يدسون السم فى العسل ويتحدثون بلهجة تثير ذعر هذا المواطن على لقمة عيشه وأمنه فيدعو الله بحلول الاستقرار والرضا برحيل مبارك وإن بقى النظام!، يقع المواطن البسيط فريسة ما بين إعلامى يتحدث بلغة شعبية ركيكة ويُنصِّب نفسه زعيماً للفلاحين والصعايدة ويخاطبهم بلغتهم التى يعشقونها فيقترب منهم أكثر ويبث سمومه وأوهامه، وإعلامى رياضى يفتى فى السياسة ويثير الفتن والشراذم مستغلاً شغف المواطن على الرياضة وتدبيسه فى حديث سياسى يسير على منهج الاستقرار على حساب الحقوق، ثم بالإعلامى الإسلامى ومواطن يأمل فى تكفير سيئاته ويشاهد قناة إسلامية فيكفر بالثورة ويرسل لعناته عليها ذاهباً إلى فراشه من أجل قوت يومه فى صباح اليوم التالي!، إنها أبواق إعلامية من فارشى الملاءة ولاعقى البيادة وضعوها فى آذان الشعب ومن خلفهم عازفو الطبول ومن أمامهم الراقصون على نهيق الحمار!






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة