دافع الدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة القاهرة، عن المجلس العسكرى، مؤكدًا صعوبة إنكار فضل المجلس العسكرى على الثورة وشباب مصر حتى وإن قام ببعض الأخطاء القابلة للتصحيح خلال فترة توليه إدارة شئون البلاد، مشيرا إلى أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمات التى تواجهها مصر هو تجنب الحديث فى الماضى والعمل بشكل فورى للنهوض بهذا البلد.
فى حواره مع "اليوم السابع"، تحدث الرخاوى عن الأسباب التى قد تخلق ديكتاتورا جديدا من وجهة نظره، مؤكدا أن الثورة مشروع لم يكتمل بعد وجارٍ تنقيته وتصحيحه، وفيما يلى نص الحوار:
فى البداية إذا تحدثنا عن ثورة 25 على اعتبار أنها واحدة من أكبر وأهم الأحداث فى التاريخ المعاصر.. ما سبب التحول الذى حدث فى شخصية المواطن المصرى، خاصة أنها جاءت فى الوقت الذى وجه فيه البعض الانتقادات للشعب المصرى ووصفوه بأنه شعب مستكين يأبى أن يثور يوما؟
بالله عليك من ذا الذى قرر أنهم شعب مستكين؟ نحن نضع صفات ثابتة، ثم نصدقها، ثم نقيس بها، ما هذا؟ لماذا؟، وبالنسبة لما يسمى ثورة، أنا ما زلت آمل أن نكملها معا بمسئولية لتكون ثورة، هذا مشروع ثورة رائعة لم نكن نحلم به، ويرجع الفضل فى البدء به إلى شبابنا الأطهار، أما ما قبل ذلك، وما بعد ذلك، فهو جارٍ تنقيته، وتصحيحه لتكون ثورة.
وما السلبيات الموجودة فى شخصية المواطن المصرى والتى يمكن أن تخلق ديكتاتورا جديدا وكيف يمكن تجنبها؟
ها هى نفس السلبيات الموجودة فى أى شعب حـُكم لهذه الفترة الطويلة حكما شموليا، اختفى فيه العدل، و"تمهمطت" القوانين، واختل توزيع ثروته على مستحقيها، لكن لا يوجد فى الشعب المصرى سلبيات بوجه خاص أكثر من غيره اللهم إلا صبره الطويل الذى إذا زاد عن حده اعتبر صفة سلبية فعلا، ومن سلبياته أيضا كذلك عدم احترامه للقوانين، والعزوف عن العمل بالمعنى الإنتاجى، وملء الوقت بما لا يفيد.
إذن كيف تحلل شخصية الإخوان المسلمين وموقفهم الموالى للسلطة منذ تأسيس الجماعة عام 1928؟
أنا لا أحلل لا شخصية الإخوان المسلمين ولا شخصية الوفد ولا شخصية الرئيس المخلوع أو القادم، ولا حتى شخصية مرضاى، التحليل النفسى له قواعد ومناهج لا يصح اختزالها أو تسطيحها على صفحات الصحف أو فى الفضائيات، وما لم تكن المعلومات كافية ومباشرة، فأى استعمال لتعبير التحليل النفسى هو استعمال غير علمى، وأحيانا غير أخلاقى، ثم إن الحكم على جماعة أو حزب بأنه كان موالٍ للسلطة على مدى ما يقرب من قرن من الزمان هو حكم يحتاج إلى دعم تاريخى موضوعى مؤيد بالأسانيد، ثم إنهم الآن قد تولوا السلطة، فهل نحن نبحث فى هذه الصفة حتى لا يكونوا مؤيدين للسلطة التى يملكون مقاليدها؟
وما تحليلك النفسى للحالة الموجود عليها الشعب المصرى الآن؟ خاصة أن غالبيته بات يلعن فى الثورة، وهل أنت متفائل أم متشائم؟
أنا متفائل رغم أنفى، متفائل لدرجة مستعصية، أعلنت مرارًا أننى لم أستطع أبدا أن أتحلى برفاهية اليأس، لو لم أتفاءل وأنا أحمل مسئولية تحقيق تفاؤلى على الأرض، فلا مبرر لأن أستمر فوق هذه الأرض.
أما بالنسبة لتحليل الحالة الموجود عليها الشعب المصرى فعذرا، إذا كنت قد رفضت أن أحلل شخصية الإخوان، أو شخصية الرئيس المخلوع أو شخصية الرئيس القادم، أو أية شخصية، فكيف تريدين منى أن أحلل الحالة الموجود عليها الشعب المصرى هكذا جملة واحدة وكأن هذا الشعب لا يحمل فى هذه اللحظة بفئاته وطبقاته وأحواله المتنوعة عشرات أو مئات السمات التى يتناقض بعضها مع بعضها نتيجة للاختلافات الفردية، والثقافية، والاقتصادية، والمناخية، مرة أخرى أنا أحذر من التعميم، ومن إصدار الأحكام الفوقية، ومن التوقف عند مرحلة التفسير والتحليل، وأنصح أن ننصرف كلنا، وفورا إلى إكمال المشوار بالعمل، واليقظة القصوى لما يراد بنا، والوعى الحاد بالمحكات التى نقيس بها خطواتنا، وخطوات من اخترناهم ليمثلونا، حتى تكون الثورة ثورة.
أما حكاية أن أغلبية الشعب بات يلعن الثورة، فهذا أمر وارد لكنه ليس عاما كما يبدوا من السؤال، وغالبا هو مؤقت، وحتى إذا وجد بكثرة كما وصلك، فيمكن أن ينقلب دافعا لتكون الثورة ثورة، حين يحول دون أن يجهضوها، فننكر فضلها أو نتنكر لها.
وهل أنت راض عن النتائج التى حققتها ثورة 25 يناير وكيف يمكن لهذا الشعب الذى أبهر العالم بثورته أن يحافظ عليها؟
طبعا لست راضيا، وفى نفس الوقت لست رافضًا، لأن الرفض معناه أن أرضى بما كنا فيه، والرضا معناه أن أقبل ما صرنا إليه، علينا أن ننظر فى فضل الله، الذى جرى بانبعاثه هؤلاء الشباب حتى لو كان انبعاثهم تم بناء على دفع هم لا يعرفون أنه ملوث، لكنهم أنقذونا، مما كان لا يمكن يستمر لصالح مصر والمصريين، المهم أن نواصل المسيرة لتكون ثورة، لأن الأيادى التى تعبث بها وتحاول تشويهها وتعطيلها وتحويلها تحيط بنا من أكثر من مصدر، وهى قوى من أخبث ما يمكن تصوره محليا وعالميا.
أما حكاية أبهر العالم بثورته هذه فأنا لا أثور لأبهر العالم بثورتى، أنا أثور لأسترد كرامتى وكرامة أبناء وطنى وحريتهم، هذا التصفيق شككت فيه منذ البداية، أنا أثور لأحقق إنسانيتى، هذا العالم الذى صفق لى أنا أشكر الصادقين منهم فقط، لكن علينا أن نضع التصفيق فى مكانه، لأن نفس العالم هذا لو كان قادرا على الانبهار للحق، لكان مات كمدا وإسرائيل تمارس القتل العشوائى والتجويع والإذلال منذ ستين عامًا.
أما السبيل للحفاظ على الثورة فلا يوجد إلا العمل وفورًا، كل فى موقعه حالا ودائمًا، لابد من التوقف عن الكلام فى الماضى وترك الأمر للقضاء تمامًا، دون استعجال أو تعليق، فإن لم تعجبنا سرعته أو أحكامه، وأردنا الاستعجال على حساب العدل الحقيقى، فليكن، ولنطالب مجلس الشعب الجديد أن يسن قانونا جديدا سريع المفعول، وليتحمل مسئولية إعدام الأبرياء – إن وجدوا – أمام رب العالمين، أما هذه الفوضى وعقد المحاكم فى الشوارع، وتهديد القضاة وإهانتهم فى ضربات تحول دون مواصلة بناء دولة بها مؤسسات، فهو تخريب لمؤسسة عريقة صامدة، نحن ما صدقنا أن المؤسسة التشريعية (مجلس الشعب) لحقت بمؤسسة القضاء على طريقنا الصعب لبناء دولة لها مؤسساتنا الأمنية والتعليمة ثم الثقافية والإبداعية أيضًا.
من وجهة نظرك ما الأخطاء التى ارتكبها المجلس العسكرى خلال فترة تولية إدارة المرحلة الانتقالية؟
أما أنه ارتكب أخطاء فقد ارتكب أخطاء، من أول حكاية الـ 50% عمال وفلاحين، حتى القوانين التى أصدرها قبل اجتماع مجلس الشعب بيومين، لكن ليس هذا وقت تعداد أخطاء، لأن فضله على البلد، وبالذات على شباب الثورة، يمكن أن يغفر له أى خطأ قابل للتصحيح، ما فائدة الحديث عن الأخطاء الآن اللهم إلا إذا كان هذا الحديث سيمنع مزيدًا من الأخطاء، وهذا غير وارد بالآليات الحالية.
ومن المتسبب فى الأزمة الراهنة وكيف يمكن الخروج منها من وجهة نظرك؟
هذا أيضًا من باب الحديث فى الماضى، وكأننا لم ننتخب مجلس شعب، وكأنه ما زال غاية همنا هو أن نخلع هذا ونثبت ذاك، وكأن الاقتصاد قد انصلح حاله وتدفقت الاستثمارات وعادت السياحة، ما هذا؟ ليكن المتسبب الجن الأزرق أو اللهو الخفى، ولنحيل للقضاء من يثبت عليه أية شبه خراب أو إفساد أو إيذاء أو قتل، لكن أن نظل نبحث عن المتسبب على صفحات الصحف، وفى الفضائيات باتهامات عشوائية من غير ذى صفة، فهذا سلوك غير حضارى، وغير ثورى، اللهم إلا فى محكمة مثل محكمة الغدر لها قوانينها الاستثنائية – والعياذ بالله- التى تسمح بمثل ذلك، مما لا أوافق عليه ببساطة، لكنه أمر وارد أفضل من أحكام الإعدام، وشجب أحكام القضاء فى الشارع أولا بأول هكذا.
وما تعليقك على الأحداث التى تتجدد بين الحين والآخر وكان آخرها أحداث بورسعيد التى راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى؟
تم الاتفاق على استدراج شباب الألتراس، إلى فخ نصبه الكانيباليون (أكلة لحوم البشر) المقيمون فى طره (غالبا) بالاتفاق مع الكانيباليين الماليين العالميين، (غالبا) لتحويل نشاط وغضب كل الناس، والثوار خاصة إلى مزيد من التوقف عن إكمال أهداف الثوره عند مرحلة الشماتة والتخوين والمآتم والانتقام والتعويض والطبطبة والوعود، بأن نستمر فى الدوران فى دورات مغلقه من الثأر والانتقام والمطالبة بالإعدام (وليس حتى القصاص).. فيتوقف كل نشاط الناس (والثوار) عند هذا المستوى بتزويدهم بمزيد من الشهداء، كل شهيد يمتص منا طاقة هائلة ووقتا ثمينا هو نفسه وهو عند ربه يتمنى ألا نضيعه إلا فى خدمة ما استشهد من أجله. الفرض الذى أقدمه هو أنهم قاموا بهذه المذبحة ليوقفوا المسيرة عند جنازات الشهداء وشواهد قبورهم، مع أنهم ليسوا فى قبورهم بل أحياء عند ربهم يرزقون.
ما رأيك فى سيطرة التيارات الإسلامية على البرلمان؟
ما دمنا قد رضينا بما يسمى الديمقراطية، وما دمنا قد عرفنا أن التجاوزات فى انتخابات مجلس الشعب لم تكن جسيمة، وأن تصحيحها لم يكن ليغير النتيجة، فليس أمامنا إلا احترام النتيجة برغم أننى أعلم أنها تمثل رأى أغلب الناس، لكنها لا تمثل الوعى الجماعى الأكثر عمقًا ودلالة لهذا الشعب، وهذا الموضوع لا ينصلح إلا إذا وجدنا نظامًا أفضل من هذه الديمقراطية عبر العالم، فالديمقراطية الحالية عيوبها جسيمة فى كل بلاد الدنيا، والتلاعب من خلال قواعدها الملتبسة سهل وخبيث وخطير معا، وبرغم كل ذلك فما دمنا قد رضينا بها، فلنعط الفرصة كاملة لمن نجح عن طريقها، ولنختبر أداءه بمعيير واقعية، مثلا: هل هو سوف ينقذ اقتصاد مصر المستقل؟ هل سيصلح تعليمها؟ هل سيحسن أخلاقها؟ هل سيحقق أمنها؟ هل سيطلق إبداعها؟.. إلخ، أما صفته الإسلامية، فهى ليست من مهام الحكومة المباشرة اللهم إلا دفعا أن يتقى الله فى ناسه، وفى كل الناس، إذا كان يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله عز وجل يراه!! إن الحكام هم حكام وليسوا مبشرين، ولا هم جمعية أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، اللهم إلا من حيث إن المعروف هو العدل والاستقلال الاقتصادى، ومحاربة العدو الظالم المتربص بنا على الحدود متى آن الأوان، إن حكم الناس بالعدل إنما يتيح الفرصة للناس أن يستكملوا مسيرته بفطرتهم النقية التى فطر الله الناس عليها، الحاكم لا يحكم الناس بعقيدته، ولكن بأدائه، فإذا ساعدته عقيدته فى ذلك فأهلا وسهلا، وإلا فنحن مسئولون عن استمراره فى موقعه لو أساء الأداء أو اختلطت عليه الأوراق.
وكيف ترى مستقبل مصر فى ظل الحكم الإسلامى وعلاقتها بالدول الأخرى خاصة أمريكا وإسرائيل؟
علاقة هذا التيار بأمريكا وإسرائيل فإنها واردة، وإن كانت تحتاج إلى مزيد من الفحص والتقصى، فهى مازالت فى درج الأسرار حتى الآن، أنا لا أستبعد مثل ذلك، لكن الذى يهمنى هو أن يتحمل هذا الفريق مسئوليته أمام الله وأمام الناس والتاريخ، وأن يساعدهم دينهم أن يكونوا أكثر شجاعة فى مواجهة الأعداء الحقيقيين بالاستقلال الاقتصادى أولا، وبالعلم والإبداع ثانيًا، ثم بالحرب إذا لزم الأمر، إن ثقافة الحرب كانت ينبغى أن تبدأ فور توقيع معاهدة الاستسلام المؤلم، ليس عيبًا أن نستسلم ما دمنا قد انهزمنا، لكن العيب أن نتكلم عن آخر الحروب قبل يوم القيامة، ثقافة الحرب لا تعنى قيام الحرب، ولكنها تعنى أن يعيش كل فرد له وطن يدافع عنه، ودين يذود عنه، وكرامة يحافظ عليها فى حالة حرب مستمرة ما دام هناك عدو يريد به شرا، سواء كان أمريكا أو إسرائيل أو الصين أو الجن الأزرق.. وكنت أتمنى أن نحيى ثقافة الحرب من بداية هذه الانتفاضة ونحن نكملها ثورة، لكننى تعجبت من لجلجلة كل الأطراف والإسراع بنفى أى نية عداوة لإسرائيل أو الاقتراب من معاهدة الاستسلام الاضطرارى مهما تطورت الأحداث، إن إحياء ثقافة الحر، وليس إعلان الحرب، ينبغى أن يكون من أول أهداف الثورة، قبل وبعد خلع هذا وإثبات ذاك!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة