حدود مصر أطراف بلا حياة.. قرى الوادى الجديد «عقارب» بالليل و«أفاعى» بالنهار.. «جورمشين 7» يهاجمها النمل الأبيض.. و«الزيات» و«تنيدة»حائرتان بين «الداخلة والخارجة»
الثلاثاء، 06 مارس 2012 10:31 ص
حدود مصر أطراف بلا حياة
كتبت أميرة عبد السلام وماهر أبو النور - تصوير دينا رومية
نقلاً عن العدد اليومى..
فى عام 1958 أعلن الرئيس جمال عبدالناصر عن البدء فى إنشاء وادٍ موازٍ لوادى النيل يخترق الصحراء الغربية فى منطقة المحافظات الجنوبية لتعميرها وزراعتها على مياه العيون والآبار بهدف تخفيف التكدس السكانى فى وادى النيل، ومن ثم تحولت المحافظات الجنوبية إلى «الوادى الجديد»، وفى 3 أكتوبر 1959 وصلت أول قافلة للتعمير والاستصلاح، وتم اعتبار ذلك اليوم عيدا قوميا تحتفل به المحافظة كل عام. وفى عام 1961 تم إدراج محافظة الوادى الجديد ضمن التقسيم الإدارى لمحافظات الجمهورية، وكانت تتكون من مركزين إداريين، هما مركز الخارجة ومركز الداخلة، وفى 1992 تحولت الفرافرة إلى مركز إدارى ليصبح للمحافظة ثلاثة مراكز إدارية، وبعدها تحول «باريس» و«بلاط» إلى مركزين إداريين ليصبح للمحافظة خمسة مراكز إدارية.
وتبلغ مساحـة المحافظة ما يعـادل %44 من المساحة الكلية لجمهوريـة مصر العربيـة وحوالى %66 من مساحة الصحراء الغربية، وتضم مراكز وقرى المحافظة آثارا تمثل جميع العصور التاريخية، منها الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية والفارسية والبطلمية.
ومن أشهر معالمها معبد هيبس بمدينة الخارجة ومعبد الناضورة ومعبد الغويطة ومقابر البجوات ومقابر بلاط الفرعونية، كما تتميز بمناخها المعتدل، الأمر الذى وضعها على خريطة مصر السياحية.
ورغم هذه المميزات العديدة فإن قرى ومراكز المحافظة الأكبر بين محافظات الجمهورية تعانى من المشاكل المزمنة للتجاهل والإهمال شأنها شأن غيرها من محافظات الحدود والأطراف، وفى مقدمتها غياب الخدمات الأساسية.
«اليوم السابع» توجهت لقرى ومراكز الوادى الجديد واستمعت لمواطنيها الذين يعانون التهميش منذ سنوات طويلة.
الحياة فى قرى الوادى الجديد طعمها مختلف، بين العقارب والأفاعى والنمل الأبيض يعيش سكان المحافظة الحدودية، يهربون من الموت بأمصال تحميهم من لدغات تلك الزواحف، ويفتقدون لأغلب الخدمات الأساسية من مياه الشرب النقية وشبكات الصرف الصحى والكهرباء.
«اليوم السابع» تجولت فى قرى الزيات وتنيدة ودرب الأربعين وجورمشين، ورصدت معاناة أبنائها الذين يسعون لتجاوزها وكسر طوق الإهمال والتهميش على مدى عقود، كما يواجهون تجاهل المسؤولين التنفيذيين بالشكاوى وقطع الطرق حتى تتحقق مطالبهم التى لا تتعدى توفير الخدمات والمساكن.
«جورمشين 7»
محمود إسماعيل مزارع لا يعرف سوى الأرض كمصدر رزق، والنخل شريان حياته وبيته كرمز للاستقرار، فى لحظة خاطفة تغير كل شىء، استيقظ فى يوم من الأيام على صوت سقف منزله وهو يسقط إثر وجود ضيف ثقيل احتل المنزل دون استئذان، وبعد شهور قليلة، تحول هذا الضيف إلى المالك الأصلى للمنزل، إنه النمل الأبيض الذى دمر بيت محمود إسماعيل وجميع بيوت جيرانه وحتى أقربائه فى قرية «جورمشين 7» القرية المنكوبة كما يسميها أهل الوادى الجديد.
«جورمشين 7» كانت تعكس طبيعة أهل الواحات المستقرة، والتى تختلف عن حياة البدو الرحالة، وذلك قبل هجوم «النمل الأبيض»، ليتم نقلهم بعد ذلك إلى بيوت بديلة بالقرب من قريتهم الأصلية، وهى تتبع إداريّا مركز باريس، أهم مراكز محافظة الوادى الجديد، تم إنشاؤها فى ستينيات القرن الماضى على طول خط قرى التهجير التى أنشأها جمال عبدالناصر، ويعود سبب تسميتها بهذا الاسم الغريب إلى انبهار الأهالى بالمعدات التى تحفر الآبار بها، وكذلك بمهندس الحفر الأجنبى الذى كان يدعى «جورمانيو» وقاموا بدمج اسم المهندس مع كلمة آلة «ماشين» لتصبح بعد ذلك «جورماشين»، ويعيش أهل القرية مشردين ما بين القرى القديمة التى تم ترميم بعض منازلها وإنشاء أخرى بدلاً من المتهدمة وما بينهما القرية النموذجية الجديدة التى تم تسليم بعض وحداتها منذ فترة قصيرة.
«محمود خلف محمود»، أحد شباب الخريجين من أهل القرية والذين مازالوا يعانون من كارثة النمل الأبيض وتوابعها حتى الآن، كما يعجزون عن الحصول على المساكن البديلة التى تم إنشاؤها منذ 6 سنوات للمتضررين من القرية الذين طرقوا كل السبل لإنهاء مأساتهم كما يقول محمود، مضيفًا أنهم اضطروا لقطع الطريق الرئيسى بين الخارجة وباريس للضغط والمطالبة بسرعة تسليمهم تلك الوحدات وتخفيض القيمة الإيجارية للوحدات السكنية الجديدة.
اختيار موقع القرى الجديدة البديلة لزحف النمل الأبيض جاء مخيبًا للآمال كما يقول محمود رشوان، مزارع من أبناء القرية، مؤكدًا أن بناء البيوت الجديدة جاء فى منطقة منخفضة جدّا لتصبح عرضة لزحف الرمال المتحركة أو السيول فى ظل انخفاض مستوى «البيوت ذات القباب» التى تم بها تصميم تلك المبانى على شكلها، وهو ما جعل الأهالى يترددون فى الانتقال إليها، خاصة مع ارتفاع قيمة الإيجار المقرر على كل وحدة كما يقول «فارس قاسم متولى»، مدرس بالقرية.
بدأ إنشاء البيوت الجديدة قبل 6 سنوات بمقدم خمسة آلاف جنيه وقسط شهرى 58 جنيهًا، تم رفعه بعدها إلى 130 جنيهًا يتم سدادها على مدى 30 سنة كحق انتفاع، وهو ما سبب مشكلة كبيرة لسكان القرية المنكوبة الذين قاموا بعمل إضرابات عديدة وصلت إلى قطع الطريق منذ أيام اعتراضًا على عدم وفاء المحافظة بوعودها والإصرار على تحميل سكان القرية فوق طاقتهم.
درب الأربعين
صرخة الطفلة مريم تقطع هدوء ليل قرى الأربعين بعد أن لدغها عقرب أسود متواجد بشكل دائم فى منزلها.. توجهت والدتها إليها سريعًا وقامت بحقن الطفلة بالمصل الذى يعتبر الضمانة الوحيدة لعودة مريم إلى الحياة مرة أخرى.
حالة مريم ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. معظم سكان قرى درب الأربعين، وصولاً إلى قرى الثمانين، يعيشون وسط العقارب والأفاعى، فهما الضيفان الدائمان لأهالى هذه القرى، وهو ما يستوجب تواجد مصل العقرب بشكل رئيسى داخل كل المنازل، بالإضافة إلى إتقان جميع الأهالى طريقة تعاطى المصل، فهو الضمانة الوحيدة لهم من سموم تلك الزواحف.
قرى درب الأربعين والتى تتبع مركز باريس من أهم القرى النائية بمحافظة الوادى الجديد، والتى تبعد عن مركز باريس «أبرز مراكز الوادى الجديد» بمسافة 40 كيلومترًا وتتبعها قرى الثمانين والتى تبعد 80 كيلومترًا عن المركز، وكلها تقع على طريق درب الأربعين القديم والممر التاريخى المعروف فى قلب الصحراء الغربية، يعانى سكان هذه القرى أيضًا من العزلة الشديدة ونقص الخدمات بشكل ملحوظ، نظرًا لبعدها الجغرافى عن مراكز المحافظة التى تعتبر المقر الرئيسى للخدمات، حيث تصل الكهرباء لمدة 6 ساعات فقط على مدى اليوم من خلال محركات الديزل، كما يقول «إسلام محمود»، الذى يؤكد أن الأربعين تغرق فى ظلام دامس يحبس أهلها فى بيوتهم بعد صلاة المغرب يوميّا.
وفى محاولة لكسر العزلة التى يعانى منها الأهالى قررت المحافظة ربط القرية بطريق المحافظة الدائرى الذى يجرى إنشاؤه حاليًا لتوطين شباب الخريجين بباقى قرى درب الأربعين التى توقفت فيها عمليات التنمية مع استكمال جميع المرافق الأساسية فى القرى التى يتم إنشاؤها حاليًا حتى لا تتكرر معاناة سكانها، كما يحدث فى قرى درب الأربعين، وعلى الرغم من بطء عملية التنمية التى تجرى فى تلك القرى لأكثر من سبب إلا أن هذه الخطوات التنموية من شأنها أن تحد جزئيّا من عزلة سكان درب الأربعين.
«الزيات» و«تنيدة»
تتناثر على طول الطريق المؤدى من مركز الخارجة إلى مركز الداخلة لافتات مكتوب عليها «قرية الزيات» و«قرية تنيدة».. وهما قريتان حائرتان بين المركزين، لا تتبعان أيّا منهما فى الخدمات.
قرية الزيات والتى تقع فى منتصف المسافة بين الخارجة والداخلة بالقرب من الكيلو 100 هى قرية محدودة الموارد يعتمد أهلها على الزراعة بشكل رئيسى ويعتمدون فى إنارة القرية على ماكينة ديزل تعمل لساعات محددة، ويعانى سكانها من التشتت بين مراكز المحافظة، حيث كانت تتبع حتى وقت قريب مركز الخارجة، وتم عزلها وضمها لمركز الداخلة إداريّا دون تحديد مسؤولية خدماتها، وهو ما تسبب فى مشاكل تتعلق بإجراءات استخراج الأوراق والمستندات وغير ذلك، كما يقول «محمود حسان» أحد سكان القرية، مضيفًا: «مصالحنا كانت تتعطل بسبب عدم تحديد الجهة التى ننتمى إليها إداريّا، وبعد أن أكدوا لنا تبعيتنا لمركز الداخلة تم نقلنا مرة أخرى لتكون تابعة لمركز بلاط الذى تم إنشاؤه حديثًا، وهو الأمر الذى مزق أوصال تلك القرية كليّا واعترض عدد كبير من سكانها على هذا الإجراء معتبرين أنه نوع من التهميش والتعطيل لمصالحهم.. فيما رأى المسؤولون أن ضم تلك القرية لمركز بلاط من شأنه زيادة مخصصات الدعم لصالحها بهدف تنميتها فعليّا، وفى إطار الخطة الاستراتيجية لتنمية المحافظة رأى محافظ الوادى الجديد أن محيط تلك القرية يحوى كنوزًا معدنية هائلة، بسبب تواجد جبل الزيات والذى يحتوى على كميات كبيرة من الطفلة الزيتية التى يمكن الاستفادة منها اقتصاديّا وقام بالفعل باستقدام عدد من الباحثين لدراسة تلك المنطقة للاستفادة منها فى استخراج وتصنيع الأسمدة الأزوتية.
«آمال عبدالحميد» من أبناء القرية وتعمل مدرسة، أكدت على نقص خدمات القرية وتشتت أهاليها بين مركزى الداخلة والخارجة، لأن ثلث خدمات القرية تتبع الداخلة والباقى يتبع الخارجة على حد قولها، كما أن القرية بها مدرسة بسيطة لا يتعدى عدد الطلاب بالفصل الواحد فيها ستة طلاب فقط ويتواجد بها 26.
قرية الزيات والتى هجرها سكانها بسبب ضعف الخدمات لا يوجد بها شبكة مياه متكاملة حتى الآن وتعتمد على «فناطيس المياه» فى حصولها على المياه النظيفة، هذا إلى جانب ضعف شبكة الكهرباء والتى تعمل لمدة 5 ساعات فقط يوميّا بعدها «يُسجن الأهالى فى بيوتهم بسبب الظلام الدامس» كما يقول إبراهيم سمعان.
الزراعة مورد الرزق الرئيسى لأبناء القرية، وتوجد الزراعات الخاصة بالسكان فى مواجهة القرية ليفصل بينهما الطريق المؤدى من الخارجة إلى الداخلة.. فالقرية التى تم تأسيسها وفق مشاريع الزراعة والاستصلاح الخاصة بالمحافظة لا تعرف سوى الزراعة كمورد رزق مستقل كما يقول «سمعان»، إلا أنها مهددة وسط ضعف إمكانيات الكهرباء والماء بالتوقف عن النماء.
على بعد أمتار من قرية الزيات تظهر ظلال مدينة عمال مصنع فوسفات أبو طرطور وهى مدينة سكنية مهجورة بها قرابة 850 وحدة فى شكل بيت مستقل تتبع وزارة الصناعة والتى قامت بإنشائها وتشطيبها لتكون سكنًا مخصصًا للعمال الذين قرروا الهجرة مبكرين بسبب ضعف الخدمات الأساسية المتوفرة فى هذه المدينة السكنية التى لا تسكنها إلا الخفافيش.
أمّا «قرية تنيدة» والتى تعتبر أول قرية بعد قرية الزيات على الطريق الواصل بين الخارجة والداخلة لا يختلف كثيرًا فى نقص الخدمات الأساسية ومقومات الحياة الإنسانية فهى البوابة الرئيسية لمركز بلاط ونقطة الوصل بين الخارجة والداخلة، لكنها تفتقد الخدمات الأساسية، فلا توجد بها شبكة رئيسية للصرف الصحى ومازالت تعتمد على خزانات الصرف العادية والتى حولت القرية إلى منازل تطفو فوق خزانات الصرف الصحى، وتمثل مياه الشرب أيضًا أزمة كبرى لأبناء القرية إذ يعتمدون على آبار موصلة بمحطات تنقية مياه لا تعمل بكفاءة كبيرة، كما يقول إدريس عبدالقادر، الموظف فى الوحدة المحلية للقرية، وبها وحدة صحية بدائية ينقصها العديد من الأدوية والمستلزمات الطبية كما يقول ممدوح عبده سيد، مأذون شرعى بالقرية.
مجدى كمال عبدالعاطى مسؤول البيئة بالوحدة المحلية للقرية لفت إلى مشكلة أهم، وهى مشكلة نقل المرضى من القرية إلى أقرب مستشفى، فسيارات الإسعاف الموجودة غير مؤهلة لنقل المرضى، خاصة ذوى الحالات الصعبة، إلى أقرب مستشفى والذى يبعد ثلاث ساعات عن القرية فى حين يبعد عن مستشفى أسيوط الجامعى المؤهل لاستقبال الحالات الحرجة أكثر من 5 ساعات، هذا بالإضافة إلى عدم وجود أدوية فى الوحدة الصحية، كما تقول شيماء إدريس، من بنات القرية.
«عين الشيخ».. بركة الموت حول مركز الخارجة
مساحتها 42 كيلو مترًا مربعًا وتحولت من صديقة للبيئة إلى غابات كثيفة ملوثة بالسرطان
6 آلاف كيلو من الألبان يتم حلبها يومياً من أبقار الصرف الصحى.. وآلاف الأطنان من الأسماك الملوثة تغطى قرى ومراكز الوادى الجديد ومحافظات الصعيد
استيقظت «صباح» فى موعدها اليومى مبكرا واتجهت إلى سوق مركز الخارجة لشراء مستلزماتها اليومية فى مقدمتها «اللبن» الذى يعتبر ضيفا يوميا على مائدة الإفطار بالإضافة إلى «السمك» الذى يعتبر وجبة أسبوعية أساسية لدى عائلة «صباح»، ولكن بعد سنوات اكتشفت العائلة شبح مرض السرطان يطارد طفلها الصغير «طارق» الذى لا يتعدى عمره ست سنوات.. التحاليل الطبية كشفت إصابة الطفل بالسرطان ولكنها لم تحدد السبب فهل هو السمك الذى يتم صيده من بركة عين الشيخ أم من اللبن الذى ترعاه أبقاره على حشائش البركة أيضًا؟.
على الرغم من نقاء بيئة محافظة الوادى الجديد جاءت نسبة الإصابة بأمراض سرطان الكبد والكلى مرتفعة ووفقا للإحصائيات الرسمية لقطاع الصحة فقد تم تسجيل وفيات بنسبة %7.6 على مستوى مركز الخارجة فقط، ووفقا للإحصائيات غير الرسمية التى رصدها الأطباء المعالجون لهذه الأمراض فقد سجلت أرقاما مفزعة وصلت إلى أكثر من %20 من إجمالى عدد سكان المحافظة. ويبلغ عدد برك الصرف الصحى بمحافظة الوادى الجديد 5 برك أكبرها بركة «عين الشيخ» حول مركز الخارجة التى تبلع مساحتها 42 كيلو مترا مربعا تقريبا وفق آخر التوسعات، وهى المساحة التى تمثل قنبلة موقوتة تهدد حياة المواطنين، فالبركة تحوى آلاف الأطنان من الأسماك غير الصالحة للاستخدام الآدمى التى تعيش وسط مياه الصرف الصحى إلا أنه يتم صيدها على مرأى ومسمع من المسؤولين بالمحافظة ويتم بيع بعضها وتهريب الجزء الأكبر خارج المحافظة.
كما يتم تربية روؤس الماشية والأغنام حول البركة وداخل غابتها الشجرية والممتدة على مساحة 240 فدانًا من الأشجار والحشائش التى يحرسها عدد من الأعراب المسلحين الذين يمنعون أى شخص من الاقتراب بأى شكل من الأشكال من غابات الصرف الصحى التى تحوى أشجارا عملاقة تنتشر بينها كميات هائلة من الحشائش والزواحف والعقارب والحيوانات الضالة والبرية، كما يقول المواطن مجدى معاذ أحد أبناء القرية.
غابات الأشجار الخشبية التابعة لوزارة البيئة تمت زراعتها للحد من ظاهرة التصحر واستغلال مياه الصرف الصحى لإنتاج الأخشاب وبيعها وهى تمتد على مساحة 240 فدانا ويتم ريها بمياه الصرف الصحى إلا أن المحافظة لا تستفيد من أخشابها منذ زراعتها وحتى الآن، ونتيجة لعدم الاهتمام بهذه الأشجار تحولت إلى غابات يصعب السيطرة عليها حيث نمت فيها مراع خضراء على مساحات شاسعة يستغلها الأعراب والمزارعون فى رعى مواشيهم وأغنامهم.
مئات الأبقار التى ترعى على هذه الحشائش يتم حلبها يوميا وسط هذه الغابات وتنتج كمية هائلة من الألبان لا تقل عن 6000 كيلو لبن يوميا كحد أدنى نتيجة للتغذية على حشائش الصرف الصحى، كما يقول المهندس صلاح خليفة، مدير عام تحسين البيئة والمشرف على غابات الصرف الصحى، مضيفا أن مساحة الغابات متسعة جدا ولا يمكن السيطرة عليها أو منع هؤلاء الرعاة بصفة قاطعة، وعدم استغلال هذه الأشجار كان بتوجيه من وزارة الزراعة التى رأت أن وجودها يمنع تصحر الأراضى فيها ويحافظ على نقاء البيئة، لكننا حاليا فى أمس الحاجة إلى تشريع يوجه تهمة القتل العمد لمستخدمى هذه البرك سواء من خلال الرعى أو الصيد.
الشرطة لا تستطيع إعدام هذه المواشى التى تعتبر وسيطا حى لنقل الأمراض عن طريق الألبان إلا وفقا لشروط محددة يتدخل فيها الطب البيطرى وشؤون البيئة وبعد إقرار تشريع رادع لتجريم ظاهرة الرعى على حشائش غابات الصرف أو الصيد من مياهها.
الحملات التى تداهم غابات الصرف الصحى تسفر عن هروب أصحاب المواشى تاركين مواشيهم، ويعمد المسؤولون فى شؤون البيئة إلى نقلها لحين أخذ العينة منها لتحليلها ومع تأخر الإجراءات تكون قد تغذت على حشائش غير ملوثة وبالتالى تخرج العينة سلبية علما بأن الإجراءات المتبعة فى باقى المحافظات أن يتم إعدام الماشية التى يتم ضبطها ترعى فى غابات الصرف فورا ولو تم اتباع هذا الإجراء فى المحافظة لقضت تماما على هذه الظاهرة.
حول بركة عين الشيخ تنتشر أدوات الصيد التالفة وأوكار الصيادين الذين يستظلون من حر الشمس فيها بالقرب من مراكبهم الصغيرة التى يتحركون بها لصيد الأسماك فى صمت شديد لا يقطعه سوى صوت تحرك المياه الراكدة فى المناطق كثيفة الحشائش بالبركة لسهولة تخفّى السمك.
بعد بضع ساعات يجمع الصيادون حصيلة الصيد التى لا تقل فى اليوم الواحد عن 4 أطنان سمك يقومون بتهريبها عبر الدروب والمدقات الصحراوية فى اتجاهين الاول إلى داخل قرى ومراكز الخارجة ومنها إلى الاسواق التى يتراوح سعر كيلو السمك فيها إلى 10 جنيهات والطريق الآخر عبر شبكة طرق الوادى الجديد إلى محافظات الصعيد عبر طريق الأقصر والمنيا وأسيوط.
وفقا للخريطة الامنية للمحافظة لا تستطيع القوات الزمنية السيطرة على تغطية هذه المساحات الشاسعة فى عمليات الضبط والتى تتم معظمها على طرق تهريب الاسماك إلى محافظات الصعيد وفى حالة القبض على الصيادين يتم إخلاء سبيلهم بعد التحفظ على الأسماك وإعدامها مما يؤكد أننا أمام أزمة تحتاج إلى حلول فورية وتدخل عاجل.
بعد ثورة 25 يناير ارتفعت أصوات كثيرة تطالب بحل مشكلة برك الصرف الصحى التى تسببت فى إصابة الآلاف من أهالى المحافظة بالأمراض الفتاكة وخاصة السرطان حيث طرح كثيرون حلولا للقضاء على ظاهرتى الرعى والصيد بتلك المنطقة ومن بين الاقتراحات إلقاء السولار وزيوت السيارات التالفة فى البركة لقتل الأسماك وحرقها تماما بحشائشها، فالمنطقة لن تتضرر بيئيا كما أنها بعيدة عن العمران.
واقترح آخرون إعادة تجربة إلقاء الملح الخشن فى البحيرة كما حدث فى إحدى السنوات عندما تم إلقاء 5 أطنان ملح فى البركة بمعرفة إدارة التموين مما ادى إلى قتل الأسماك بالفعل آنذاك بينما هدد بعض الشباب فى حال عدم التحرك العاجل لحل المشكلة بقيامهم بإلقاء ذريعة تماسيح بالبركة للقضاء على كل مظاهر الحياة فيها أو بإلقاء مواد سامة فيها وهو ما يمثل خطورة حقيقية تهدد صحة الإنسان تهديدا جذريا.
ووسط هذه الاقتراحات والتهديدات مازال المواطنون فى انتظار ما ستسفر عنه قرارات اللجنة التى تم تشكيلها بمعرفة اللواء جمال إمبابى محافظ الوادى الجديد السابق.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلاً عن العدد اليومى..
فى عام 1958 أعلن الرئيس جمال عبدالناصر عن البدء فى إنشاء وادٍ موازٍ لوادى النيل يخترق الصحراء الغربية فى منطقة المحافظات الجنوبية لتعميرها وزراعتها على مياه العيون والآبار بهدف تخفيف التكدس السكانى فى وادى النيل، ومن ثم تحولت المحافظات الجنوبية إلى «الوادى الجديد»، وفى 3 أكتوبر 1959 وصلت أول قافلة للتعمير والاستصلاح، وتم اعتبار ذلك اليوم عيدا قوميا تحتفل به المحافظة كل عام. وفى عام 1961 تم إدراج محافظة الوادى الجديد ضمن التقسيم الإدارى لمحافظات الجمهورية، وكانت تتكون من مركزين إداريين، هما مركز الخارجة ومركز الداخلة، وفى 1992 تحولت الفرافرة إلى مركز إدارى ليصبح للمحافظة ثلاثة مراكز إدارية، وبعدها تحول «باريس» و«بلاط» إلى مركزين إداريين ليصبح للمحافظة خمسة مراكز إدارية.
وتبلغ مساحـة المحافظة ما يعـادل %44 من المساحة الكلية لجمهوريـة مصر العربيـة وحوالى %66 من مساحة الصحراء الغربية، وتضم مراكز وقرى المحافظة آثارا تمثل جميع العصور التاريخية، منها الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية والفارسية والبطلمية.
ومن أشهر معالمها معبد هيبس بمدينة الخارجة ومعبد الناضورة ومعبد الغويطة ومقابر البجوات ومقابر بلاط الفرعونية، كما تتميز بمناخها المعتدل، الأمر الذى وضعها على خريطة مصر السياحية.
ورغم هذه المميزات العديدة فإن قرى ومراكز المحافظة الأكبر بين محافظات الجمهورية تعانى من المشاكل المزمنة للتجاهل والإهمال شأنها شأن غيرها من محافظات الحدود والأطراف، وفى مقدمتها غياب الخدمات الأساسية.
«اليوم السابع» توجهت لقرى ومراكز الوادى الجديد واستمعت لمواطنيها الذين يعانون التهميش منذ سنوات طويلة.
الحياة فى قرى الوادى الجديد طعمها مختلف، بين العقارب والأفاعى والنمل الأبيض يعيش سكان المحافظة الحدودية، يهربون من الموت بأمصال تحميهم من لدغات تلك الزواحف، ويفتقدون لأغلب الخدمات الأساسية من مياه الشرب النقية وشبكات الصرف الصحى والكهرباء.
«اليوم السابع» تجولت فى قرى الزيات وتنيدة ودرب الأربعين وجورمشين، ورصدت معاناة أبنائها الذين يسعون لتجاوزها وكسر طوق الإهمال والتهميش على مدى عقود، كما يواجهون تجاهل المسؤولين التنفيذيين بالشكاوى وقطع الطرق حتى تتحقق مطالبهم التى لا تتعدى توفير الخدمات والمساكن.
«جورمشين 7»
محمود إسماعيل مزارع لا يعرف سوى الأرض كمصدر رزق، والنخل شريان حياته وبيته كرمز للاستقرار، فى لحظة خاطفة تغير كل شىء، استيقظ فى يوم من الأيام على صوت سقف منزله وهو يسقط إثر وجود ضيف ثقيل احتل المنزل دون استئذان، وبعد شهور قليلة، تحول هذا الضيف إلى المالك الأصلى للمنزل، إنه النمل الأبيض الذى دمر بيت محمود إسماعيل وجميع بيوت جيرانه وحتى أقربائه فى قرية «جورمشين 7» القرية المنكوبة كما يسميها أهل الوادى الجديد.
«جورمشين 7» كانت تعكس طبيعة أهل الواحات المستقرة، والتى تختلف عن حياة البدو الرحالة، وذلك قبل هجوم «النمل الأبيض»، ليتم نقلهم بعد ذلك إلى بيوت بديلة بالقرب من قريتهم الأصلية، وهى تتبع إداريّا مركز باريس، أهم مراكز محافظة الوادى الجديد، تم إنشاؤها فى ستينيات القرن الماضى على طول خط قرى التهجير التى أنشأها جمال عبدالناصر، ويعود سبب تسميتها بهذا الاسم الغريب إلى انبهار الأهالى بالمعدات التى تحفر الآبار بها، وكذلك بمهندس الحفر الأجنبى الذى كان يدعى «جورمانيو» وقاموا بدمج اسم المهندس مع كلمة آلة «ماشين» لتصبح بعد ذلك «جورماشين»، ويعيش أهل القرية مشردين ما بين القرى القديمة التى تم ترميم بعض منازلها وإنشاء أخرى بدلاً من المتهدمة وما بينهما القرية النموذجية الجديدة التى تم تسليم بعض وحداتها منذ فترة قصيرة.
«محمود خلف محمود»، أحد شباب الخريجين من أهل القرية والذين مازالوا يعانون من كارثة النمل الأبيض وتوابعها حتى الآن، كما يعجزون عن الحصول على المساكن البديلة التى تم إنشاؤها منذ 6 سنوات للمتضررين من القرية الذين طرقوا كل السبل لإنهاء مأساتهم كما يقول محمود، مضيفًا أنهم اضطروا لقطع الطريق الرئيسى بين الخارجة وباريس للضغط والمطالبة بسرعة تسليمهم تلك الوحدات وتخفيض القيمة الإيجارية للوحدات السكنية الجديدة.
اختيار موقع القرى الجديدة البديلة لزحف النمل الأبيض جاء مخيبًا للآمال كما يقول محمود رشوان، مزارع من أبناء القرية، مؤكدًا أن بناء البيوت الجديدة جاء فى منطقة منخفضة جدّا لتصبح عرضة لزحف الرمال المتحركة أو السيول فى ظل انخفاض مستوى «البيوت ذات القباب» التى تم بها تصميم تلك المبانى على شكلها، وهو ما جعل الأهالى يترددون فى الانتقال إليها، خاصة مع ارتفاع قيمة الإيجار المقرر على كل وحدة كما يقول «فارس قاسم متولى»، مدرس بالقرية.
بدأ إنشاء البيوت الجديدة قبل 6 سنوات بمقدم خمسة آلاف جنيه وقسط شهرى 58 جنيهًا، تم رفعه بعدها إلى 130 جنيهًا يتم سدادها على مدى 30 سنة كحق انتفاع، وهو ما سبب مشكلة كبيرة لسكان القرية المنكوبة الذين قاموا بعمل إضرابات عديدة وصلت إلى قطع الطريق منذ أيام اعتراضًا على عدم وفاء المحافظة بوعودها والإصرار على تحميل سكان القرية فوق طاقتهم.
درب الأربعين
صرخة الطفلة مريم تقطع هدوء ليل قرى الأربعين بعد أن لدغها عقرب أسود متواجد بشكل دائم فى منزلها.. توجهت والدتها إليها سريعًا وقامت بحقن الطفلة بالمصل الذى يعتبر الضمانة الوحيدة لعودة مريم إلى الحياة مرة أخرى.
حالة مريم ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. معظم سكان قرى درب الأربعين، وصولاً إلى قرى الثمانين، يعيشون وسط العقارب والأفاعى، فهما الضيفان الدائمان لأهالى هذه القرى، وهو ما يستوجب تواجد مصل العقرب بشكل رئيسى داخل كل المنازل، بالإضافة إلى إتقان جميع الأهالى طريقة تعاطى المصل، فهو الضمانة الوحيدة لهم من سموم تلك الزواحف.
قرى درب الأربعين والتى تتبع مركز باريس من أهم القرى النائية بمحافظة الوادى الجديد، والتى تبعد عن مركز باريس «أبرز مراكز الوادى الجديد» بمسافة 40 كيلومترًا وتتبعها قرى الثمانين والتى تبعد 80 كيلومترًا عن المركز، وكلها تقع على طريق درب الأربعين القديم والممر التاريخى المعروف فى قلب الصحراء الغربية، يعانى سكان هذه القرى أيضًا من العزلة الشديدة ونقص الخدمات بشكل ملحوظ، نظرًا لبعدها الجغرافى عن مراكز المحافظة التى تعتبر المقر الرئيسى للخدمات، حيث تصل الكهرباء لمدة 6 ساعات فقط على مدى اليوم من خلال محركات الديزل، كما يقول «إسلام محمود»، الذى يؤكد أن الأربعين تغرق فى ظلام دامس يحبس أهلها فى بيوتهم بعد صلاة المغرب يوميّا.
وفى محاولة لكسر العزلة التى يعانى منها الأهالى قررت المحافظة ربط القرية بطريق المحافظة الدائرى الذى يجرى إنشاؤه حاليًا لتوطين شباب الخريجين بباقى قرى درب الأربعين التى توقفت فيها عمليات التنمية مع استكمال جميع المرافق الأساسية فى القرى التى يتم إنشاؤها حاليًا حتى لا تتكرر معاناة سكانها، كما يحدث فى قرى درب الأربعين، وعلى الرغم من بطء عملية التنمية التى تجرى فى تلك القرى لأكثر من سبب إلا أن هذه الخطوات التنموية من شأنها أن تحد جزئيّا من عزلة سكان درب الأربعين.
«الزيات» و«تنيدة»
تتناثر على طول الطريق المؤدى من مركز الخارجة إلى مركز الداخلة لافتات مكتوب عليها «قرية الزيات» و«قرية تنيدة».. وهما قريتان حائرتان بين المركزين، لا تتبعان أيّا منهما فى الخدمات.
قرية الزيات والتى تقع فى منتصف المسافة بين الخارجة والداخلة بالقرب من الكيلو 100 هى قرية محدودة الموارد يعتمد أهلها على الزراعة بشكل رئيسى ويعتمدون فى إنارة القرية على ماكينة ديزل تعمل لساعات محددة، ويعانى سكانها من التشتت بين مراكز المحافظة، حيث كانت تتبع حتى وقت قريب مركز الخارجة، وتم عزلها وضمها لمركز الداخلة إداريّا دون تحديد مسؤولية خدماتها، وهو ما تسبب فى مشاكل تتعلق بإجراءات استخراج الأوراق والمستندات وغير ذلك، كما يقول «محمود حسان» أحد سكان القرية، مضيفًا: «مصالحنا كانت تتعطل بسبب عدم تحديد الجهة التى ننتمى إليها إداريّا، وبعد أن أكدوا لنا تبعيتنا لمركز الداخلة تم نقلنا مرة أخرى لتكون تابعة لمركز بلاط الذى تم إنشاؤه حديثًا، وهو الأمر الذى مزق أوصال تلك القرية كليّا واعترض عدد كبير من سكانها على هذا الإجراء معتبرين أنه نوع من التهميش والتعطيل لمصالحهم.. فيما رأى المسؤولون أن ضم تلك القرية لمركز بلاط من شأنه زيادة مخصصات الدعم لصالحها بهدف تنميتها فعليّا، وفى إطار الخطة الاستراتيجية لتنمية المحافظة رأى محافظ الوادى الجديد أن محيط تلك القرية يحوى كنوزًا معدنية هائلة، بسبب تواجد جبل الزيات والذى يحتوى على كميات كبيرة من الطفلة الزيتية التى يمكن الاستفادة منها اقتصاديّا وقام بالفعل باستقدام عدد من الباحثين لدراسة تلك المنطقة للاستفادة منها فى استخراج وتصنيع الأسمدة الأزوتية.
«آمال عبدالحميد» من أبناء القرية وتعمل مدرسة، أكدت على نقص خدمات القرية وتشتت أهاليها بين مركزى الداخلة والخارجة، لأن ثلث خدمات القرية تتبع الداخلة والباقى يتبع الخارجة على حد قولها، كما أن القرية بها مدرسة بسيطة لا يتعدى عدد الطلاب بالفصل الواحد فيها ستة طلاب فقط ويتواجد بها 26.
قرية الزيات والتى هجرها سكانها بسبب ضعف الخدمات لا يوجد بها شبكة مياه متكاملة حتى الآن وتعتمد على «فناطيس المياه» فى حصولها على المياه النظيفة، هذا إلى جانب ضعف شبكة الكهرباء والتى تعمل لمدة 5 ساعات فقط يوميّا بعدها «يُسجن الأهالى فى بيوتهم بسبب الظلام الدامس» كما يقول إبراهيم سمعان.
الزراعة مورد الرزق الرئيسى لأبناء القرية، وتوجد الزراعات الخاصة بالسكان فى مواجهة القرية ليفصل بينهما الطريق المؤدى من الخارجة إلى الداخلة.. فالقرية التى تم تأسيسها وفق مشاريع الزراعة والاستصلاح الخاصة بالمحافظة لا تعرف سوى الزراعة كمورد رزق مستقل كما يقول «سمعان»، إلا أنها مهددة وسط ضعف إمكانيات الكهرباء والماء بالتوقف عن النماء.
على بعد أمتار من قرية الزيات تظهر ظلال مدينة عمال مصنع فوسفات أبو طرطور وهى مدينة سكنية مهجورة بها قرابة 850 وحدة فى شكل بيت مستقل تتبع وزارة الصناعة والتى قامت بإنشائها وتشطيبها لتكون سكنًا مخصصًا للعمال الذين قرروا الهجرة مبكرين بسبب ضعف الخدمات الأساسية المتوفرة فى هذه المدينة السكنية التى لا تسكنها إلا الخفافيش.
أمّا «قرية تنيدة» والتى تعتبر أول قرية بعد قرية الزيات على الطريق الواصل بين الخارجة والداخلة لا يختلف كثيرًا فى نقص الخدمات الأساسية ومقومات الحياة الإنسانية فهى البوابة الرئيسية لمركز بلاط ونقطة الوصل بين الخارجة والداخلة، لكنها تفتقد الخدمات الأساسية، فلا توجد بها شبكة رئيسية للصرف الصحى ومازالت تعتمد على خزانات الصرف العادية والتى حولت القرية إلى منازل تطفو فوق خزانات الصرف الصحى، وتمثل مياه الشرب أيضًا أزمة كبرى لأبناء القرية إذ يعتمدون على آبار موصلة بمحطات تنقية مياه لا تعمل بكفاءة كبيرة، كما يقول إدريس عبدالقادر، الموظف فى الوحدة المحلية للقرية، وبها وحدة صحية بدائية ينقصها العديد من الأدوية والمستلزمات الطبية كما يقول ممدوح عبده سيد، مأذون شرعى بالقرية.
مجدى كمال عبدالعاطى مسؤول البيئة بالوحدة المحلية للقرية لفت إلى مشكلة أهم، وهى مشكلة نقل المرضى من القرية إلى أقرب مستشفى، فسيارات الإسعاف الموجودة غير مؤهلة لنقل المرضى، خاصة ذوى الحالات الصعبة، إلى أقرب مستشفى والذى يبعد ثلاث ساعات عن القرية فى حين يبعد عن مستشفى أسيوط الجامعى المؤهل لاستقبال الحالات الحرجة أكثر من 5 ساعات، هذا بالإضافة إلى عدم وجود أدوية فى الوحدة الصحية، كما تقول شيماء إدريس، من بنات القرية.
«عين الشيخ».. بركة الموت حول مركز الخارجة
مساحتها 42 كيلو مترًا مربعًا وتحولت من صديقة للبيئة إلى غابات كثيفة ملوثة بالسرطان
6 آلاف كيلو من الألبان يتم حلبها يومياً من أبقار الصرف الصحى.. وآلاف الأطنان من الأسماك الملوثة تغطى قرى ومراكز الوادى الجديد ومحافظات الصعيد
استيقظت «صباح» فى موعدها اليومى مبكرا واتجهت إلى سوق مركز الخارجة لشراء مستلزماتها اليومية فى مقدمتها «اللبن» الذى يعتبر ضيفا يوميا على مائدة الإفطار بالإضافة إلى «السمك» الذى يعتبر وجبة أسبوعية أساسية لدى عائلة «صباح»، ولكن بعد سنوات اكتشفت العائلة شبح مرض السرطان يطارد طفلها الصغير «طارق» الذى لا يتعدى عمره ست سنوات.. التحاليل الطبية كشفت إصابة الطفل بالسرطان ولكنها لم تحدد السبب فهل هو السمك الذى يتم صيده من بركة عين الشيخ أم من اللبن الذى ترعاه أبقاره على حشائش البركة أيضًا؟.
على الرغم من نقاء بيئة محافظة الوادى الجديد جاءت نسبة الإصابة بأمراض سرطان الكبد والكلى مرتفعة ووفقا للإحصائيات الرسمية لقطاع الصحة فقد تم تسجيل وفيات بنسبة %7.6 على مستوى مركز الخارجة فقط، ووفقا للإحصائيات غير الرسمية التى رصدها الأطباء المعالجون لهذه الأمراض فقد سجلت أرقاما مفزعة وصلت إلى أكثر من %20 من إجمالى عدد سكان المحافظة. ويبلغ عدد برك الصرف الصحى بمحافظة الوادى الجديد 5 برك أكبرها بركة «عين الشيخ» حول مركز الخارجة التى تبلع مساحتها 42 كيلو مترا مربعا تقريبا وفق آخر التوسعات، وهى المساحة التى تمثل قنبلة موقوتة تهدد حياة المواطنين، فالبركة تحوى آلاف الأطنان من الأسماك غير الصالحة للاستخدام الآدمى التى تعيش وسط مياه الصرف الصحى إلا أنه يتم صيدها على مرأى ومسمع من المسؤولين بالمحافظة ويتم بيع بعضها وتهريب الجزء الأكبر خارج المحافظة.
كما يتم تربية روؤس الماشية والأغنام حول البركة وداخل غابتها الشجرية والممتدة على مساحة 240 فدانًا من الأشجار والحشائش التى يحرسها عدد من الأعراب المسلحين الذين يمنعون أى شخص من الاقتراب بأى شكل من الأشكال من غابات الصرف الصحى التى تحوى أشجارا عملاقة تنتشر بينها كميات هائلة من الحشائش والزواحف والعقارب والحيوانات الضالة والبرية، كما يقول المواطن مجدى معاذ أحد أبناء القرية.
غابات الأشجار الخشبية التابعة لوزارة البيئة تمت زراعتها للحد من ظاهرة التصحر واستغلال مياه الصرف الصحى لإنتاج الأخشاب وبيعها وهى تمتد على مساحة 240 فدانا ويتم ريها بمياه الصرف الصحى إلا أن المحافظة لا تستفيد من أخشابها منذ زراعتها وحتى الآن، ونتيجة لعدم الاهتمام بهذه الأشجار تحولت إلى غابات يصعب السيطرة عليها حيث نمت فيها مراع خضراء على مساحات شاسعة يستغلها الأعراب والمزارعون فى رعى مواشيهم وأغنامهم.
مئات الأبقار التى ترعى على هذه الحشائش يتم حلبها يوميا وسط هذه الغابات وتنتج كمية هائلة من الألبان لا تقل عن 6000 كيلو لبن يوميا كحد أدنى نتيجة للتغذية على حشائش الصرف الصحى، كما يقول المهندس صلاح خليفة، مدير عام تحسين البيئة والمشرف على غابات الصرف الصحى، مضيفا أن مساحة الغابات متسعة جدا ولا يمكن السيطرة عليها أو منع هؤلاء الرعاة بصفة قاطعة، وعدم استغلال هذه الأشجار كان بتوجيه من وزارة الزراعة التى رأت أن وجودها يمنع تصحر الأراضى فيها ويحافظ على نقاء البيئة، لكننا حاليا فى أمس الحاجة إلى تشريع يوجه تهمة القتل العمد لمستخدمى هذه البرك سواء من خلال الرعى أو الصيد.
الشرطة لا تستطيع إعدام هذه المواشى التى تعتبر وسيطا حى لنقل الأمراض عن طريق الألبان إلا وفقا لشروط محددة يتدخل فيها الطب البيطرى وشؤون البيئة وبعد إقرار تشريع رادع لتجريم ظاهرة الرعى على حشائش غابات الصرف أو الصيد من مياهها.
الحملات التى تداهم غابات الصرف الصحى تسفر عن هروب أصحاب المواشى تاركين مواشيهم، ويعمد المسؤولون فى شؤون البيئة إلى نقلها لحين أخذ العينة منها لتحليلها ومع تأخر الإجراءات تكون قد تغذت على حشائش غير ملوثة وبالتالى تخرج العينة سلبية علما بأن الإجراءات المتبعة فى باقى المحافظات أن يتم إعدام الماشية التى يتم ضبطها ترعى فى غابات الصرف فورا ولو تم اتباع هذا الإجراء فى المحافظة لقضت تماما على هذه الظاهرة.
حول بركة عين الشيخ تنتشر أدوات الصيد التالفة وأوكار الصيادين الذين يستظلون من حر الشمس فيها بالقرب من مراكبهم الصغيرة التى يتحركون بها لصيد الأسماك فى صمت شديد لا يقطعه سوى صوت تحرك المياه الراكدة فى المناطق كثيفة الحشائش بالبركة لسهولة تخفّى السمك.
بعد بضع ساعات يجمع الصيادون حصيلة الصيد التى لا تقل فى اليوم الواحد عن 4 أطنان سمك يقومون بتهريبها عبر الدروب والمدقات الصحراوية فى اتجاهين الاول إلى داخل قرى ومراكز الخارجة ومنها إلى الاسواق التى يتراوح سعر كيلو السمك فيها إلى 10 جنيهات والطريق الآخر عبر شبكة طرق الوادى الجديد إلى محافظات الصعيد عبر طريق الأقصر والمنيا وأسيوط.
وفقا للخريطة الامنية للمحافظة لا تستطيع القوات الزمنية السيطرة على تغطية هذه المساحات الشاسعة فى عمليات الضبط والتى تتم معظمها على طرق تهريب الاسماك إلى محافظات الصعيد وفى حالة القبض على الصيادين يتم إخلاء سبيلهم بعد التحفظ على الأسماك وإعدامها مما يؤكد أننا أمام أزمة تحتاج إلى حلول فورية وتدخل عاجل.
بعد ثورة 25 يناير ارتفعت أصوات كثيرة تطالب بحل مشكلة برك الصرف الصحى التى تسببت فى إصابة الآلاف من أهالى المحافظة بالأمراض الفتاكة وخاصة السرطان حيث طرح كثيرون حلولا للقضاء على ظاهرتى الرعى والصيد بتلك المنطقة ومن بين الاقتراحات إلقاء السولار وزيوت السيارات التالفة فى البركة لقتل الأسماك وحرقها تماما بحشائشها، فالمنطقة لن تتضرر بيئيا كما أنها بعيدة عن العمران.
واقترح آخرون إعادة تجربة إلقاء الملح الخشن فى البحيرة كما حدث فى إحدى السنوات عندما تم إلقاء 5 أطنان ملح فى البركة بمعرفة إدارة التموين مما ادى إلى قتل الأسماك بالفعل آنذاك بينما هدد بعض الشباب فى حال عدم التحرك العاجل لحل المشكلة بقيامهم بإلقاء ذريعة تماسيح بالبركة للقضاء على كل مظاهر الحياة فيها أو بإلقاء مواد سامة فيها وهو ما يمثل خطورة حقيقية تهدد صحة الإنسان تهديدا جذريا.
ووسط هذه الاقتراحات والتهديدات مازال المواطنون فى انتظار ما ستسفر عنه قرارات اللجنة التى تم تشكيلها بمعرفة اللواء جمال إمبابى محافظ الوادى الجديد السابق.
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د / محمد احمد على
استغاثة - استغاثة - استغاثة
عدد الردود 0
بواسطة:
حارس مصر
بركة عين الشيخ
عدد الردود 0
بواسطة:
مصراوى
أطراف بلا حياه
عدد الردود 0
بواسطة:
انور محمود منصور الواحات الداخلة الوادى الجديد
موضوع رائع ولكن ....
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد المنعم
ماذا بعد
عدد الردود 0
بواسطة:
خليك جرئ ومتخفش
خلصنا منها
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن القاوى
لكل شئ نهاية