لو أمعنت النظر فى الهتاف الأشهر لثورة يناير "عيش حرية عدالة اجتماعية" لوجدته لا يلخص فقط مطلب الحياة الكريمة لكنه يبسط معضلة صياغة الدستور التى مضغت بحثاً بين القوى السياسية المتناحرة وشباب الثورة وأولئك الجالسين أمام الفضائيات لمشاهدة برامج "التوك شو" وربما لخص هذا الشعار الكثير من بنود الدستور التى من المفترض أن تشرع المحافظة على أولويات حقوق الإنسان التى كفلتها له جميع المواثيق الدولية من مأكل وملبس ومسكن وحياة كريمة ومعاملة آدمية وتسيير أمور حياته ببساطة.
قد تأتى المرحلة القادمة والتى سيتم فيها صياغة الدستور ويدخل فيها رجال الدين والسياسة فى معارك جديدة، فيتخوف الليبراليون من الإسلاميين لإصرارهم على وجود المادة الثانية بالدستور أو العكس وما خلاف ذلك من خلافات فى وجهات النظر بين التيارات السياسية المتناحرة، ولكن الأجدر أن يلتفت من سيقومون بصياغة الدستور إلى أهداف الثورة الحقيقية والمطالب التى لخصها الشعب فى هتافاته وشعارته.
وتردد خلال أيام الثورة مجموعة كثيرة من الهتافات التى يجب على من سيقومون بصياغة الدستور مراعتها فى صياغتهم، فكان منها "آه يا حكومة هز الوسط أكلتونا العيش بالقسط" وآخر يقول " روح يا مصيلحى قول لرئيسك مش عاوزين مسامير فى رغيفك"، ربما يدفع هذا الشعار إلى مراعاة حق المواطن المصرى فى توزيع عادل للأجور فى مقابل أسعار المواد الغذائية التى ارتفعت كثيرا وأصبحت فوق طاقة دخل الأسرة المصرية الميسورة الحال.
الشعب يريد إسقاط النظام
وعبر المصريون فى هتافاتهم عن رفضهم لمن يسرق وينهب ويسلب مواردهم ويستغل نفوذه من أجل تحقيق مصالح شخصية عندما رددوا الهتاف الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام" ذلك الشعار الذى لازم المتظاهرين طوال أيام الثورة وانبثقت منه العديد من الهتافات منها "ارحل يعنى امشى يمكن ما بتفهمشى"، "ثورتنا ثورة شعبية ضد مبارك والحرامية"، ويا مبارك يا مفلسنا أنت تعمل إيه بفلوسنا"، "يا مبارك يا طيار جبت منين 70 مليار مش بالمصرى ده بالدولار"، "واحد اثنين فلوس الشعب فين"، مما يؤكد على ضرورة أن يراعى الدستور أهمية تقليص نفوذ رئيس الجمهورية، وحق الشعب المصرى فى محاسبته وتقرير مصيره وسيادته وخلع رئيس حكومته ومحاكمته إذا تجاوز فى استغلال نفوذه كرئيس للجمهورية.
عاوزين حكومة حرة العيشة بقت مرة
ولأن الشباب هم مشعلو شرارة الثورة الأولى، لكونهم الأكثر تضررا من النظام البائد ودستوره الذى لم يكفل لهم فرص عمل، ولم يحفظ حتى كرامة العاملين بالخارج، جاءت الهتافات التى تعبر عن ذلك لتؤكد على أنه من الواجب على الدولة والحكومة توفير فرص عمل للشباب والحافظ على كرامتهم بالخارج، وكانت من بين هذه الهتافات، "عاوزين حكومة حرة العيشة بقت مرة " كفاية كدب على الشباب لازم ترحل يا كداب"، "باسم العشرة مليون عاطل نظامك يا مبارك باطل".
مسلم مسيحى إيد واحدة
وحد الشعب المصرى صفه وهتف قائلا "مسلم ومسيحى إيد واحدة"، وقالوا أيضا "الهلال ويا الصليب ارحل يا رئيس التعذيب"، مؤكدين بذلك أن المسلم والمسيحى سواء لا تمييز بينهما وامتزجت الترانيم بتلاوة القرآن، وتحول ميدان التحرير إلى سيمفونية عزفها المصريون بمظهر خلاب أدهش العالم، فكان يصلى المسلمون الجمعة ويقف الأقباط لحمايتهم، ويصلى الأقباط القداس الأحد ويقف المسلمون أيضا لحمايتهم، مما يؤكد فى الدستور على أنه لا فرق بين مسلم أو مسيحى فى الحقوق والواجبات.
السياسة مش للجيش
كما عبر الشعب المصرى عن رفضه لاستمرار الحكم العسكرى وتولى رجال الجيش السلطة أو حتى بعض المناصب العليا فى الهيئات المدنية، وذلك بعد دخول المجلس العسكرى معترك السياسة عقب تنحى مبارك بحجة أنه رفض إطلاق النيران على المتظاهرين وساهم فى حماية الثورة، وهذا يدفعنا للتأكيد فى الدستور على أن الحكم فى مصر مدنى أى "مصر دولة مدنية وليست عسكرية"، وردد الشعب هتافات كثيرة تعبر عن رفضه الحكم العسكرى كان منها "يا المشير بيهيس عاوز يبقى الريس"، "يا طنطاوى قول لعنان الثوار رجعوا الميدان"، و"الشعب يريد إسقاط المشير"، "اشهد اشهد يا زمان لن يحكمنا رئيس أركان"، و"يا مشير يا مشير خد أوامرك من التحرير".
الشعب قال الحق..الطوارئ لأ
ما عانى منه المصريون طيلة ثلاثون عاما وزيادة من الحكم تحت قانون الطوارئ جعله يعيش حياة منزوعة الأمان والطمأنينة، ذلك القانون الذى كان بمثابة كارت إرهاب تخرجه الحكومة فى وجه المواطن المصرى عندما يفعل ما لا يعجبها، وما أكدت عليه الثورة فى مطالبها حق الشعب فى حرية التعبير عن رأيه ذلك الحق الذى تكفله كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ورفض المتظاهرون تمديد حالة الطوارئ وهتفوا قائلين "يعنى إيه كلمة طوارئ.. يعنى رقابنا على المشانق، أول مطلب كلمة حق..الطوارئ لأ لأ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة