تصوّر أنك صاحب شركة. الشركة دى فى حالة سيئة جدا إداريا واقتصاديا و أمنيا. ولأن المدير أو الرئيس السابق للشركة - خربها – فإنك باعتبارك صاحب الشركة بتبحث الآن عن مدير جديد أو "رئيس جديد" للشركة دى. هتعمل ايه؟
الخطوة الأولى إنك تتفهم مشاكل الشركة جيدا وتدرسها بعناية. وتحدد أولويات لكل مرحلة من مراحل العلاج أو الإصلاح. بعبارة أخرى يجب أن تحدد "أولويات" محددة لكل مرحلة وتبحث عن الموظف "المؤهل" بحكم خبرته لتحقيق المطلوب فى كل مرحلة.
لنفرض أن تصورك للأولويات كالآتى:
الأمن أولا. لأن مع عودة الأمن والنظام سيعود الاستقرار و بالتالى تعود ثقة المستثمرين فى الشركة مما يترتب عليه تحسن أحوال الموظفين وتدريجيا ستعود للشركة قوتها ومكانتها. يعنى الأساس فى المرحلة الأولى للإصلاح وفق هذا التصور هو عودة الأمن و النظام. إذًا سيكون اختيارك للرئيس الجديد فى هذه الحالة هو اختيار رئيس ذى خبرة أمنية أولا وخلفية سياسية ثانيا تضمن أنه لن يكون " غشيما" فى تطبيق القوة والنظام بل سيكون حكيما فى قراراته و تصرفاته بشكل يضمن استقرار الشركة فى هذه الفترة.
لنفرض أن تصورك للأولويات مختلف وهو هذه المرة : الاقتصاد أولا. لأن مع قوة الاقتصاد يمكن تدبير كل شىء آخر لأن مشكلة الشركة – أو الدولة – الرئيسية هى أنه "مفيش فلوس كفاية" أو كما حفظنا عن ظهر قلب : قلة الإمكانيات. لو توافرت الإمكانيات سنوفر الأمن والاستقرار وستتحسن ظروف الموظفين وتدريجيا ستعود للشركة قوتها ومكانتها ليس فقط كما كانت بل أفضل بكثير. إذا سيكون اختيارك هنا بشكل أساسى هو اختيار رئيس ذى خبرة اقتصادية أولا وخلفية إدارية ثانيا حتى تضمن أن قراراته لن تكون فقط اقتصادية لكن أيضا سيعيد بناء الهيكل الإدارى الذى تحتاجه الشركة لتنفيذ الخطط الاقتصادية.
طيب. لنفرض إنك تعتقد أنه لا يهم كل ذلك الآن، بل الأهم هو شخصية "تتقى الله فينا" و تطبق الشرع علشان ربنا يبارك لنا ولو حدث ذلك سنجد كل الحلول لكل المشاكل. فى هذه الحالة الأمر أسهل قليلا لأن اختيارك سيكون للرجل الذى يتعهد لك بتطبيق شرع الله فى كل شىء أولا وثانيا لديه تصوّر ما بشأن حلول كل المشاكل المختلفة لكن مش متخصص بنفس قوة المرشحين الباقيين لأن الأهم فى هذه المرحلة وفق تصورك هو شيخ يأتى ليطبق الشرع. طبعا ولأنك راجل فاهم وواعى لن تختار شيخ جهل مثلا. بل ستختار شيخ متعلم مثقف لكن ليس بالضرورة متخصص بنفس درجة الآخرين لأن أولوياتك هنا هى ما تحدد اختيارك.
لنفرض – مثلا برضو – انه المطلوب الآن شخصية تحقق ثقة المستثمرين أو تكسب ثقة "الخارج" و الداخل. يعنى بالعربى كده مطلوب واحد بيتكلم كويس والناس تسمعه و تصدقه. فى الحالة دى ستبحث عن متكلم جيد وخطيب لامع وسياسى فى نفس الوقت علشان يعرف يتصرف لو اتزنق فى كلمة وللا حاجة !! .. لكن المهم وفق هذا التصور إنك تحتاج "كلامنجى" يلهم الناس أو يلهى الناس ويشيل عنك عبء المشاكل لفترة معينة لحد ما ربنا يفرجها وتتصرف انت بمعرفتك، أو ربنا يحلها من عنده. بعبارة أخرى أنت تتصور أن ما تحتاجه هو "مسكّن للألم" وليس علاجا للمرض. وهنا أيضا الاختيار سيكون أسهل نسبيا لأنك ستختار موظفا له خبرة فى الكلام ومش مهم قوى النتائج أو الأفعال.
ده لو هتختار موظف. لكن لو هتختار زعيم إذًا توقع كارثة. ليه؟ لأن الباشا الزعيم لا يفقه أى شىء سوى أنه زعيم ولازم يفضل زعيم ولو على جثتك وجثة البلد بحالها. المشكلة الكبرى هنا إنك تتصور إنك تختار موظف وتلاقى النتيجة إنك اخترت زعيم أسوأ من اللى قبله. إزاى؟ .. لما تتجاهل الخبرة والكفاءة الموضوعية أو جزء منها على حساب مصلحة شخصية أو هوى شخصى . يعنى إيه؟ يعنى مثلا يكون الأفضل فى الواقع شخص بينما تختار غيره مع أنه الأقل كفاءة وخبرة لمجرد إنه "تبعك" أو تبع جماعتك أو حزبك أو فريقك أو مدينتك أو قبيلتك أو دينك أو لونك أو جنسك. هنا الكارثة الحقيقية.
مصر الآن لا تحتاج إلى زعيم. وأيضا لا تحتاج رئيسا لجماعة أو حزب أو طائفة. بل تحتاج موظف لديه من الكفاءة و الخبرة ما يسمح له عقلا و عملا أن يحقق الإصلاح المطلوب كأولوية قصوى فى هذه المرحلة. ومتى انتهى من عمله يأتى غيره ليكمل المرحلة الثانية وهكذا إلى أن يتم الإصلاح الكامل.
أو هكذا أعتقد.
