«البطالة أخطر ما يواجه مطروح».. جملة ترددت على لسان أبناء المحافظة الحدودية منذ اللحظات الأولى لوجودنا فيها ودعمتها مشاهد المقاهى التى تمتلئ عن آخرها بشباب عاطلين يبحثون عن مصدر رزق شرعى بدلاً من التهريب ومحاولة التكسب عبر منفذ السلوم.
تعتمد محافظة مطروح بصورة رئيسية على السياحة فى الصيف كمصدر رزق لعدد كبير من أبنائها، وما إ ن تنتهى أشهر الصيف حتى يعود الشباب مرة أخرى إلى المقاهى حالمين بفرصة عمل داخل محافظتهم التى «يذهب خيرها للأغراب».
فى شارع ضيق وسط منازل لا ترتفع أكثر من طابقين اختار محمد شعبان أن يقيم محلا صغيرا يبيع فيه خضروات ودواجن بعزبة السلام بمرسى مطروح، تجارته لا تعمل بشكل جيد مؤخراً بسبب الظروف الاقتصادية التى تمر بها المحافظة وارتفاع معدل البطالة فى فيها.
عزبة السلام أحد الأحياء العشوائية التى نشأت فى مدينة مرسى مطروح عاصمة محافظة مطروح، لتضع فارقا بين الأحياء الراقية المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط والتى تشتهر بالمنازل السياحية، وبين الوجه الأشد فقرا فى المدينة، الذى يعانى من عدم وجود مرافق خدمية توفر للأهالى مياه شرب نظيفة وشبكة صرف صحى صالحة للاستخدام دون أن يخالط ما فيها مياه الشرب.

على الجانب الشرقى فى مطروح توجد خمس مناطق عشوائية هى «عزبة السلام وعسكر وكفر الشيخ والغربية وعزبة الشرقية»، صنفها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ضمن 71 منطقة عشوائية فى خمس محافظات لن تشملها خطط التطوير حتى عام 2007.
«اليوم السابع» رصدت المآسى التى يعانى منها أهالى ثلاث من تلك المناطق العشوائية فى مطروح وهى «عزبة عسكر والسلام والغربية» وتشترك المناطق الثلاث فى تراكم القمامة وغياب الأمن وانتشار البلطجة، إضافة إلى شكوى الأهالى من عدم قدرتهم على تملك الأراضى لرفض الجهات المسؤولة تحويل نمط الملكية من وضع يد إلى ملكية.
عزبة السلام
فى عزبة السلام، توجد ثلاثة شوارع رئيسية لا تحمل أسماء، يسمح أوسعها «وعرضه دون الثلاثة أمتار» بدخول سيارة إسعاف لإنقاذ أى مريض بصعوبة بالغة، الشوارع جميعها غير ممهدة لا تستطيع السيارات الحركة فيها بسهولة لذلك يعتمد أهالى المنطقة على «الموتوسيكل» كوسيلة انتقال ملائمة للمكان.
يشرح صبحى حامد من سكان العزبة تفاصيل معاناتهم بقوله إن أغلب المنازل بدون مرافق ولم تصل إليها شبكة المياه أو خطوط الكهرباء ويضيف: «لكى نتغلب على أزمة المياه نقوم بشراء المياه عن طريق عربات تحضر أسبوعيًا وتقوم بملء الخزانات المتواجدة أعلى المنازل، وتحصل على 23 جنيها مقابل الحمولة الواحدة».
وتزداد معاناة حامد وسكان العزبة فى فصل الصيف مع كثرة استخدام الماء وزيادة سعر تعبئة الخزان بالمياه من 23 جنيها للعربة إلى 65 جنيها، الأمر الذى يجعله أحيانا مضطرا لمشاركة جيرانه فى شراء مياه تصل حمولتها إلى 8 أطنان ورفعها للمنازل بعد الاستعانة بموتور.
مبارك محمد رضوان، موظف فى هيئة بريد مطروح، أفضل حالاً من جاره السابق لأنه استطاع توصيل خط مياه لمنزله بسبب قربه من أحد الشوارع التى يمر فيها خط المياه القادم من الإسكندرية والذى يطلق عليه أهالى مطروح «غراب الماء»، ومع ذلك فإن المياه لا تتوافر فى الصنابير سوى يومين فقط، مما يدفعه هو وغيره من المنازل المحيطة به إلى تخزين المياه أيضًا.
نقص الخدمات الأساسية وعدم توفر مدرسة لتعليم أبناء العزبة أو وحدة صحية لعلاج أبنائها أضيفت إليها منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير حالة من الغياب الأمنى التام داخل المنطقة ما أدى إلى انتشار البلطجة وتجارة المخدرات بشكل كبير.
عند شريط السكك الحديدية تجتمع أزمتان، الأولى تتعلق بتعرض كثير من أهالى العزبة إلى حوادث نتيجة مرور القطارات بسرعة والثانية ترتبط بانتشار البلطجية فى المساء بجوار «المزلقان» وتعرضهم للأهالى.

يقول مبارك رضوان الذى يسكن على بعد أمتار من خط السكك الحديدية إن أهالى المنطقة تقدموا بطلبات للجهات المسؤولة أكثر من مرة لإقامة كوبرى لعبور المشاة فوق السكك الحديدية لتقليل حوادث المارة والركاب ولكن لا مجيب لهم.
من أمام منزله المرتفع، يشير حمادة إلى مدخل العزبة على طريق السادات، ويقول «لم يكن للعزبة مدخل رئيسى لشوارعها ولكن الأهالى استطاعوا فتح هذا الشارع بها بعد وقفات احتجاجية ومفاوضات مع المحافظة لرصف الشارع لتسير فيه السيارات خاصة الإسعاف والمطافئ فى الحالات الحرجة وسيارات الشرطة فى الدوريات الأمنية».
عزبة عسكر
مدخل عسكر نظيف لا تظهر عليه آثار العشوائية لكن الحال فى الشوارع الخلفية سيئ للغاية.. أكوام القمامة ملقاة فى كل مكان، والشوارع ضيقة وغير ممهدة يحفظها سكانها بعلامات دون أسماء. وفى مقدمة العزبة يبرز مبنى مغلق من دور واحد كتب على بوابته «السوق الجديد» تم افتتاحه عام 2008.
على زاوية أحد الشوارع الداخلية جلس إبراهيم مصطفى، عامل، أتى من الصعيد للعمل فى بناء العقارات بمطروح، يشكو إصابته بتعب بالكلى بسبب اضطراره إلى شرب المياه المخزنة أعلى منزله نتيجة لانقطاعها من الصنابير لأيام عديدة، يقول مصطفى «أكثر ما نعانيه هنا سوء حالة مياه الشرب، لأن خط المياه الرئيسى لا يغذى مطروح بأكملها.. نعتمد على مياه الخزانات، مما يتسبب فى إصابة البعض بـ«أمراض الكلى» وأنهى إبراهيم حديثه قائلاً «هنعمل ايه ما باليد حيلة».
ويتطرق ابراهيم إلى معاناة أخرى لأهل العزبة، تتمثل فى ضيق الشوارع الذى تؤدى إلى عدم القدرة على إسعاف المصابين، متذكراً مساعدة رجل عجوز أصيب بأزمة قلبية ولم تستطع سيارة الإسعاف الوصول لمنزله واضطر جيرانه لحمله حتى السيارة المتوقفة على مسافة بعيدة من منزله.
العزبة الغربية
تبدأ العزبة الغربية من شارع اسمه «الشارع الجديد»، وتنتشر أكوام القمامة فى أغلب مناطق العزبة وبصورة أشد كثافة عند «مقابر الأطفال»، وهو ما يعزوه سلومة كريمى، تاجر، إلى سوء التخطيط من المحافظة، الأمر الذى أدى إلى ظهور العشوائيات بمطروح، مضيفا «العشوائيات أماكن مناسبة للسكن فسعر الوحدات البسيط، بالإضافة إلى أن أغلب المناطق مملوكة للسكان بوضع اليد ولم تقنن أوضاعها بعد».
ويتحدث سلومة عن أزمات تواجه أغلب التجار بالعزبة مؤكدًا شعورهم بالضيق بسبب توقف العمل فى استكمال «السوق الجديد» على مدخل عزبة عسكر، رغم افتتاحه فى عهد محافظ مطروح الأسبق الفريق محمد الشحات ولكن الباعة مازلوا فى السوق العشوائية بجوار المدرسة العسكرية.
يقول سلومة إن السوق تم بناؤها بتمويل خارجى فى منطقة العزب ومن المفترض أن يتولى مسؤوليتها والبيع فيها أبناء مطروح لأن الأسواق العشوائية تضر بشكل المدينة السياحى. مضيفا.. «الأزمة أن من استفاد بالمحلات فى السوق مواطنون من خارج المحافظة».
عبدالله الزيات، عمدة قبيلة القطعان فى مطروح، يقول «العشوائيات مشكلة قومية تواجه الدولة كلها، لا تستطيع إيجاد حل لها، فكيف يكون الحال بمحافظة نائية وتفتقر لخدمات أساسية؟، وأسباب المشكلة أن سوء تخطيط المدينة وكثرة النزوح للمحافظة للعمل فى السياحة فتح المجال للعشوائيات».
أحمد عبدالرحمن شاب فى الخامسة والعشرين من عمره، خريج كلية تجارة، يعمل خلال شهور الصيف فى الشواطئ والمنتجعات السياحية يقول: «السياحة لا تكفى لأن طبيعة مطروح تجعلها تعتمد على السياحة شهرين فقط فى الصيف وباقى العام نكون بلا عمل». يضيف: «تقدمت بطلب توظيف كمحاسب فى شركات ومديريات خدمية منذ تخرجى قبل 3 أعوام، ولكننى لم أجد رداً حتى الآن».
إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء قدرت عدد العاطلين عن العمل فى مطروح بـ 11400 عاطل فقط من نسبة السكان التى بلغت 372402 فى إحصائيات عام 2011 لكن عبدالرحمن وغيره شككوا فى تلك الإحصائية، مؤكدين أن عدد العاطلين أكبر من ذلك بكثير.
ويتابع عبدالرحمن حديثه، مؤكدًا أن من أبرز أسباب انتشار البطالة طلب الشركات شهادات خبرة قبل العمل، وتقديرات علمية مرتفعة لا تتوافر كثيرا فى أبناء المحافظة لأن مستوى التعليم - على حد قوله - متوسط وأغلب السكان لا يجيدون هذه التخصصات هناك فيطلبون من محافظات أخرى خاصة فى شركات البترول، أو القرى السياحية التى تستقبل السائحين الأجانب.
عبدالله طيب خريج معهد فنى تجارى فضل العمل فى محل بقالة يملكه أخوه بمركز الضبعة لأنه لا يجد عملا حكوميا، قال: «لا يوجد فرصة للعمل سوى فى السياحة، أو السفر إلى ليبيا، والعمل فى الجمرك، وهناك من يلجأ للتهريب لأنه سهل ومكسبه سريع»، ويضيف أحمد عبدالحميد سائق: «لا توجد لدينا مصانع تستوعب نسبة السكان أو شركات كبيرة، لا نجد سوى العمل فى الصيف، أو فى السلوم وكثير منا يساعد فى التهريب».
حديث الشباب الثلاثة السابقين دعمه بلال جبريل عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة بقوله: «البطالة أخطر ما يواجه مطروح، لأن المحافظة تعتمد على السياحة فى الصيف فقط، رغم أن لدينا 37 شركة بترول تعمل على أرض المحافظة، لكن نسبة العمالة المحلية فيها ضعيفة، وأكثرهم يعملون فى الخدمات أو الأمن».

وأكد جبريل أن بعض الشباب ينساق ورا إغراء التهريب عبر المنفذ لأن مكاسبه كبيرة فى وقت قصير رغم المغامرة، ويضيف: «تقدمت مع نواب مطروح بطلب إحاطة لوزير البترول نطلب فيه تخصيص نسبة من الوظائف الحيوية لأبناء مطروح فى الشركات التى تعمل على أرضها، وأيضا لوزير الصحة لتوظيف الأطباء من المحافظة».
ارتفاع معدل البطالة دفع محافظة مطروح لتشكيل لجنة للبطالة من تنفيذيين وشعبيين وشيوخ قبائل لحصر حجم المتعطلين عن العمل وفرص إلحاقهم فى المصالح الحكومية وشركات البترول والسياحة، لكن اللجنة لم تتوصل بعد لحصر نهائى أو طريقة لإجبار الشركات على قبول أبناء مطروح فى الوظائف.
صلاح سنوسى رئيس جمعية اتحاد أبناء مطروح التى عقدت مؤتمرا لمناقشة أزمة البطالة يرى أن الأزمة الرئيسية تتمثل فى أن رؤساء الشركات سواء شركات البترول وعددها 37 أو غيرها يتوسطون لتوظيف أقاربهم ويتجاهلون أبناء مطروح».
ويشير سنوسى إلى أن جمعية اتحاد أبناء مطروح حصرت عدد العاملين فى قطاع البترول بمطروح 14 ألف عامل، نصيب مطروح %10 من العاملين، ولأنهم يعملون كفنيين ويعرفون طبيعة التربة وجغرافيا المكان يقومون بأعمال التدريب حتى للمهندسين، ورغم ذلك تظل نسبة المعينين منهم بعقود ثابتة حوالى %10.
ويضيف سنوسى: «وضع أبناء مطروح العاملين بالبترول سيئ لأن أماكن الإعاشة لا تليق ويتم توزيعهم على عشش وأكشاك لا تقى من البرد، ويخصص للمهندسين والعاملين من خارج المحافظة غرف مكيفة، كما أن مديرى شركات البترول يقومون بإخفاء العمال عند قدوم لجنة المحافظة لحصر العمالة ظنا منهم أنها حملة للتأمين على العمال».
من ناحية أخرى، يقلل بعض شباب مطروح من كفاءة عمل اللجنة المسؤولة عن علاج البطالة وينظرون إليها على أنها تبحث عن حلول ظاهرية وليس أساس الأزمة، ومن هؤلاء الشباب محمد عمر الذى تخرج فى المعهد العالى للخدمة الاجتماعية، ويرى أن الخريجين الجدد من الأطباء والمدرسين يمكنهم أن يسدوا العجز فى احتياجات المحافظة بالمستشفيات والمدارس، مضيفا: «اللجنة مازالت تبحث المشكلة على الورق، ولم تصل لقرارات رغم بدء عملها قبل أربعة أشهر، ولا أعتقد أن الأزمة فى طريقة تعامل شركات البترول أو السياحة ولكن فى طلبها تخصصات معينة قد لا تتوافر فى أبناء مطروح».
أيمن سويلم، شاب فى منتصف العشرينيات يؤكد أن حلم كل الشباب فى مطروح أن يعملوا فى شركات البترول، ولكن لم يستعدوا لذلك، مضيفًا: «الأزمة أن مؤهلات خريجى مطروح لا تتناسب مع التخصصات المطلوبة»، ويتابع: «الشركات تلجأ إلى فتح المجال للعمل لشباب من المحافظات الأخرى، لأن أغلبها مرتبط بالمركز الرئيسى المسؤول عن التوظيف». عبدالله الزيات عمدة قبيلة القطعان فى مرسى مطروح، اختير ليكون رئيسا للجنة البطالة فى المحافظة يرى أن مطروح محافظة نائية تحتاج إلى كثير من الخدمات، ولكن أكثر ما تعانيه هو البطالة، ولذلك شكلت المحافظة لجانا من الشعبيين لدراسة أوضاع البطالة والصحة والتعليم.
دوره كرئيس لجنة البطالة جعله يتحرك فقام بحصر أعداد المتعطلين عن العمل ومؤهلاتهم الدراسية وتخصصهم لتوزيعهم على الوظائف المطلوبة فى المحافظة قبل أن يجرى اتصالات بالمسؤولين عن الشركات للضغط عليهم على حد قوله لتوفير عمل.