سعدنا كثيراً بصحوة الضمير التى انتابت كافة أرجاء مصر بعد الثورة الجهنمية.. وتخيّل كل منّا أنه تم تصديرنا إلى بقعة أخرى من الأرض وتم استيراد نوعية جديدة من الشعب (سوبر لوكس) لا تخرّب ولا ترتشى ولا تعبث بما وهبها الواهبون من نعم وامتيازات .. وفى أثناء استمتاعنا بالمنجزات الثورية التى أطاحت بنا واستبدلتنا بشعب جديد لامع بعد أن كنا قد فقدنا الأمل فى تحقيق تلك المتعة وقررنا نحن الشعب الحر وبكامل إرادتنا ألا نعود للوراء وأن ينال كل فرد منّا كامل حقوقه.
وفى أثناء استمتاعى بالسفر بالقطار أسبوعياً بحثاً عن لقمة العيش.. شأنى شأن كل من تم استبدالهم.. وبينما أجلس فى الكرسى فى قطار مستورد يسمى (الأسبانى) والذى تصنّفه هيئة السكك الحديدية العريقة على أنه فاخر حيث الخدمة فيه على أعلى مستوى.. وقادر على منافسة القطار الأسبانى فى أسبانيا نفسها.. وكانت العربة التى بها الكرسى الخاص بى تبدو حديثة الطلاء.. تفوح منها رائحة ذكية .. ومن المؤكد أنها خرجت حديثاً من عملية تجديد، ويتضح ذلك من كمية البقع التى يتمتع بها الموكيت الذى يغطى أرضية العربة!!.. وأثناء استمتاعى وبقية الشعب بالرحلة الفاخرة.. سمعت صرخة مكتومة من إحدى الراكبات.. فنظرت إليها لأجدها تحملق فى أرضية العربة أسفل موضع قدمى مباشرة.. وبمجرد النظر للأرض أسفل قدمى وجدت فأراً صغيراً قد قرر أن يستفيد هو الآخر من منجزات الثورة كبقية الشعب ويستمتع معنا بحقه الذى سُلب منه طيلة ثلاثين عاماً مضت.. عانى فيها من التهميش والاستبعاد والتحقير.. لم يكن يتاح له أن يركب العربة الفاخرة المستوردة من أسبانيا!!
ولكن للأسف لم تسمح له الراكبات اللاتى امتلأت بهن عربة القطار بالاستمتاع.. وتابعن الصراخ ورفع الأرجل فوق المقاعد هلعاً من الفأر الصغير.. الذى راح يجرى بين الكراسى فى محاولة للاختباء من الموشّح الصارخ الذى عكّر صفو الرحلة.. كان العامل المسئول عن العربة قد قرر هو الآخر أن يستمتع بالرحلة فانتقى لنفسه كرسياً وثيراً فى مدخل العربة.. ولما رأى أحد الركاب يحاول أن يفتح الباب المفضى إلى خارج العربة، لعل الفأر يجد ملاذاً من أن يلتصق بنعل حذاء أى من الركاب.. ابتسم العامل وقال له: (يا راجل... ده فار صغير.. مابيعملش حاجة.. ومش هايخرج من العربية) وكأنه ينصح الركاب بأن يبقوا على الفأر المسكين معهم يكمل رحلته ولا يفضحونه بطرده من العربة ليراه رئيس القطار ويقوم بتغريمه تذكرة درجة أولى مضافاً إليها الضريبة، على الرغم من أننا بعد الثورة ولا يجوز استمرار العهد البائد فى تحصيل الضرائب ممن يستطيع وممن لا يستطيع.. (وإذا كان ده حال الأسبانى، الترسو والعادة يعملوا إيه؟!!).. من المؤكد أنهم بحاجة للانتظار ثلاثين عاماً إضافية حتى يصيبهم الدور!!!
القطارات متنوعة والأسبانى به ثلاث وأحياناً أربع عربات درجة أولى بكل عربة خمسين كرسياً وتبلغ قيمة التذكرة خمسون جنيهاً.. كما يضم ست وأحياناً سبع عربات درجة ثانية تبلغ قيمة التذكرة خمسة وثلاثون جنيهاً.. هذا بالنسبة للقطارات المباشرة بين القاهرة والإسكندرية.. وعددها سبعة لكل اتجاه يومياً.. وينخفض السعر إلى واحد وأربعين جنيها فى القطارات التى تتوقف فى محطة أو اثنتين فى الطريق.. بخلاف بقية الخطوط حتى السد العالى وأسوان.. أين نسبة السكك الحديدية من الموازنة العامة فى ظل هذا الإيراد؟!! كانت الهيئة قد قامت قبل عامين تقريباً بتركيب وحدة غسيل آلى للقطارات بمحطة القاهرة.. يدخلها القطار قديماً فيخرج من الناحية الثانية جديداً.. وبقدر نظافته الزائفة من الخارج فى ظل البارومة والزجاج المكسور بقدر القذارة من الداخل.. فلا مسمار ولا مزلاج ولا باب فى مكانه.. وعلى الرغم من سعادتى بالمؤشر الأحمر الذى يضىء مصباح التواليت ليدلل على وجود من يشغله.. إلا أننى أرفض الاستبدال لأنه لم يشتمل على بند (بدل حمّام).
ونظرة واحدة داخل حمّام القطار كفيلة بتخلّيك نهائياً عن قضاء الحاجة حتى بلوغ المقبرة.. وإذا كان المرء يخرج من بيته أشعث أغبر.. ولا يكلّف نفسه مقدار ذرة من أناقة مهما كانت بسيطة فكيف سيعبأ بنظافة مكان عمله.. ولا يسعنى سوى تحية هيئة السكك الحديدية ووزارة النقل على (المناظر المبذولة!!..).
* مدير المركز القومى للمسرح
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أفروديتى المعذبة
سعادة الاستاذ الدكتور: هانى أبو الحسن سلام حبيب الملايييييييييين
عدد الردود 0
بواسطة:
هايدى
ملل
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد حسن
مصير فار
الهدف هو تأمين الفااار داخل عربة القطار