عادة ما تتميز الشعوب بالتعددية الطبقية، وتعدد طبقات المجتمع من الغنى الفاحش وصولا إلى الفقر الشديد، ومن الصعب أن تجد فئة ثرية كثيرة العدد، أو فئة فقيرة طاغية النفوذ والسلطة.. فالمجتمع خليط من كل الصور والأشكال، وبكثرة تعدد طبقات المجتمع نجدها تحمل فى طياتها مزيداً من التناقضات التى تثير فى كثير من الأحيان علامات تساؤل، فى الماضى لم يكن غريباً أن تجد أبناء الأثرياء وأحفادهم.. أثرياء بالوراثة، وأن يغتنى كل مجتهد ومكافح بعد مشوار طويل من العمل واجتياز الصعاب، كان هذا فى الماضى.. أما الآن فقد بات من السهل أن تجد من بين صفوة المجتمع وأغنيائه من وصلوا إلى ما هم عليه بطرق ملتوية ومعقدة يشوبها الكثير من الشك والارتياب.
فى بلادنا العربية، للأسف، اختفت طبقات المجتمع وانطمرت فى ظل طغيان قلة قليلة من الشعب، قلة لا تزيد عن 5% من إجمالى عدد السكان، قلة تتمتع بالنفوذ والسلطة والمال والحصانة، وأشياء أخرى لا نعلمها، وربما لم يكن لنعلمها لولا ربيع عربى من الثورات التى كشف الفساد التى كانت تغرق فيها بلداننا، ربما لأننا لم نكن يوما من تلك القلة القليلة، وبشكل تدريجى اختفت الطبقة الوسطى من مجتمعاتنا العربية، وانضمت إلى الطبقة الكادحة الفقيرة المعدمة، فاختل ميزان القوى فى المجتمع، واختل الهرم المجتمعى الذى يشكل الهيكل الأساسى والاجتماعى للأمة، ولم نعد نسمع عن أسرة متوسطة الحال، أو ميسورة المعيشة، فأنت إما من نسبة الـ5% التى تحكم وتسيطر وتهيمن على كل شىء أو دون ذلك.
يراود ذاكرتى مزحة قديمة تقول: إن مدرسا قد طلب من تلميذ ثرى جدا أن يكتب موضوع تعبير عن أسرة فقيرة، ونظرا لأن التلميذ لا يعرف معنى الفقر من الأساس فقد كتب الآتى: "كانت هناك أسرة فقيرة جدا، الأب فقير، والأم فقيرة، والابن فقير، والبستانى فقير، والشغال فقير، والبواب فقير، ومديرة المنزل فقيرة، والسواق فقير، كلهم فقراء.. "، لم يكن للتلميذ الصغير أن يستوعب معنى الفقر فكيف ينتظر معلمه أن يعبر عنه؟!، هكذا كان الحال، أو يشابهه إلى حد التقارب، عندما حكمنا رؤساء طغاة وحكومات تشكلت من رجال أعمال فاسدين كان همهم الأول هو تدبير شئونهم ومصالحهم الخاصة، فماتت طبقة كنا نعدها هى عصب المجتمع.. ألا وهى الطبقة المتوسطة!.
بل إن إصدار المفكر وأستاذ الاقتصاد رمزى زكى كتاباً يحمل عنوان "وداعا الطبقة الوسطى" أكد انطمار تلك الطبقات على طبقات الهرم المجتمعى، فى ظل سياسات اقتصادية انتهجتها الحكومات الفاسدة التابعة للأنظمة الديكتاتورية فى بلادنا العربية، تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها، لا فرق بين الأنظمة الحاكمة سوى فى الأسماء والأشكال، أما السياسات وأساليب النهب وسرقة قوت الشعوب هى ذاتها، وباتت الثروات والسلطات تتركز فى أيدى قلة معدودة لا تزيد عن 5% من السكان، بل أقل من 5%، لكن تكتمل الغرابة عندما كانت تتم بخطى ثابتة عمليات إعداد أبناء رؤساء الجمهوريات العرب كى يرثوا حكم بلدانهم من بعدهم، فحتى الأوطان باتت جزءا من الميراث!، إلا أن ثورات الربيع العربى قد أفشلت تلك المشاريع الاستعمارية المحلية الصنع، التى كان من شأنها، فى حال نجاحها، أن تؤدى إلى اختفاء باقى طبقات المجتمع!.
هكذا لم يعد هناك طبقة متوسطة الحال، واختفى المتوسطون (أهل الطبقة المتوسطة)، وهناك شائعات تقول: بأن لصوصاً مأجورين من قِبلْ القلة القليلة (طبقة الـ5%) قد سطوا ليلاً على الهرم المجتمعى، فسرقوا تلك الطبقة كاملة بكل أهلها وممتلكاتهم، وهربوا من سرداب سرى فى الهرم المجتمعى، وقد أعلنت الشرطة أن البحث عنهم ما زال مستمراً.
أحمد مصطفى الغـر يكتب:المتوسطون.. أهل الطبقة المختفية!
الأربعاء، 28 مارس 2012 01:09 ص