أرى أن ما يحدث اليوم فى مصر من انفلات أمنى وانحلال خلقى، وتداعى خلف الشهوات والملذات، وسعى وراء جمع المال من أى طريق، وسطوة الأنانية وحب النفس، وغياب الثقة بين الناس فى الشارع، ولهجة التخوين التى تسرى على كل لسان بين من تعرف ومن لا تعرف، إنما هى كلها آفات جديدة حلت على مجتمعنا المصرى، الذى من المفترض أن تسوده سمات التواد والتراحم والتعاطف، والإحساس بالغير، كحال الجسد الواحد الذى وصفه "النبى الأمى" إذا مرض فيه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.
ونرى جميعا منا المارق عن الجماعة الخارج على القانون، والسارق المحترف الذى يروع الناس فى العرض والمال، ومن يسلب منا حق الأمن والسلام، ويحرمنا العيش دون خوف وقهر، وهناك منا من تلذذ بسرقة المال العام واستحله، وجعله لنفسه حقا مكتسبا، ونسى أنه يأخذ قوت غيره، ويحرم الفقراء من لقمة عيش قد لا يجدها، أوحجرة وحمام ذات أبواب وسقف، ويفتح الطريق لشاب مع الشيطان، وتسقط بسببه فتاة فى بئرالرزيلة، بعدما أغلق كل الطرق أمامهم نحو المأذون، ليستمتع هو بالسيارات الفارهة والفيلات والقصور الواسعة، ويأكل ما لذ وطاب، ويسافر بالطائرات ليستمتع بأموال الفقراء فى مواخير أوروبا.
وأرى إن ما نعيش فيه من حال مزرية مقلقة تنذر بالخراب علينا جميعا، إذا لم ننتبه ويشد بعضنا أزر بعض، ويأخذ بعضنا على يد الفالت منا يقومه ويعيده إلى طريق الجماعة، حتى لا نغرق وتغرق بنا السفينة جميعنا، ونستعيد هؤلاء المارقين ليكونوا أعضاء نافعين فى المجتمع، ونمنع شبابا جديدا فى طريقه إلى أن يصبح لصا أو قاطع طريق آخر.
والحل الناجز والعلاج الشافى فى كلام "النبى الأمى" الذى قال إنه لن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، إذا فالحل فى ذلك الدين العجيب الذى حول قلوب الكافرين الصماء وجعلها جذور شجر أنبتت تاريخا لم يضاهييه تاريخ، ذلك الدين الذى حل مشاكل أولئك الفقراء وحافظ عليهم كى لا يتحولوا إلى أشقياء وقاطعى طريق، ذلك الدين الذى جوهره إعطاء كل ذى حق حقه ورحمة الضعيف، ذلك الدين الذى أكد على أخذ حق المجتمع من المقتدر وفق الشرع، ذلك الدين الذى أمر بجمع الزكاة حتى يتحقق العدل الاجتماعى بتوزيع الثروة بين الناس، تحت قيادة حكومة رشيدة ترعى الحق وتعلى من شأنه، وتقضى على الظلم والباطل وتقتلع جذوره.
ويقول د. يوسف القرضاوى فى كتابه مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام "إن للإسلام نظرة إلى الحياة وإلى الإنسان وإلى العمل وإلى المال وإلى الفرد وإلى المجتمع تخالف فى مجموعها نظرة المذاهب الأخرى، يمينية ويسارية، إنها نظرة ربانية متفردة لا شرقية ولا غربية، بل ربانية إنسانية".
ويقول الأستاذ عبد السميع المصرى فى كتاب نظرات فى الاقتصاد الإسلامى "فرض الإسلام الزكاة لتكون حقا للفقراء فى أموال القادرين، وهى تتعامل مع رأس المال وليس الدخل، وتؤخذ من القادرين فقط وبقواعد معروفة، بعكس الضرائب التى لا تفرق بين غنى أو فقير ودون نظام ثابت ومحدد، فالزكاة حق تتقاضاه الدولة بحكم القانون، لترده على أصحابه بغير مّن ولا أذى، وليست تفضلا من قادر إلى محتاج يعطيه له مباشرة فيمس إنسانيته".
وحدثنا علماء الإسلام كثيرا عن دور الزكاة فى تطهير المجتمع من سوآته وعوراته وأكد تاريخ المسلمين أن للزكاة فاعليتها فى علاج الفقر؛ إذ كانت تؤخذ بتمام حقها وتصرف إلى مستحقيها فلم يعد هناك فقر ولا فقراء.
وهذا ليس كلاما نسوقه، بل حقائق شهد بها الأقدمون، والدليل ما رواه أبو عبيد عن أن الفاروق عمر بن الخطاب أنكر على معاذ بن جبل أن بعث إليه بثلث صدقة أهل الجند باليمن فقال له: لم أبعثك جابيا ولا آخِذَ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم، فرد معاذ بقوله: ما بعثت إليك بشىء وأنا أجد أحدا يأخذه منى، فلما كان العام الثانى بعث إليه بشطر الصدقة فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، وكانت حجة معاذ أيضا: ما وجدت أحدا يأخذ منى شيئا.
وهنا دفع الغنى حق الفقير فى ماله فزاده الله غنى "ما نقص مال من صدقة" واكتفى الفقير ولم يمد يده، ولم يخرج لصا ولا سارقا ولا قاطع طريق، وكل ذلك تحت نظام حكم عادل، سواء القائد فى المدينة أو الحاكم فى اليمن، فكلاهما لم يمد يده على المال العام، وكلاهما نفذ أمر الله وجمع الزكاة بنصابها، وزع المال بحق الله كما أمر فى مصارفها، وكانت النتيجة مجتمعا مثاليا خاليا من الأمراض والآفات والرقع المعيبة، مجتمعا ربانيا يحيا فيه الجميع فى الدنيا بأجسادهم، ولكن عقولهم وقلوبهم فى الجنة الآخرة.
سترد علىّ وتقول: هذا فى عهد عمر عندما كان يعيش الصحابة، أقول لك: إن هذه المدينة الإسلامية الأفلاطونية التى امتدت عبر ربوع الأرض قاطبة من شرقها إلى غربها، دام عزها وأمنها ورخاؤها وسلامها طويلا، طالما وُجد من يُحيى فيها الحق من العلماء ويقوم عليه من الحكام ويؤديه من الرعية.
ففى عهد التابعين روى البيهقى عن عمر بن أسيد أن عمر بن عبد العزيز قد أغنى الناس حتى لا يجدون من يأخذ منهم مال الصدقة، وشهد بذلك يحيى بن سعيد حين قال: بعثنى عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية (منطقة تونس)، فجمعتها وطلبت الفقراء أعطيها لهم، فلم أجد فقيرا يقبل أن يأخذ منى صدقة بيت المال، فاشتريت بها رقابا وأعتقتهم بعد أن جعلت ولاءهم للمسلمين.
هذان المثالان يؤكدان أننا فى حاجة إلى حاكم عدل، يقيم الحق ويطبق شرع ربه، ويجمع زكاة مال المسلمين على وجهها، ويوزعها فى مصارفها بحقها، وستكون النتيجة محققة فى مجتمع كلنا ننشده مجتمع المدينة الفاضلة.
والنهاية يجب أن تكون كالبداية:
أولا: حاكم يقبل بتطبيق شرع الله، وتطهير المجتمع من الدنس الرأسمالى، والفحش الربوى، ويمحو آثار الخراب الذى حل بالأرض، على يد أولئك الربويون الذين يحكمون العالم منذ قرون طويلة، ويوجهونه نحو مخالفة كل ماهو طاهر ونقى ويمت للدين بصلة.
ثانيا: شعب يؤمن بأن أمر الخالق مطاع ووجب تنفيذه، وهنا على فريق الأغنياء أن يلزم نفسه ويلتزم بآداء فرض الزكاة، ووجب أيضا على الفقراء أن يعملوا ويتعففوا ويطلبون حقهم فى مال الأغنياء دون جشع أو طمع.
وثالثا: مشرعون مؤمنون بحق بأن الحل فى ذلك الدين الخاتم، لا فى تشريعات أولئك الذين يريدون الدنيا، ويهدمون كل شىء فى سبيل الوصول إليها.
عدد الردود 0
بواسطة:
م/ محمد
إستغاثه
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود
مقال هادف
عدد الردود 0
بواسطة:
أمجد
فريضة وشرع الله
عدد الردود 0
بواسطة:
مسلم غيور
الربيون اليهود والطماعون من المسلمين
عدد الردود 0
بواسطة:
نور بهجت
ثق ياعزيزى
عدد الردود 0
بواسطة:
هانى
بارك الله فيك
عدد الردود 0
بواسطة:
سيد
ما احلى العودة للحق