نبيل عمر

لحم رخيص فى سن العاشرة!

السبت، 24 مارس 2012 03:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو أننا نعيش فى «بلد تانية»، أو أننا معزولون فى جزر منفصلة لا نعرف ما يدور فى حياتنا اليومية، وإلا ما معنى تفكير البعض فى «البرلمان الجديد»، وقطعا هو ليس برلمان الثورة، فى إصدار تشريع بخفض سن زواج البنات إلى عشر سنوات؟! هل انتهت مصر من كل مشكلاتها ولم يعد أمامها غير تعديل سن زواج البنات من ثمانية عشر عاما إلى عشر سنوات فقط؟!

بالله عليكم، أى مستقبل ينتظر هذا الوطن وبرلمانه مشغول بمثل هذه القضايا، بينما أهله يعانون من كل أنواع الأزمات حتى تلك التى اختفت من دول العالم الثالث والرابع، وبالرغم من كل هذه الأزمات لا يفكر إخواننا السلفيون إلا فى سن زواج البنات فى مجتمع يعانى من عنوسة الكبار، عنوسة ضربت تسعة ملايين امرأة، نصفهن فوق الثلاثين عاما، ومرجعها الأول عدم القدرة الاقتصادية، وانتشار البطالة وسوء التعليم.. أمامنا سكة سفر طويلة جدا لانتشال مصر من التخلف والتراجع الاقتصادى والثقافى والتعليمى والعلمى والصحى والبيئى والأمنى، سكة صعبة قد لا نرجع منها ونضيع فيها ونرهن مستقبل أولادنا ونورثهم ديونا وفقرا وإحباطا وذقونا طويلة وجلاليب قصيرة ووجوها منتقبة وعقولا خاملة إذا كانت بصيرتنا لا تتجاوز نصفنا السفلى كتخفيض سن زواج البنات وحبس النساء خلف جدران البيوت حفاظا عليهن وصونا لعفتهن، فالمجتمع تعوى فيه الكلاب الضالة والكلاب بطبعها النجاسة وقلة الحياء وممارسة الرغبة على قارعة طريق كلما حانت الفرصة.

وطبعا النساء أصل الغواية وأسهل سقوطا فى وساوس الشيطان، وطبعا لو زوجنا بنات فى سن العاشرة فسوف نسد أمامهن أبواب رياح الرغبة الضاغطة على أعصابهن اليافعة، فهن بمجرد أن يبلغن الحلم لا يستهويهن اللعب بالعرائس ولا الرسم بالألوان ولا التعلم فى المدارس ولا التفكير فى مستقبل مهنى، وإنما تنحصر اهتماماتهن فى الدماء الشهرية الفائرة وكيف يتزوجن وينجبن البنين، فإذا لم تأت إليهن هذه الأمنيات بالطرق الشرعية، فقد ينحرفن عن الطريق القويم ويتحمل أعضاء البرلمان وزر هذا الانحراف، والحل هو أن نزوج «الفائرات» منهن فى سن العاشرة!

طبعا.. هؤلاء البنات المتزوجات لن يكملن تعليمهن، ويفقد المجتمع جزءا كبيرا من طاقاته وقوته، ونزيد من عدد الأمهات الأميات أو اللائى لم يحصلن على شهادة الابتدائية.. وطبعا لن نسأل عن أطفالهن وما سوف يكونون عليه، ويبدو أن الأمهات الأميات هن هدف فى حد ذاته، فهذا النوع من النساء مكسورات الجناح، لا يملكن مصادر دخل يتيح لهن قدرا من الاستقلالية والشخصية، ومطيعات وملتزمات وأصواتهن خفيضة لا يرفعن عيونهن فى عيون رجالهن وألسنتهم شبه مقطوعة!

والسؤال هنا: ما هو سن العريس الذى يتزوج صبية فى العاشرة وقادر على فتح بيت من شبكة وخطبة وفرح وزفاف وسكن وعفش ولبس ومواصلات وأكل وشرب وتعليم؟ وهل سيكون هو أيضا فى نفس عمرها أو أكبر بعامين ثلاثة لو كان والده غنيا يمكن أن يصرف عليه وعلى عروسه؟ لا أعرف إجابة محددة.. لكن خطر فى بالى فكرة شيطانية، وها أنا اعترف دون إكراه أو تعذيب بأنها فكرة شيطانية: يا ترى من أكثر الفئات استفادة من هذا التشريع «العظيم»؟

وعلى الفور ارتسمت فى مخيلتى صور شيوخ عرب يهوون الزواج من القاصرات وهم يجوبون الأرياف بحثا عن الفقراء المحتاجين الذين لهم بنات فائرات فى سن العاشرة، فيدفع ثمنهن مهرا وشبكة، والفقر ذل ولو كان رجلا لقتلناه جميعا فتقبل تلك الأسر الفقيرة بالصفقة التى لا بديل لها للخروج ولو شبرا من حجر الحاجة، وأيضا ارتسمت فى مخيلتى صور عواجيز الفرح المهمومين باستعادة شبابهم والتخلص من أرذل العمر فى نضارة بنات صغيرات هن أقرب إلى الطفولة!

هل مثل هذه التشريعات تبنى مستقبل أمة؟!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة