
نزل الشباب النوبى إلى شوارع وميادين مصر فى الخامس والعشرين من يناير متناسين قضيتهم الفرعية للدفاع عن قضية مصر الكبرى، يؤلمهم أسهم النقد والاتهامات الموجهة لهم بدعوى سعيهم لتقسيم مصر، إلا أنهم يتمسكون بآمالهم وطموحاتهم، ويؤكدون بأن الثورة التى أعادت لمصر كرامتها منحتهم الأمل بأن القادم أفضل.
وقضية النوبة أحد المشاكل المستعصية على الحل بمصر فبعد أن تم تهجيرهم من أراضيهم من أجل بناء السد العالى إلى سهل كوم أمبو، يطالبون بالعودة لها الآن.

ويروى يحيى زايد الشاب النوبى المتحدث الإعلامى باتحاد شباب النوبة الديمقراطى تفاصيل التهجير قائلا: "إن رحلة التهجير بدأت فى عام 1902، ولكنها لم تكن بالشكل المأساوى التى كانت به عملية التهجير فى الستينيات من القرن الماضى، عندما قرر جمال عبد الناصر تهجير النوبيين الذين يقيمون فى 44 قرية بالنوبة حول البحيرة خوفا من تكرار النموذج الكردى فى مصر إلى سهل كوم أمبو، والذى أسماه النوبيون (وادى الموت) لظروف الطبيعة القاسية فى هذا المكان الذى يحوى به مقبرة تسمى (جبانة الحضانة) والتى دفن فيها عدد كبير من الأطفال النوبيين الرضع الذين لم يتحملوا المناخ والظروف السيئة للمكان، فأنا يسارى وأعشق عبد الناصر ولكنى لا أستطيع أن أنسى له ما فعله بأجدادى النوبيين الذين حملوا صوره وهم ينتقلون من مساكنهم، لأنهم كانوا يعشقونه ولكنهم لم يسامحوه، فقد علمت أن أجدادى كانوا يقضون ليلة التهجير يغنون ويرقصون ويحتفلون ويشمون رائحة التراب قبل ترك أراضيهم على قناعة أنهم يقومون بمهمة وطنية إلا أن الوطن أنكر لهم جميلهم، كما أن التهجير تم بطريقة غير آدمية فالدولة نقلت السودانيين إلى دولتهم وقت التهجير بشكل آدمى وقدمت لهم التعويضات الكافية واهتمت بالآثار المصرية ونقلها أكثر من اهتمامها بالنوبيين".

وعن الشباب النوبى أكد زياد أنهم يشعرون بحالة من الاضطهاد وهذا ليس من قبل الحكومة فقط وإنما على المستوى الفنى أيضا، حيث يتم تصوير النوبيين على أنهم الطباخون والسائقون فقط، مما جعل الأمهات النوبيات حاليا يعلمون أبنائهم اللغة العربية ويبعدون عن العادات والتقاليد النوبية.

ويشير زياد إلى أن تسمية بحيرة النوبيين ببحيرة ناصر يعتبر نوعا من القهر والظلم، بالإضافة إلى تسمية الهيئة العليا لتنمية ما وراء السد بهذا الاسم، فكان لابد أن يكون اسمها الهيئة العليا لتنمية المجتمع النوبى، إلا أن هناك حالة تعمد واضحة لكى لا يطلق اسم النوبة على أى مؤسسة أو كيان، مؤكدا أنه تم إخفاء أسماء الرموز الوطنية من النوبيين من التاريخ المصرى وتم تجاهل الأسر الفرعونية النوبية من التاريخ.

وأضاف زايد قائلا: "أن النوبة كان يجب تقسيمها كدائرة انتخابية يترشح فيها أحد أبنائها بدلا من تعيين مرشح نوبى من قبل المجلس العسكرى الذى نرفض بقاءه فى مصر، فأنا أحلم بعودة النوبيين إلى أراضيهم بعد بناء القرى حول بحيرة النوبة، مشيرا إلى أن النوبيين عاداتهم وتقاليدهم وأنشطتهم مرتبطة بالنيل، حيث إنهم يعملون بالصيد والزراعة ويرقصون على شكل مياه النيل والطفل والعروس الجديدة لابد أن يستحموا فى مياه النيل، وإعادتهم إلى أراضيهم تمثل إعادة إحيائهم ثقافيا".

واستطرد الشاب النوبى قائلا: إنه يمتلك أحلاما وطموحات كبرى لمصر تتمثل فى رحيل المجلس العسكرى وانتهاء النظام القمعى الديكتاتورى وأن تكون مصر وطن أفضل سياسيا وألا تكون مصر دولة فاشية إسلامية، وإعداد دستور يتضمن تعددا عرقيا ثقافيا وطائفيا فى مصر، وأن يعود النوبيون إلى أراضيهم مجددا حول ضفاف البحيرة وتكون النوبة عاصمة ثقافية لمصر، وأن يتخلص الشعب المصرى من عنصريته تجاه النوبيين فليس من المعقول أنه عندما يتم سب اللاعب شيكا بالا يقال له "يانوبي"، وأن يتم الاهتمام باللغة النوبية لأنها اللغة الوحيدة الباقية منذ 7 آلاف سنة، كما أنها استخدمت فى حرب أكتوبر عام 1973 لعدم قدرة العدو على فك شفراتها، وأن يتفهم المصريون أن النوبيين هم عاشقو مصر وضحوا بدمائهم من أجلها وأنهم لن يلجأوا إلى دول أخرى لمساندتهم فى قضيتهم، فأمريكا التى استباحت دماء الهنود الحمر لن تنصر النوبيين فى مصر، مؤكدا أن عرض قضيتهم فى مؤتمرات دولية أمام الأمم المتحدة للتعبير عن أنفسهم فقط وليس لطلب تدخل أى دولة أخرى.

أما الشاب النوبى مصطفى الشوربجى عضو المكتب التنفيذى لاتحاد شباب النوبة الديمقراطى فأكد على فخره بهويته النوبية، موضحا أنه يتعمد منذ طفولته عندما يسأله شخص عن هويته يقول أنا مصرى حتى يتجنب الدخول فى تفاصيل إذا قال إنه نوبى، والسؤال الذى اعتاد على سماعه، هما النوبيين دول مصريين؟، قائلا "تفهمت أننا أقلية عندما وجدت فى جامعتى الأقباط يجلسون سويا والنوبيين يجلسون سويا، فإن ذلك محاولة لتمثيل هويتنا التى افتقدناها وسط عنصرية المجتمع وسعى الحكومة لخلق مواطنين متشابهين جميعهم قالب واحد نمطى لضمان صمتهم ورضاهم بالنظام القمعى الديكتاتورى".

وأشار الشوربجى إلى أن كل إنسان يحب أن يكون له وطن ومكان مولد يحن له ويعود إليه إلا النوبيين فى مصر لأنه انتزع موطنهم، قائلا "بدأت العمل السياسى عندما سمعت فى 2008 عن مجموعة من الشباب النوبى ينظمون وقفة أمام ماسبيرو للمطالبة بحق العودة، وبدأت التواصل معهم وبعدها قمنا بتكوين اتحاد شباب النوبة الديمقراطى من أجل القضية النوبية، ولكن بالنظر لأحوال مصر قررنا أن ننحى قضيتنا جانبا إيمانا منا بأن قضية النوبة هى جزء من قضية مصر، وأننا نحتاج لثورة لإصلاح شئون مصر، ونزلنا الميادين وسقط 10 شهداء نوبيين فى ثورة يناير، وبعدها التفتنا لقضيتنا لأننا لابد أن نعود فى أقرب وقت لأن جيلنا الذى تحدى القهر وشارك فى الثورة المصرية هم من يريدون العودة إلى النوبة وتعميرها ولا أضمن أن تظل الأجيال القادمة على هذا الحماس".

ويقول صفوان على سكرتير مفوض الدولة بمحافظة قنا، إنه يؤلمه ضياع وعود حكام مصر فى المرحلة الماضية بتملك أهل النوبة أراضى كتعويض عن أراضيهم الغارقة وإهدائها لرجال النظام البائد، حيث شعرنا أنهم كانوا يغتصبوا أراضينا فى صمت من الشعب المصرى باعتبار أنها منفعة عامة مثل أراضى بلدة كركر وتوشكى وأبو سمبل، مؤكدا أنه بالرغم من كونه من أبناء الجيل الثالث للمجتمع النوبى بعد التهجير إلا أن ضياع وتمزق المجتمع النوبى يترك جرحا بداخله ويجعله دائما فى حالة بحث عن أفراد من قبيلته يتحدث معهم اللغة النوبية الفيجيكية لإحيائها، معتقدا أنها لهجة كانت صاحبة الفضل الأكبر فى إنقاذ الأمة المصرية أثناء حرب 1973.

وتعجب على، من حالة الاستنكار التى يواجه بها الشعب المصرى قضية عودة النوبيين وإحياء تراثهم بإنشاء قرى حول بحيرة نصر النوبة قائلا: "نحن أكثر من تحملنا من أجل مصر ولم نجد أى مقابل".


