وكأن قدر «العمالقة» فى مصر ألا نعترف بقيمتهم وقامتهم إلا بالرحيل. رحل البابا «شنودة» الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية «حزينا».
ربما استسلم أمام المرض بإرادته، ليسقط جهاز المناعة فى مواجهة «القهر».. لترتفع روحه إلى بارئها «نقية ومعذبة».
لم تنهر عزيمته داخل معتقل «السادات»، ولا فقد شجاعته أمام قرار «عزل» لا يملكه فرعون مصر الأسبق، لم تخنه حكمته فى معاملة الفرعون السابق، ولم يخدعه شعار: (مسلم ومسيحى إيد واحدة)، بينما يرى جثث الشهداء من المسيحيين والمسلمين تتساقط أمام الرصاص الخفى ومولوتوف «اللهو الخفى» لتُدفن معها مطالب الأقباط. صحيح أن البابا «شنودة» لم يؤيد ثورة 25 يناير، لكنه أيضا لم يعارضها، ولا وجّه «شعبه» لمقاطعة ميدان التحرير.
لقد كان دائما «الرقم الصعب» فى السياسة المصرية، فلم يكن شخصية صدامية، ولا كان مهادنا أيضا، وحين احتدم النزاع حول قضية طلاق المسيحيين والزواج الثانى، تعامل بثبات لو توافر فى كل رجل دولة لما تمزقت البلاد. وفى واقعة أخرى أعلن احتجاجه بالاعتكاف رفضا لعدم الإفراج عن المحبوسين احتياطيًا «من شعبه» على خلفية أحداث الشغب التى شهدتها منطقة العمرانية، حتى «صمته» كان سلاحا سلميا فى مواجهة البطش والاستبداد. لقد تحول «كرسى البابوية» فى عهده من قيادة روحية ودينية إلى «قيادة سياسية»، تحفّظ عليها البعض– وكنت منهم- وأيده آخرون، لأنه كان حائط الصد أمام دعوة بعض أقباط المهجر بالتدخل الأجنبى، لحماية أقباط مصر. لقد تحول «البابا» إلى «بطل شعبى» منذ رفض مرافقة «السادات» فى زيارته للقدس، وظل رافضا السماح للأقباط بزيارة القدس، إلا جنبا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين، حتى النفس الأخير. وتحت شعار: «الوحدة الوطنية» استوعب «البابا» كل شطحات الجانبين «المسلم والمسيحى»، بحنكة سياسية واعية.
الآن، يشعر كل مسيحى على أرض مصر بمرارة «اليتم»، ويشعر كل مسلم بالخوف، تجمعنا مشاعر الألم، لأن «البابا» كان قادرا على الحفاظ دائما على «شعرة معاوية» مع كل الأطراف السياسية حتى التى اختلفت معه، وبالتالى كان وجوده ضمانة لعدم تعرض الأقباط للاضطهاد والتمييز، خاصة مع سيطرة الأحزاب الإسلامية على السلطة. لقد رحل البابا وترك قانون «دور العبادة الموحد» معلقا فى رقبة التشريع، والهوة تتسع بين حقوق الأقباط و«دولة» تتبلور فى هيئة دينية.
لم يشهد القصاص لأرواح الشهداء، ولا الكنائس مؤمنة دون حراسة الشرطة، بل بإيمان أبناء الوطن الواحد.. وترك تلك المهام الثقيلة لمن يخلفه فى قيادة الكنيسة. يقولون إن الأرواح الطيبة ترانا وتسمعنا، فياليت «البابا» يرى كيف وحد رحيله بين المسلمين والمسيحيين، وبين العسكر والشعب، والتيارات الإسلامية والليبرالية فى «لحظة حداد».
ليته يرى الإعلام المصرى «أخيرا» يثبت الصورة على ملامحه، ويوزع كاميراته داخل الكاتدرائية وخارجها، والمصريون يتوافدون لإلقاء نظرة الوداع على قداسته. «أخيرا» - أيضا - عرف المسلمون كيف تدار الكنيسة من الداخل بآليات ديموقراطية، ورأوا إخوانهم فى صدارة المشهد بعد تجاهل طويل. إنه المشهد الأخير الذى ربما يفتح صفحة جديدة للُحمة الوطنية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
اذكرنا ياابى الحبيب امام عرش النعمه
أحبك ياربى
عدد الردود 0
بواسطة:
نانسى
البابا شنوده شخصية القرن
عدد الردود 0
بواسطة:
جوه قلوبنا يابابا شنوده..ايام وشهور وسنين هتفوت عايش.. فى قلوبنا ومش هتموت
اشتقنا ليك ياراعينا..
عدد الردود 0
بواسطة:
مينا جورج
شكرا لكل اخواتنا المسلميين على مساندتهم لنا وعزائهم لنا
عدد الردود 0
بواسطة:
writer
جزيل الشكر
جزيل الشكر لصاحبة المقال...مقال اكثر من رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو الليل
بسيطة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية بجد
ابو الليل
عدد الردود 0
بواسطة:
مينا جورج
لتعليق 6 ابو الليل
عدد الردود 0
بواسطة:
رد على ابو الليل
رد على ابو الليل