قبل ثورة 25 يناير 2011 كان النظام الحاكم ينفذ على أرض الواقع سيناريو التوريث، لنجله الأصغر جمال ليصبح رئيساً للجمهورية، وذلك كان يصب فى مصلحة مبارك ومراكز القوة فى نظامه، فأهل الثقة فى الحزب الوطنى اقنعوه بملف التوريث لان هذا سيضمن استمرارية وجودهم فى الحكم، وبدلا من أن يعين مبارك نائباً له، ثم بعدما يموت يتولى رئاسة الجمهورية، فيحارب مراكز القوة وأهل الثقة فى نظامه، ولكن لن يستطيع جمال أن يمسك بمقاليد الحكم فى ظل الدستور الحالى، فألحوا فى التحايل على الشعب، وقاموا بتعديله عام 2005 لكى يسمح بأن تكون الرئاسة بالانتخاب.
إن تداول السلطة فى مصر كان يتم على حسب دستور 1971، ونظام الاستفتاء الذى كان ينص على أنه إذا خلى منصب رئيس الجمهورية، فإنه يتولى رئيس مجلس الشعب السلطة مؤقتا، ثم يجرى الاستفتاء على نائب رئيس الجمهورية، فالرئيس عبد الناصر هو أول من عين نائبا له، وكان سر اختياره للسادات؛ لأنه لم يختلف أبدا معه، وابتعد عن الصراعات التى كانت بين الضباط الأحرار.
وعندما تم الاستفتاء الشعبى عليه 1971، وتولى منصب الرئاسة بدأت الصراعات تنشأ بينه وبين مراكز القوى فى نظام عبد الناصر، والتى تريده أداة تنفذ القرارات والسياسات التى تخدم مصالحهم، ولكنه ذو الشخصية التى تتمتع بالذكاء والدهاء السياسى تخلص منهم، ولذلك فإن مراكز القوة كلها فى فترة حكمه اجتمعت فى قبضة، ولم يسمح لأى مراكز قوى أن تتشكل، بل إن السادات كان يتخذ القرارات المصيرية بنفسه، وكانت سياسات مصر فى وقت الحرب والسلام تعبر عن أفكاره.
والسادات اختار مبارك نائبا له، وأن اختياره لم يكن على أسس موضوعية أو خبرة، بل على الأسس التالية:
أولا- الولاء له؛ لأن مبارك ليس له أى تاريخ سياسى.
ثانيا- السادات كان يريد أن يعلمه كيف تدار الدولة وكيف تصنع القرارات المصيرية.
وثالثا- من الاستحالة أن يأتى السادات بنائب له شعبية ويفوقه سياسيا.
ولذلك الرئيس مبارك فى بداية توليه رئاسة الجمهورية رفض تعيين نائب لعدة مخاطر، وهى أن يكون منافساً قوياً وله شعبية فى الشارع المصرى أو يتآمر عليه، ويقوم بانقلاب عسكرى ضده، ومن ناحية أخرى وبعد طرح سيناريو التوريث عام 2001 رفض الفكرة تماما، حتى لا ينافس نجله على رئاسة الجمهورية.
ومن هنا فرئيس الجمهورية يعتبر رأس النظام، ويتمتع بنفوذ واسعة فى السلطة التنفيذية، والتى تتمثل فى رئيس الحكومة والوزراء والمحافظين ورؤساء المجالس المحلية والبلدية، والرئيس مبارك هو من أفسد هذه المنظومة، وذلك للأسباب التالية على سبيل المثال لا الحصر وهى كالتالى:
أولا- طول فترة الرئاسة للرئيس السابق، والتى استمرت ما يقارب من 30 عاماً منذ اغتيال السادات 1981، جعلت الحكم فى مصر أقرب إلى النظام الملكى، وهو أن يحكم مدى الحياة، ولا يترك الحكم إلا بالانقلاب أو الاغتيال أو الموت، فيجب ألا تزيد مدة الرئاسة عن فترتين.
ثانيا- تمتع رئيس الجمهورية بسلطات واسعة، مما تجعله يسخر هذه السلطات لتثبيت أركان حكمه، دون النظر لمسئوليته كحاكم تجاه الدولة، من حيث الإصلاح والتنمية، فيجب تقليص سلطات رئيس الجمهورية فى الدستور القادم.
ثالثا- اهتمام الرئيس فى العشر سنوات الماضية بملف التوريث لأبنائه، مما أدى إلى الخلط بين الحياة الوظيفية مع الحياة العائلية، وتعيين جمال مبارك فى كبرى المناصب الحساسة بالدولة، وتدخل العائلة فى اتخاذ القرارات الخاصة بمصر، فيجب أن يفصل الرئيس بين حياته الخاصة وحياته العامة.
رابعا- اعتماده على أهل الثقة وتقريبه للفاسدين الذى يثق فى ولائهم؛ لتثبيت أركان حكمه ولإدارة شئون البلاد، واستبعاد أهل الخبرة والعلم والأمانة من الحياة العامة.
خامسا- تزاوج المال والسلطة من خلال تعيين رجال الأعمال والتجار فى المناصب العامة، وبدلا من أن يخدموا المصالح العامة كانوا يخدمون مصالحهم الشخصية ومصالح أعمالهم، دون النظر إلى مصالح الشعب المصرى.
سادسا- فرض نفسه على الشعب من خلال إضعاف عملية الاستفتاء على رئيس الجمهورية الذى كان معمولاً به قبل انتخابات 2005 وإضعاف الانتخابات الرئاسية، وعدم شفافيتها ونزهتها وعمل ديمقراطية وهمية لها،
سابعا- ابتعاده عن النظام الرئاسى الذى نص عليه الدستور وتشويه لنظام الحكم بسبب قيامه بتزوير وإفساد السلطة التشريعية التى تمثل الشعب وإضراره باستقلاليتها عن السلطة التنفيذية، فأخل بالتوازن بين السلطات، والتى هى أساس النظام الرئاسى الصحيح.
وثامنا- عدم اهتمامه برفع مستوى معيشة المواطن العادى وتدنى مستوى دخله وعدم قدرة على مواجهة الظروف الاقتصادية المتدنية للبلد الأمر الذى جعله هو الآخر يستغل سلطاته المحدودة فى الحصول الرشاوى والعمولات لرفع مستوى دخله..إلخ
والخلاصة، إن الانتخابات الرئاسية القادمة تعتبر أخطر الانتخابات التى ستمر بها مصر فى القرن الواحد والعشرين، والتى ستكون الاختبار الأول لترسيخ مبادئ الديمقراطية. ومن أعظم ثمار الثورة التى قامت بإسقاط رئيس كان من المستحيل أن يترك الحكم، ونظام كان يريد التوريث انهار فى 18 يوماً، ولم يتحمل الزلزال الشعبى الذى أصابه، لأن بيانه كان يقوم على الفساد وليس على العدل والإصلاح فى شتى المجالات.
إن مبارك هو من أقام الحجة على نفسه، وهو من أسقط شرعيته بيده، حيث إن الأغلبية الساحقة هى من قامت بإسقاطه، وهى الملايين التى خرجت فى الشارع المصرى وميدان التحرير، فى ظل وجود مؤيدين وهميين له، لم يستطيعوا أن ينقذوا شرعيته الدستورية، ولكن إذا نظرنا إلى سوريا واليمن خرجت الملايين من المعارضة لإسقاط شرعية الرئيس على صالح وبشار الأسد، ولكن وفى نفس الوقت خرجت الملايين لتأييدهم وتأييد الشرعية الدستورية، فانحدرت البلاد نحو الهاوية والفوضى الشاملة لأكثر من عام.
وفى النهاية، بعد إقامة الانتخابات الرئاسية وتشكيل النظام فإن الشرعية الثورية يجب أن تنتهى، وسيناريو إسقاط الأنظمة من خلال الميادين، يجب أن لا يتكرر؛ لأنه سيؤدى إلى السقوط فى الفوضى، وانهيار وتفكك الدولة، فيجب أن نلتزم بالقنوات الشرعية والدستورية، وأن نعطى الفرصة للرئيس القادم ونظامه، وأن نحاسبهم بالطرق الشرعية إذا ثبت إهمالهم فى حق الوطن، وأن يتم إسقاطهم من خلال آليات الديمقراطية التى ارتضيناها جميعا جيشـــا وشـــعبا.
السادات ومبارك<br>
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن
ارحمونا
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق البولاقى
"الثورة هذة المرة لها قائد استأجرناة وخيرمن استأجرنا القوى الأمين حازم صلاح ابو اسم
عدد الردود 0
بواسطة:
masrey
حازموووووووووووووووووووووووووووووون
فوق سنجيا كراما
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى ابوزيد
غير متزن ، ركيك
عدد الردود 0
بواسطة:
كاتب المقال
تعليقك ليس بة اتوان وانما يبحث عن الاخطاء فقط
عدد الردود 0
بواسطة:
د.شوقى البسيونى
متفق ،، لكن
عدد الردود 0
بواسطة:
الفقير لله المصرى
أفكار تتلاقح ولا تتناطح...
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق السعيد
الأمل