تتعثر الكلمات وتخجل المعانى وتأبى الجمل تلقى، قبل أن تصف هذا الكيان الأبوى المتدفق. لقد غمرنا بالحب، وأحاطنا بالتسامح، وظلل علينا بقلبه وعقله كطير يحمى عشه.
تربينا على أن الأم هى نبع الحنان ومصدر المحبة– وذلك حق– ولكنه غير مفاهيم التربية وقوانين العطف والمحبة.
هو لى كالصديق، ينصح بلا أمر، وكالحبيب يسامح بلا عذر، يرسم خطاى على درب الحياة بلا جبروت، فلم أحسد أحد الأبناء يوما ما على والده، لأننى وبكل بساطة لا أقدر على مقارنته مع أحد من الآباء، وكيف أفعلها وأنا كلما أراه أشعر بالشوق الجارف والرغبة الجامحة فى الارتماء بين أحضانه وتقبيل يديه، وهو يطلب المزيد، كيف لا أحبه وأنا أرتعد ويصيبنى خدر غريب أقرب إلى السبات حين ينادينى بكلمته الأجمل (يا أبوى).
كيف لا أثنى عليه وقد أثقلنا كاهله بالهموم فلم يتوان ولم يبخل علينا بعمره، فتراه وقد ضرب الشيب رأسه منذ كان شاباً، لا يملك من الدنيا سوى بضع ضحكات هن كل عتاده وإرثه لمواجهة الأزمات، حتى سميته بين ضلوعى (الضاحك الباكى).
يضحك ويضحكك ولكن أسارير وجهه تخبرك بما فى قلبه من ألم، فترى بين ثنيات جبهته آثار ربع قرن من الغربة والسفر، وكأنها أبت إلا أن تذكرنا بفضله علينا، وتجبرنا على الاعتراف بصك ديننا له.
أبى.. هنيئاً لك قلبك وهنيئاً لنا عطفك وحبك
أما أنتِ فمهما قالوا فيكِ فلن يوفوكِ القليل من حقك.. أنتِ سماؤنا وظل أيامنا وما وفيناكِ حقاً ومن ذا يدّعى؟
