المفترض أن يجلس على كرسى رئيس الجمهورية الشخص الأكفأ الذى تتوافر فيه المؤهلات السياسية والثقافية والفكرية والمهنية اللازمة للقيام بأعباء هذا المنصب الرفيع. وفى حالة بلد مثل مصر - يجرى فيها البحث عن رئيس فى سياق «ثورة» شعبية - تضاف إلى المسوغات السابقة شروط إضافية، أهمها «النضالية» والإخلاص للأهداف التى قامت الثورة من أجلها والالتزام بتحقيقها.
لكن المفترض شىء والواقع شىء آخر تمامًا. فانتخابات الرئاسة - شأنها شأن أى انتخابات أخرى - تحكمها أمور «عملية» احترافية، مثل «التربيطات» - التى تم إطلاق اسم «الرئيس التوافقى» عليها - ومثل الدعاية السلبية التى تتركز على الإساءة إلى المرشحين المنافسين ومحاولة تلويثهم بالحق وبالباطل، وغير ذلك من الأساليب المعروفة.
بيد أن أهم الأساليب إياها هو «المال السياسى». أى باختصار استخدام المرشح المال كسلاح سياسى فى هذه المعركة، سواء كان هذا المال من جيبه الخاص، أو من جيوب أطراف أخرى. وهذه الأطراف الأخرى إما أن تكون «داخلية» وإما أن تكون «خارجية». والهدف فى كل الأحوال هو «شراء» كرسى الرئاسة عن طريق الرشاوى الانتخابية بأشكالها المتنوعة، مادية ومعنوية، وعن طريق الإخلال بتكافؤ الفرص المتاحة لجميع المرشحين وتجاوز الميزانيات المرصودة للدعاية الانتخابية قانونًا وشراء الذمم والضمائر.. وما إلى ذلك من أساليب غير قانونية وغير مسبوقة. وفى حالة تطوع أطراف خارجية - مصرية أو عربية أو أجنبية - بضخ أموال فى ماكينة الدعاية الانتخابية لمرشح معين، فإن لنا أن نتوقع أن هذا لا يكون حبّا فى سواد عيون المرشح إياه، وإنما يكون سعيًا لشراء كرسى الرئاسة من خلال شراء من سيجلس عليه. وهذا أمر مفزع وخطير يجب التنبه له والحيلولة دون حدوثه، لأننا نتحدث فى حقيقة الأمر عن «الأمن القومى» للبلاد. ولدينا بهذا الصدد ما يقلق بالفعل. فلم يكشف معظم المرشحين عن مصادر تمويل حملاتهم الانتخابية حتى الآن، ولا عن حجمها، ولا عن أوجه إنفاقها. واستمر هذا الصمت بعد أن وجه زميلنا وصديقنا المحترم أسامة سلامة، رئيس تحرير مجلة «روزاليوسف»، رسالة مفتوحة إليهم جميعًا يطالبهم فيها بالإفصاح والشفافية.
والسؤال هو: هل توجد آليات حقيقية تحت تصرف اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية تمكنها من تعقب أوجه إنفاق كل مرشح، والتأكد من مخالفته للقانون أو التزامه به، ثم اتخاذ موقف منه - ربما يصل فى بعض الأحيان إلى الشطب - إذا تبين تورطه فى مخالفات مالية فى سياق الحملات الانتخابية، أم أن المسألة مجرد كلام فى كلام مثلما رأينا فى انتخابات مجلس الشعب التى وقفت فيها اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية مثل «خيال المآتة» لا تهش ولا تنش، بينما المال السياسى يتدفق من كل حدب وصوب وتتناقله الأيدى علنًا وعلى رؤوس الأشهاد؟!
وظهور المال السياسى واستخدامه بهذا النحو يقوض العملية الديمقراطية من أساسها ويفرغها من مضمونها، ولا يتبقى منها لنا سوى شكل فارغ أجوف لا قيمة له.
لذلك.. لا تكفى مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتحرك السريع والحاسم للتصدى لعملية شراء وبيع كرسى رئيس الجمهورية، سواء بمال سياسى مصرى الجنسية أو بمال سياسى أجنبى الهوية، وإنما يجب أن يتحرك المجتمع المدنى المصرى - رغم الطعنات التى تم توجيهها إليه مؤخرًا، وربما كان الهدف هو تشتيت انتباهه وشل يده عن مراقبة انتخابات الرئاسة، خاصة أن الحديث عن «شراء» التوكيلات اللازمة لتزكية المرشحين أصبح حديث الساعة، فإذا صح هذا الحديث فإننا نكون إزاء «افتتاحية» طرح كرسى رئيس مصر فى المزاد. فهل نقف مكتوفى الأيدى ونكتفى باختراع النكات والقفشات فى أمر لا يحتمل الهزل؟!
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى الفره
رئيس للبيع