عقدت المجموعة المتحدة والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان والأندلس ورشة عمل مع عدد من الخبراء السياسيين والحقوقيين، لمناقشة مسودة تقرير عن الانتخابات الأخيرة فى مصر وذلك صباح اليوم الخميس.
قال المحامى الحقوقى نجاد البرعى رئيس المجموعة المتحدة، إن التقرير هو المحصلة النهائية لجملة الأنشطة التى تم القيام بها لمتابعة ومراقبة انتخابات مجلس الشعب 2011 فى إطار التحالف المصرى لمراقبة الانتخابات، والذى هو عبارة عن تحالف مجموعة من منظمات المجتمع المدنى المعنية بالتطور الديمقراطى فى مصر، والذى ضم فى عضويته عددا من المنظمات من بينها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وأندلس، قد تعاونت المجموعة المتحدة مع هذه المنظمات لإنتاج هذا التقرير.
وأشار البرعى إلى أن التقرير يشمل وصفا وتحليلا للأوضاع السياسية فى مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير باعتبارها المقدمة الطبيعية التى أدت إلى انتخابات مجلس الشعب2011، كما يشمل خلاصة أنشطة المراقبة الإعلامية والميدانية التى قام بها متطوعو التحالف المصرى لمراقبة الانتخابات.
وأشار التقرير إلى أن سقوط نظام الرئيس السابق مبارك نتيجة لانتفاضة شعبية عارمة أدى إلى انفتاح المجال السياسى المصرى وتحرره من جانب كبير جدا من القيود التى كانت مفروضة طوال عقود الحكم الاستبدادى السابقة إلا أن المجال السياسى المصرى انغلق وبات محتكرا من جانب فئات ضيقة تعيد إنتاج نفسها بشكل جعل السلطة السياسية حكرا على نخبة محدودة جدا، فيما تركت لفئات وأحزاب معارضة مساحات شديدة الضيق للعمل داخل النظام السياسى، واختار المواطنون فى أغلبهم البقاء خارج مؤسسات النظام السياسى وعملياته بعد أن سيطرت عليهم مشاعر العدمية والسخرية السياسية، أما الجزء الأكثر التزاما وإصرارا من المواطنين فقد اتجه للعمل خارج مؤسسات النظام السياسى، بدءا من منظمات المجتمع المدنى الذى تحول فى جانب منه إلى مجال سياسى بديل، مرورا بتجمعات المعارضة غير المسجلة قانونيا، وانتهاء بالمعارضة عبر التعبير عن الرأى فى المجال الافتراضى الذى أصبح مجالا جديدا للفعل السياسى فى السنوات الخمسة الأخيرة السابقة على سقوط النظام.
وأضاف التقرير أن الوضع السياسى بعد سقوط النظام السابق ساهم فى حل المعضلة التاريخية التى واجهت النظام السياسى المصرى لعقود طويلة، وهى العقدة المتمثلة فى دمج جماعات الإسلام السياسى، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، فى النظام السياسى المصرى، فيما أظهر الانفتاح السياسى الذى أعقب إسقاط نظام مبارك عمق ظاهرة الإسلام السياسى وتعقدها، فبينما اختزل المثقفون والسياسيون المصريون لسنوات طويلة قضية الإسلام السياسى فى جماعة الإخوان المسلمين، فإن الانفتاح السياسى قد سمح بتأسيس تيارات إسلامية إضافية، وتحديدات التيارات السلفية، التى اختارت أن تبتعد عن السياسة فى ظل قيود النظام السلطوى، بينما وجدت فى الظروف الجديدة فرصة وفسحة تسمح لها بتوسيع مجالات عملها من المجالين الدعوى والخيرى إلى المجال السياسى، الأمر الذى أكسب ظاهرة الإسلام السياسى أبعادا جديدة لم تحظ بالاهتمام الكافى طوال المراحل السابقة، وهو الوضع الذى تبدل تماما منذ سقوط النظام السابق، وخاصة بعد انتخابات مجلس الشعب الأخيرة.
ومنح الوضع السياسى الجديد لجماعات الإسلام السياسى فرصة لإظهار حيويتها وعمقها، فإنها أتاحت فرصة كبيرة أيضا لتجديد التيارات الليبرالية والاشتراكية، فقد أظهرت الاحتجاجات الثورية وجود جيل جديد من الليبراليين والاشتراكيين المصريين الذين ابتعدوا عن المجال السياسى بسبب القيود التى فرضها النظام السابق، والجمود الذى خيم على الأحزاب الليبرالية، وأيضا التشويه الذى لحق بالمبادئ الليبرالية على يد جماعات عملت فى إطار الحزب الوطنى الديمقراطى المنحل، واختلطت على يديها الأوراق بين الليبرالية الاقتصادية والسياسية والتوريث.
وفى مقابل الأحزاب الجديدة والقديمة التى تعرضت لاختبار حاسم فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، فإن الانتخابات نفسها قد أفرزت مجموعة من الأحزاب السياسية الجديدة التى احتلت مقدمة المشهد السياسى على جانبى الأغلبية والأقلية، والتى يبدو أن فرصتها فى البقاء عالية لما تمثله من تيارات وقوى ومصالح حقيقية فى المجتمع إلا أن المفارقة الأكبر هى أن القسم الأكبر من جماعات الشباب التى نظمت وبادرت لتحقيق ثورة الخامس والعشرين من يناير لم تتشارك فى هذه الانتخابات لأسباب يتعلق أغلبها بفجوة الثقة والايديولوجيا، وكذلك الفجوة النفسية التى مازالت تفصل هؤلاء النشطاء عن العمل السياسى المؤسسى.
وأكد التقرير على أنه تم تنظيم انتخابات مجس الشعب على خريطة نجح المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى فرضها بعد أن تولى المسئولية عن حكم البلاد، ولكنها جاءت كمحصلة لعملية شد وجذب سياسى حادة وعنيفة، فمكونات الانتخابات الناجحة من إطار قانونى وهيئة ناخبة وجدول زمنى وترتيبات لوجيستية لم تكن واضحة منذ فترة مبكرة كافية سابقة على إجراء الانتخابات، بحيث تتوافر للناخبين الثقة فى العملية السياسية، وتتوافر للأحزاب المتنافسة القدرة على اختيار المرشحين ونسج التحالفات ووضع خطط الدعاية وصياغة الرسائل الانتخابية.
وجرى تنظيم الانتخابات فى أجواء اتسمت بعدم اليقين السياسى، بسبب الأوضاع السياسية المضطربة فى البلاد، حتى أن عددا كبيرا من الناخبين والقوى السياسية المشاركة فى الانتخابات كانت لديه شكوكا عميقة فيما إذا كانت الانتخابات سيتم إجرائها، حتى أن البعض طالب بتأجيل الانتخابات بسبب أحداث العنف التى اشتعلت فى قلب القاهرة ومدن أخرى أياما قليلة قبل بدء الجولة الانتخابية الأولى، وكانت تبعاتها مازالت مستمرة بينما كان الناخبون يتوجهون لصناديق الاقتراع.
وأثرت حالة عدم اليقين وحوادث العنف السياسى سلبيا على مرحلة الحملات الانتخابية التى سبقت الجولة الانتخابية الأولى بشكل خاص، فبينما تتاح الفرصة للأحزاب السياسية المتنافسة أثناء الحملات الانتخابية لعرض برامجها وأفكارها وللمناظرة حولها، فإن أحداث العنف المتفجرة وحالة عدم اليقين السياسى أفسدت مرحلة الدعاية الانتخابية بأكثر من طريقة.
وأوضح التقرير أن الانتخابات جرت على خلفية انقسام واستقطاب سياسى عميق بين القوى السياسية، خاصة بين الأحزاب الإسلامية والليبرالية مشيرا إلى أن الطريقة التى تمت بها إدارة المرحلة الانتقالية، خاصة منذ استفتاء 19مارس أدى إلى وصول العلاقة بين التيارين الإسلامى والليبرالى إلى درجة الاستقطاب الحاد، وجرت الانتخابات على خلفية تدهور شديد فى الحوار العام بين القوى السياسية المختلفة، وخاصة مع لجوء بعض الأطراف لتحويل الجدل والخلاف السياسى إلى خلاف حول العقائد الدينية.
وأضاف التقرير أن الانتخابات البرلمانية لم تكن مثالية فى تنظيمها أو فى التكتيكات والأساليب التى اتبعتها القوى المتنافسة فى الانتخابات، ولكنها أن عبرت بشكل تقريبى عن المزاج السياسى والايديولوجى السائد فى مصر فى الفترة التى أجريت فيها الانتخابات، كما عبرت بدرجة مناسبة من التقريب عن ميزان القوى السياسى فى البلاد، فيما لم تقدم انتخابات مجلس الشعب، رغم كل الميزات التى اتسمت بها، حلا ديمقراطيا لقضايا تمثيل المرأة والأقباط والشباب، وسيظل هذا الإخفاق يلاحق التجربة الديمقراطية الوليدة حتى يتم إيجاد حل له.
وأضاف: الثورة فتحت الطريق أمام الجيش لاحتلال مقدمة المشهد السياسى، بعد أن تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المسئولية عن إدارة البلاد، ليتولى مجتمعا القيام بمهام منصب رئيس الجمهورية، كما فتحت ثورة يناير الباب لصعودها هى القوى الإسلامية، وقد أسفرت الثورة عن توسيع المشهد الإسلامى وإكسابه قدرا إضافيا من التنوع والتعقيد بعد أن دخل إلى ساحة السياسة الإسلامية التيار السلفى الذى طالما امتنع عن المشاركة فى السياسة، ورغم أن القوى الإسلامية، وخاصة السلفيين كانوا آخر الملتحقين بالثورة والمشاركين فيها، إلا أنهم بكل المعايير كانوا المستفيد الأكبر منها.
وأوضح التقرير أن الديمقراطية والجيش هما من تعبيرين متناقضين يصعب جمعهما معا فى جملة واحدة، خاصة عندما يدور الحديث عن الجيش المصرى الذى ساهم فى إنهاء الحقبة شبه الليبرالية فى عام 1952، والذى حكم البلاد بشكل مباشر تارة وغبر مباشر تارة أخرى فى العقود الستة التى تلت ذلك، أما القوى الإسلامية، فإنها بصفة عامة لم تقدم حتى الآن تأسيسا فقهيا للديمقراطية، وإن كانت تعترف بصفة عامة بفوائد النظام الديمقراطى فى تحقيق الحكم الرشيد والصالح العام، ينطبق هذا بالذات على حركة الإخوان المسلمين التى نجحت فى تقديم نفسها للمجتمع المصرى خلال العقدين الأخيرين كقوة سياسية أكثر منها قوة دينية، محتفظة للخطاب الدينى بمساحاته فى نطاق النشاط الدعوى للجماعة وعمليات تربية أعضائها تربية تنسجم مع خطابها الإسلامى الأصلى، أما المجال العام السياسى الواسع فكان بالنسبة للإخوان مجالا لتقديم خطاب سياسى مطالب بالديمقراطية، طورت جماعة الإخوان، إذا، منهجها عمليا زاوج بين خطاب ديمقراطى عمومى فى المجال السياسى، بينما احتفظ بالخطاب الدينى الدعوى التقليدى للجماعة فى مجالات بعيدة عن ملاحظة وسائل الإعلام والنخب السياسية الأخرى.
وكشف التقرير أن صعود السلفيين أكسب المشهد السياسى الإسلامى تعقيدا إضافيا، فبينما احتكر الإخوان تمثيل الإسلام السياسى لسنوات طويلة، باستثناء الصوت الإسلامى الذى عبر عنه حزب الوسط الخارج من عباءة الإخوان، فإن ظهور السلفيين أنهى الاحتكار الإخوانى لتمثيل الصوت الإسلامى، وأتى للسياسة المصرية بلاعب جديد تماما لم يمر بنفس الخبرة السياسية التى مر بها اللاعبون الآخرون خلال سنوات حكم مبارك الطويلة، وقد ينتهى الحال بالتيار السلفى إلى تبنى نوعا من السياسة العملية التى تقبل بقدر مناسب من التمييز بين المجالين الدينى والسياسى، إلا أنه حتى يحدث ذلك، فإن التيار السلفى يدخل إلى مجالس السياسية محملا برؤية دينية متشددة ترفض التمييز بين مجالى الدين والسياسة بأى قدر، بل إنه يدين، أو على الأقل يتردد فى القبول بالديمقراطية كصيغة للحكم، ولا يتعتبرها أكثر من وسيلة يلجأ إليها مضطرا لتطبيق السياسة الشرعية كما يفهمها، ولديه، بالإضافة إلى ذلك، مشكلة عويصة تتعلق بالموقف من قضايا الحريات المدنية.
تقرير حقوقى يكشف:الانتخابات جرت باستقطاب سياسى بين الإسلاميين والليبراليين..والاحتجاجات الثورية أظهرت جيلاً جديداً من الليبراليين والاشتراكيين..وصعود السلفيين أنهى احتكار الإخوان تمثيل الإسلام السياسى
الخميس، 15 مارس 2012 03:37 م
المحامى الحقوقى نجاد البرعى رئيس المجموعة المتحدة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى السعيد
لم نرى منكم غير الشر والتخريب
لم نسمع من منظمات حقوق .... إلا الفتن والشر