يبدو أن واقعة منع تصوير أحداث فيلم «فرش وغطا» بأحد المساجد لن تكون الأخيرة، وأن القادم أسوأ فعلاً، حيث لم يعد هناك اعتبار لهيبة الدولة ولا المؤسسات التى صرّحت بتصوير الفيلم، بعد أن أصبح من حق كل شخص المنع والرفض، بدعوى حفاظه على الأخلاق العامة، أو أنه خير من يطبق مبادئ الدين، وكل واحد حر، وعلى مبدعى مصر أن «يخبطوا دماغهم فى الحيط»، والمدهش أن مدير مكتب وزير الأوقاف قرر مع نفسه أن تصوير الأفلام فى المساجد حرام انطلاقاً من أن الفنانين فئة مدنسة، وأقل فئات المجتمع تعاطيا مع الدين.
وحسبما ذكر مخرج الفيلم أحمد عبدالله فى شهادته عن الواقعة والتى نشرت بموقع البديل: «حيث أوضح أحمد أن مدير مكتب وزير الأوقاف ومدير أمن الوزارة أخبر فريق التصوير بأن الوزير يرفض مبدأ التصوير بشكل عام، وكان نائب الإخوان حاضرا وكأنه موجود ليتم إشهاده على الواقعة وموقف الوزارة، أو كأن له صفة رسمية لم نفهمها، رغم عدم مشاركته المباشرة فى الحديث، وأكدوا لنا أن التصوير فى دور العبادة مرفوض، أيا كان محتواه وأكدوا أن الأفلام ليس مكانها المساجد. وحينما أشرنا إلى أننا اعتدنا أن كثيراً من الأفلام عبر تاريخ السينما تصور فى المساجد منذ «قنديل أم هاشم» مروراً بـ«أرض الخوف» حتى «واحد من الناس». فكان الرد حاضرا: «ده كان قبل الثورة.. دلوقتى خلاص».. وبالطبع رفض وزير الأوقاف إعطاء خطاب يحمل رفضه رسميا حتى لا يثور البعض عليه.
وحتى لا يعتقد أحد أننى لا سمح الله أدافع عن فيلم ردىء أو مخرج لا يستحق، فأحداث فيلم «فرش وغطا» تؤرخ لأيام من حياة سجين يهرب من محبسه، ويتحرك البطل فى هذه الفترة بين عدد من المواقف فى القاهرة، ويحدث فى القصة أنه يبيت ليلته الأولى فى أحد المساجد ذات الأضرحة، أما مخرج الفيلم فهو واحد من أهم شباب السينما المصرية والذين تمردوا على الأنماط التجارية السائدة، سواء فى الشكل الإنتاجى أو السينمائى وقدم مع شباب السينما المستقلة فيلمين غاية فى الرقى.
أما المفارقة الدرامية حقا فتتعلق بهؤلاء المانعين والذين لا يدركون أن من قام ببناء المساجد ودور العبادة هم فنانون، ومن خط ونقش أسماء الله من خطاطين هم أيضاً فنانون وهبهم الله ملكة الإبداع، وأيضاً من صمم سقف كنيسة السيستين بروما هو مايكل أنجلو وبتكليف من البابا، وهى التى تضم أيضا تماثيل لرافايل ولوحات لدافنشى.
وماذا عن السينما التسجيلية والتى أرّخت لأقدم وأهم دور العبادة هل ستمنع هى الأخرى؟ أعتقد أن المبدعين يجب أن تكون لهم وقفة جادة مع ما يحدث، حتى لا يأتى اليوم الذى يعلنون فيه الهجرة.