"اليوم السابع" يقرأ الفاتحة أمام المقبرة المنسية لشهداء الجيش المصرى فى ثورة اليمن.. آلاف الشهداء المصريين مدفونون فى مقبرة مساحتها فدانان ولا يزورها إلا المغتربون وأعضاء السفارة مرة كل عام

الثلاثاء، 13 مارس 2012 04:45 م
"اليوم السابع" يقرأ الفاتحة أمام المقبرة المنسية لشهداء الجيش المصرى فى ثورة اليمن.. آلاف الشهداء المصريين مدفونون فى مقبرة مساحتها فدانان ولا يزورها إلا المغتربون وأعضاء السفارة مرة كل عام مقابر شهداء الجيش المصرى باليمن
صنعاء مصطفى عنبر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى تاريخ الأمم أحداث كثيرة.. ولكن يبقى الحدث الأكثر تأثيرا على أمته يفرض نفسه ويظل ذكرى حاضرة فى عقول شعبه، مثل حرب"6 أكتوبر 1973"، وقد تغفل الأيام عن تمجيد ذكرى حدثِ غيّر مستقبل شعب بأكمله وربط بين بلدين شقيقين حتى أصبحا وجهين لعملة سياسية واحدة، مثل ثورة اليمن (أكتوبر – ديسمبر 1962) التى شاركت فيها القوات المسلحة المصرية واستشهد من أجل نصرتها الآلاف من جنودنا، هذه الذكرى من الصعب أن ينساها اليمنيون لأنها ذكرى تخلصهم من حكم الأئمة والقمع والاستبداد، لكنها نُسيت فى مصر ولم يعد يتذكرها سوى كبار السن من النخبة السياسية والمثقفة.

فى شارع "الدفاع" أمام مقبرة "خزيمة"، أكبر مقابر الجمهورية اليمنية، يوجد مقابر شهداء الجيش المصرى فى ثورة اليمن 1962 ضد حكم المملكة المتوكلية اليمنية بهدف إعلان الجمهورية العربية اليمنية.. حرب شارك فيها الجيش المصرى نتيجة السياسة المصرية التى انتهجها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقتها والتى تقضى بمحاربة الأنظمة الملكية والتى كان يطلق عليها النظام الناصرى وقتها (بالأنظمة الرجعية)، لكنها أعادت لليمن وحدتها واستقلال جنوبها عن الاحتلال البريطانى.

"اليوم السابع" زار مقابر شهدائنا فى هذا البلد الشقيق وقرأ سورة "الفاتحة" على أرواحهم.

المقابر على مساحة فدانين تقريبا محاطة بسور يتوسطه بوابة ملصق عليها علما مصر واليمن، أما بالداخل فتوجد طرقة واسعة على امتداد مساحة الأرض تقسم المقبرة إلى نصفين وفى نهايتها نصب تذكارى مدون على أعمدته أسماء الشهداء، أما المقابر فتتجاوز الألف مقبرة مصفوفة بشكل طولى ويزينها أعشاب ذبل بعضها.. عندما تقف أمام تلك المقابر تشعر بـ"قشعريرة" تنتاب جسدك وقد تدمع عيناك لأنك تقف أمام مقابر أولاد بلدك فى بلد آخر ضحوا بأنفسهم فى حرب لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل إلا نصرة إخوانهم اليمنيين، ومع ذلك لم يعطهم التاريخ حقهم فى تمجيد ذكراهم فكان حتما أن ننساهم.

الوهلة الأولى من لحظة وقوفك أمام تلك المقابر الموجودة فى بلد صحيح أنه شقيق، لكنه بعيد وقد يكون غريبا لبعضنا ستقول "واضح إن المقابر دى مفيش حد بيزورها" وكنت أتمنى من الحارس أن يسمعنى حديثا آخرا يخيب ظنى، لكنه للأسف أكد مزاعمى وأخبرنى أنه قلما فتح البوابة التى دخلت منها لزائرين مثلى (يقصد المصريين)، لدرجة أنه استغرب زيارتى، وظهر استغرابه من المدة التى استغرقها فى فتح البوابة.

الحارس قال إنه كل ثلاثة أو أربعة شهور يأتى أحد المغتربين أو الطلبة المصريين الدارسين فى اليمن لزيارة تلك المقابر، وفى يوم 6 أكتوبر يأتى وفد من السفارة المصرية باليمن لزيارة مقابر هؤلاء الشهداء.

"هل نسينا شيئا وراءنا.. نعم.. نسينا تلفت القلب، وتركنا فيكى خير مافينا.. تركنا فيكى شهداءنا الذين نوصيكى بهم خيرا" ، هذه الكلمات كتبها الشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش فى قصيدة" كيف نشفى من حب تونس" للشهداء الفلسطينيين بتونس، لكننا اليوم نكتب تلك الكلمات لشهدائنا المصريين فى اليمن، فهم أبطال سالت دماؤهم ليس من أجل مصر وإنما من أجل بلد عربى عانى شعبه من القهر والظلم واستبداد أئمة حكموه لما يقرب من 1100 عام وساندوا الثورة الوليدة فى اليمن حتى نجاحها وتحقيق أهدافها.

لمحة تاريخية عن ثورة اليمن 1962 والانقلاب على حكم الأئمة:

فى 26 سبتمبر 1962 قامت الثورة فى اليمن ضد حكم الأئمة وكان آخرهم الإمام محمد البدر بن حميد الدين، آخر حكام المملكة المتوكلة اليمنية، والذى أطيح به على يد الثوار بعد توليه السلطة بأسبوع خلفاً للإمام أحمد يحيى حميد الدين، وقتها طلب مجلس قيادة الثورة اليمنية بقيادة عبد الله السلال، قائد الحرس الملكى آنذاك، مساعداتٍ عسكرية من مصر؛ حيث بدأت الأخيرة فى الاستجابة لهذه الطلبات، وفى 30 سبتمبر 1962 أرسل المشير عبد الحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة المصرية، اللواء أ.ح. على عبد الخبير، ومعه بعض ضباط الصاعقة والمظلات وغيرهم إلى اليمن، لمقابلة أعضاء مجلس قيادة الثورة اليمنية ومعرفة طلباتهم. ثم بدأت مصر فى إرسال بعض الوحدات الفرعية من الصاعقة والمظلات للمعاونة فى حماية الثورة، ثم تطور الأمر سريعا؛ حيث ذهب المشير عامر ومعه الفريق أنور القاضى، رئيس هيئة العمليات المصرية إلى اليمن، وكلفوا بمساعدة الثورة اليمنية بلا حدود. وبذلك تطورت الأمور إلى حدٍّ بعيد، حيث تدفقت القوات المصرية يوميًا من القاهرة إلى صنعاء، وبدأت مصر فى إنشاء جسر جوى وبحرى ضخم عبر آلاف الكيلومترات لنقل الرجال والعتاد والأسلحة والمهمات والتعيينات، بل والذهب إلى أرض اليمن. وقد وصل حجم القوات المصرية فى اليمن إلى 130 ألف جندى، ناهيك عن عشرات الآلاف من المعدات والذخائر، حتى وصل عدد الذخائر المستهلكة إلى 20 مليون طلقة ذخيرة. وفى المقابل قامت السعودية ومعها بريطانيا وبعض الدول الأخرى بمساندة قوات الإمام المناهضة لثورة اليمن حتى لا تتحول اليمن إلى موطئ قدم للأنظمة الثورية التابعة لعبد الناصر والتى كانت تهدد النفوذ الأوروبى والأمريكى فى منطقة الخليج.

دارت رحى الحرب بين الفريقين واستمرت المواجهات المسلحة دون غالب ولا مغلوب.. وبطريقة الكر والفر.. وباستخدام أسلوب حرب العصابات مثل نصب الكمائن والإغارات المتبادلة.. مما سبب خسائر كبيرة فى صفوف الفريقين لاسيما فى أبناء الجيش المصرى الذى اضطر فى بعض الأحيان لاستخدام أساليب عدة لردع هؤلاء المقاتلين اليمنيين مثل الإغارة على القرى وتدمير بعضها وقصف بعضها بالطيران والمدفعية.

وبذلك تحولت حرب اليمن إلى حرب استنزاف مفتوحة وقاسية ليس فقط للاقتصاديات المصرية، ولكن أيضاً لقواتها المسلحة، وابتعلت اليمن خيرة وحدات القوات المسلحة المصرية وأهلكت أفرادها ومعداتها وأسلحتها وطائراتها.

وقد كان من سلبيات حرب اليمن الكبرى أن القوات المسلحة المصرية دخلت فى حرب لا تناسب الجيوش، ولكنها تناسب قوات الشرطة التى تصلح لتعقب العصابات.. فسرعان ما نسيت القوات المسلحة المصرية قتال الجيوش وفنون الحروب المعروفة لتنغمس لمدة ست سنوات كاملة فى حرب عصابات.. وكر وفر.. وهجوم وتعقب .. وقبض وتحقيق وتعذيب لا يصلح للجيوش.. وبذلك فقدت كفاءتها العسكرية وقدرتها القتالية وعادت إلى الوطن بعد هزيمة يونيه سنة 1967 لتحتاج إلى إعادة تدريبها وتأهيلها من جديد للحروب الحقيقية وتكتيكاتها مع الجيوش.

دوافع تورط الجيش المصرى فى حرب اليمن كثيرة، فيرجع البعض السبب فى ذلك إلى أن المشير عامر بالذات ومن خلفه عبد الناصر أرادا تغطية فشلهما فى مشروع الوحدة مع سوريا بمساندة الثورة فى اليمن وإيجاد موطئ قدم لمصر الثورية فى اليمن تمهيداً لنشر الثورة وأفكارها فى السعودية وما حولهما من إمارات الخليج الغنية بالبترول.

وقد باء التدخل العسكرى المصرى فى اليمن بالفشل الذريع، وظهر هذا جلياً بعد هزيمة يونيو لسنة 1967، حيث حرمت القوات المصرية من جزء هام منها كان يقاتل فى معركة لا قيمة لها فى الإستراتيجية العربية لمواجهة العدو الرئيسى وهو إسرائيل.

وذلك كله جعل عبد الناصر يعقد اتفاقاً مع الملك فيصل، ملك السعودية، لسحب القوات المصرية من اليمن وتسوية النزاع بين الدولتين.

يقول المؤرخ السياسى والصديق المقرب من عبد الناصر - محمد حسنين هيكل - فى كتاب "لمصر لا لعبد الناصر"، أنه قد تناقش مع عبد الناصر فى موضوع دعم الانقلاب فى اليمن وكانت وجهة نظره أن وضع ثورة السلال لا يمكنها من احتواء العدد الكبير من القوات المصرية التى سترسل إلى اليمن لدعم نظامه. وأنه من الأفضل التفكير فى إرسال متطوعين عرب من جميع أنحاء العالم العربى للقتال بجانب القوات الجمهورية اليمنية.

وقد ضرب هيكل مثال الحرب الأهلية الإسبانية للتطبيق فى اليمن، ولكن عبد الناصر رفض وجهة نظره وكان مصراً على ضرورة حماية الحركة القومية العربية، وكان عبد الناصر يعتقد أن لواء من القوات الخاصة المصرية مصحوباً بسرب من القاذفات المقاتلة يمكنه أن يحمى الجمهوريين فى اليمن، وكان جمال عبد الناصر يتطلع إلى تغيير النظام اليمنى منذ سنة 1957، وفى يناير من عام 1962 وجد الفرصة سانحة لتحقيق تطلعاته، وذلك بدعم حركة الضباط الأحرار اليمنيين بالإيواء والمال وعلى موجات إذاعة صوت العرب.

قد يكون الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أخطأ فى السماح بتطور إندماجنا فى "حــرب الـيـمـن"، ولكن تلك الحرب حققت العديد من المكاسب السياسية والعسكرية لمصر واليمن وأهم هذه المكاسب على المستوى السياسى، تحقيق وحدة شمال وجنوب اليمن، وجلاء القوات لبريطانية عن عدن، جنوبى اليمن، وجنوب شبه الجزيرة العربية، وذلك بفضل المساندة التى قدمتها مصر لعناصر الثورة ضد الاحتلال البريطانى، والاعتراف بدور مصر القيادى وتأكيده على المستويين الإقليمى والدولى، وارتفاع مكانة مصر عالميا واتجاه كثير من الدول للتقارب من مصر.

وعلى المستوى العسكرى، أدى الوجود المصرى باليمن إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية المصرية فى جنوب البحر الأحمر، التى جاءت آثارها خلال حرب أكتوبر 1973 عندما استخدم مضيق باب المندب باليمن لفرض الحصار الاقتصادى على إسرائيل من ناحية الجنوب، والتأكيد على سياسة مصر العسكرية بمساندة القوى الثورية والوقوف ضد الاستعمار ووضعها محل التطبيق، وليس من منطلق شعارات، ونجاح الجندية المصرية فى إثبات قدرتها على العمل بنجاح فى مسرح العمليات بعيدا عن أراضيها وفى طبيعة أرض ومناخ مختلفة تماما عن الظروف السابقة لطبيعة المسرح المصرى.



















































مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة