نبيل عمر

مصر فى مهب الريح!

السبت، 10 مارس 2012 04:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتصور أن المصريين فى حاجة ماسة إلى لافتات تحذير خاصة ضد تصريحات بعض المسؤولين مكتوب عليها: «خطر.. هذه كلمات ذات ضغط عال.. ممنوع الاقتراب أو الاستماع أو الفهم»، حتى يمكن أن نحمى أهل مصر من الإصابة بأمراض خطيرة كضغط الدم والصدمات العصبية والبكاء الهستيرى أو العتة.

هذا ما أحسست به وأنا أتابع تصريحات الدكتور كمال الجنزورى عن سفر المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الخارجى، فالرجل خرج علينا ليغسل يديه تماما مما جرى ويعترف أن رئيس وزراء مصر لا علاقة له من قريب أو بعيد بالقضية، ولا يعرف كيف سافروا على متن طائرة خاصة هبطت فى مطار القاهرة فجأة وطلبت الإذن بعد دخولها المجال الجوى المصرى؟
أعطونى عقولكم.. واشرحوا: كيف يتعامل المرء مع هذا النوع من التصريحات التى يطلع فيها رئيس الوزراء على الناس معترفا بأنه لا يعلم ما يحدث فى دولته، ومن المفترض أنه يشارك فى قيادتها والخروج بها إلى بر الأمان فى فترة هى الأصعب فى تاريخها منذ مائتى سنة؟

هذه مأساة.. وربما مجرد جانب منها، فالفعل ورد الفعل على ما حدث فى هذه القضية يشيان بأن مصر فى مهب الريح.. دولة تتآكل ليس بعوامل التعرية وإنما بنظامها العام وحكامها ونخبتها المثقفة.. وقطعا نحن مع الدكتور كمال الجنزورى تماما فى أن الحكومة التنفيذية لا علاقة لها بالقضية، وهذا كلام صحيح، فقط من الناحية القانونية، لكن هذه القضية تحديدا فيها من السياسة أضعاف ما فيها من القانون، القانون كان هو الوسيلة الوحيدة التى تملكها مصر فى مواجهة التدخل الأمريكى فى شؤونها الداخلية، وقد نرفع القبعة ونعظم للدكتور الجنزورى لأنه أبعد نفسه وحكومته عن القضية «القانونية» ولم يحاول أن يتدخل فيها، احتراما للدستور، وقد نغفر له أنه لم يتابع سيرها ولم يعلم بقرار المحكمة برفع أسماء المتهمين الأجانب من قائمة الممنوعين من السفر.. لكننا بالقطع لا نقبل منه ذلك فى «الشق السياسى» وهو الأكبر، ويتعلق بعلاقات مصر الدولية، فأمريكا ليست مجرد دولة، أمريكا قوة عظمى وحيدة فى عالمنا حتى هذه اللحظة وربما إلى نهاية العشرينيات من القرن الحالى، قد نختلف معها، وقد تتضارب مصالحنا فى العلاقات المباشرة، وقد نقف فى ملفات إقليمية أو دولية على طرفى نقيض، وقد.. وقد.. ومع هذا يجب أن نحافظ وبإصرار على مساحة من التعاون المشترك فى مجالات كثيرة، ولا نسمح بانحدار مستوى العلاقات إلى حد الخصومة أو العداء، إلا مضطرين ومجبرين، كما حدث مع جمال عبدالناصر بعد ثورة يوليو 1952، وكان عبدالناصر حريصا على علاقات جيدة مع الأمريكان، لاسيما أن عددا من ضباط يوليو قد تلقوا تدريبات عسكرية فى معاهد أمريكية قبل الثورة، لكن جون فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا حينذاك - لأسباب كثيرة يطول شرحها - أصر على عداوة عبدالناصر!!
عموما هذه القضية فتحت «أبواب» رياح عاصفة على مصر، تعيد للذاكرة التهديدات الأمريكية لمصر بعد ثورة يوليو.. وقد يكون هذا هو السبب الوحيد فى قرار السماح للمتهمين الأجانب بالسفر وليس الإفراج عنهم، لأنهم لم يحبسوا أصلا ولم يصدر قرار بسجنهم!
وقد حدث أن رجل قانون مهما كان جالسا فى مكتبه، فرن تليفونه وكان على الطرف الآخر شخصية مهمة.. قالت: الموضوع كبر جدا مع الأمريكان وتسبب فى مشكلات وصلت إلى حد الضرر ولازم نشوف حل قانونى للمتهمين الأجانب.

ردت الشخصية القضائية: وراك رجاله يا أفندم.. وبإذن الله الحل موجود، ثم دارت العجلة ووقعت الكارثة، والمكسب الوحيد فيها هو «عودة» الهدوء إلى محيط وزارة الداخلية ومديريات الأمن وغياب المقتحمين بعد أن تفجرت.. وهو مكسب ضعيف مقابل الخسائر الكبيرة!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة