محمود سعد الدين يكتب: سعد حسب الله المحامى والأب والإنسان.. ترافع فى كل قضايا الجماعات الإسلامية فى التسعينيات.. وودع أصدقاءه فى الأيام الأخيرة عبر اتصالات تليفونية

السبت، 10 مارس 2012 04:44 م
محمود سعد الدين يكتب: سعد حسب الله  المحامى والأب والإنسان.. ترافع فى كل قضايا الجماعات الإسلامية فى التسعينيات.. وودع أصدقاءه فى الأيام الأخيرة عبر اتصالات تليفونية الراحل سعد حسب الله

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن سعد حسب الله اسما عاديا ضمن قائمة الأسماء المسجلة فى كشوف المحامين فى النقابات العامة والفرعية بقدر ما كان اسما فاعلا على المستوين الودى والرسمى، فقد كان ودود القلب تعشق ابتسامته من النظرة الأولى وتتفاعل مع تلقائية كلامه واسترساله فى سرد الموضوع كأنك تعرفه منذ سنوات.

سعد حسب الله رغم كونه القاسم المشترك بين كل القضايا الشهيرة فى الـ 25 سنة الأخيرة بداية من قضية تنظيم طلائع الفتح والعائدون من أفغانستان واغتيال رفعت المحجوب وتنظيم الجهاد، مرورا بقضية تفجيرات الحسين وتنظيم خلية الزيتون ونهاية بقضية خلية حزب الله إلا أنه لم يسع للشهرة أو للشو الإعلامى فى يوم من الأيام مثل غيره من المحامين والتزم بالعمل بصمت وبهدوء والاجتهاد فى بحث ودراسة أوراق القضايا وما بها من ثغرات قانونية تفيد موكله.

حسب الله فى السنوات الأخيرة كان محاميا متنقلا ليس له مكتب ثابت، والكثيرون حوله لا يعلمون ما إذا كان لديه مكتب أم لا، وعندما حاولت سؤاله دون إحراج قبل شهور " أُمَّال حضرتك محام كبير وترافعت فى قضايا كثيرة ..أُمَّال مالكش مكتب ثابت يعنى"، فرد على قائلا: "أنت وراك حاجة دلوقتى"..فأجبت بـ "لا"، فاصطحبنى إلى منطقة بولاق أبو العلا ودخلنا فى شوارع جانبيه حتى وصلنا لأحد البنايات وقال لى "خليك فاكر الطريق واحفظ العمارة دى".

صعدنا إلى الطابق الثالث بالبناية وإذا بـ "قفل" كبير على باب خشبى قديم تظهر عليه علامات الصدأ، يفتح حسب الله الباب وندخل فإذا بمكتب كبير لا تجد مكانا تجلس عليه من كثرة أوراق وملفات القضايا، فضلا عن مكتبة كبيرة تتضمن أمهات الكتب فى شتى المجالات.

عندما دخلت المكتب لم أجلس أبدا إنما بدأت أتجول بين غرف المكتب وأسأله عن طبيعة أوراق تلك القضايا فبدأ يفتح ملفا تلو الآخر لقضايا حساسة كانت ترج مصر وتهز الرأى العام فى وقتها وأخبرنى أن بمكتبه عددا كبيرا من النسخ الأصلية من تحقيقات النيابة فى عدد كبير من القضايا من ببينها قضايا عسكرية للتنظيمات الإسلامية يحفظها فى مكان خاص.

كم الأوراق والملفات التى يحتفظ بها تعكس تكوينه الفكرى وكم كان دءوبا على قراءة القضايا الحساسة وفاعل رئيسى بها.

فى مشهد تشييع جنازته ظهر اليوم بمسجد مصطفى محمود شاهدت أحد أبناء الشيخ عمر عبد الرحمن ووقتها تذكرت كم الحكايات التى كان يقصها لى الفقيد الراحل سعد حسب الله عن الشيخ عمر عبد الرحمن، وكيف كان عندما يسير عبد الرحمن من منزله قاصدا المسجد يسير على يمينه وعلى يساره عشرات أفراد الأمن المركزى كان مزعجا للسلطات رغم كونه ضريرا.

عطف حسب الله وحنانه ومروءته شهدتها بعينى عندما طلب منى كصحفى أن أجد عملا فى أى مكان لأيمن حسن، فسألته "مين أيمن حسن دا يا أستاذ سعد اللى مهتم بيه قوى"، فرد عليه قائلا: "أيمن دا أرجل واحد فى مصر بس مصر مش مقدراه.. أيمن دا جندى مصرى نفذ عملية عسكرية على الحدود المصرية الفلسطينية المحتلة عشان يرد على إساءة جنود إسرائيليين وإهانة العلم المصرى.. أيمن قتل 21 ضابطاً وجنديا إسرائيليا وجرح 20 وبعدين اتحكم عليه بالسجن 12 سنة وبعد ما طلع ملقاش حد يساعده والبلد ما وقفتش جانبه".

بعد نقاشنا عن أيمن بأسبوعين فوجئت باتصال هاتفى فى التاسعة مساء من الأستاذ سعد حسب الله بيقولى فيها "أنت فين بكره يا محمود "فأجبته " مفيش هكون فى مكتب النائب العام الصبح بس"، فقالى لى: "طيب أنت معزوم على الغدا بكره" ، فرددت عليه بعفوية الشخصية المصرية "ربنا يخليك لينا يا ريس".

تقابلنا على أحد مطاعم وسط البلد لتناول الغذاء وكان معنا شخص ثالث برفقته وبمجرد أن جلسنا على مائدة الطعام، قال لى تعرف من هذا، فرردت لا، فقال "دا بقى أيمن حسن يا محمود"، تبادلنا الحديث وبدأ أيمن يحكى قصته ومأساته فى الوقت الحالى، وكيف أن بلده لا تعطيه أى اهتمام عن ما قام به من عمل مشرف.

وقتها عرفت كيف أن الأستاذ سعد حسب الله يسعى لمزيد لينسج خيوط التواصل بين الجميع، فى ذلك الوقت عرفت أيضا كيف يتعامل سعد حسب الله، فعندما كان الفقيد يحاسب على تكلفة الأكل همس أيمن فى أذنى وقال "الوحيد اللى بيتواصل معايا من بداية قضيتى وخروجى وحتى الآن والوحيد اللى بيتصل بى باستمرار".

فى الشهور الأخيرة كنت أقول له يا أستاذ سعد أو يا والدى، ولهذه قصة لطيفة تعود إلى قضية خلية حزب الله، فالقضية كانت تشغل الرأى العام وكنت أتوجه فى الصباح الباكر لتغطيتها فى مقر المحاكمة بالتجمع الخامس ونظرا لأن عنوان الجريدة بالمهندسين يقترب من السكن القديم للأستاذ سعد حسب الله بأرض اللواء، فكنت أتوجه إليه وأصطحبه معنا بسيارة الجريدة، وفى الطريق نتبادل أطراف الحديث، ولكن فى أحد المرات فوجئت بالمستشار عادل عبد السلام جمعه - الذى كان يعرفنى من منطلق تغطيتى للقضية وكواليسها منذ البداية- يطلب رؤيتى وعندما دخلت لغرفة المداولة قالى لى "أنت بقى يا محمود تضحك عليا..أنت ما اسمكش محمود سعدالدين..أنت اسمك محمود سعد حسب الله.. أنا شوفتك راكب أنت وسعد حسب الله فى سيارة واحدة".

وقتها ضحكت وفسرت له الموقف وكيف أننى اسمى محمود عبد الحميد سعد الدين والأستاذ سعد يدعى سعد حسب الله، وبعد انتهاء الموقف قصصت الواقعة على الأستاذ سعد فأخذ يضحك وجذبنى لحضنه وقال "ما انتى زى ابنى برده".

علاقتى بالأستاذ سعد حسب الله تحديدا وعلاقة اليوم السابع بشكل عام علاقة خاصة، فالأستاذ سعد حسب الله كان محاميا لرئيس التحرير الأستاذ خالد صلاح عندما كان صلاح معتقلا على خلفية انضمامه لتنظيم الجهاد، وكذلك تربطه علاقة قوية بعبد الفتاح عبد المنعم مدير التحرير وتربطه علاقة أكبر بدندراوى الهوارى مدير التحرير وتربطه علاقة ود ومحبة بعصام الشامى رئيس قسم التصوير وأميرة عبد السلام وشعبان هداية.

سعد حسب الله لم يدخل أبدا اليوم السابع زائرا إنما دخل "صاحب مكان" يجلس فى أى مكان يشاء، وقبل أسبوع كان اللقاء الأخيرة له فى "اليوم السابع" حضر بناء على ميعاد مسبق بيننا ولكن ظروف عملى منعتنى من التواجد، ولكنه أصر على الجلوس لوقت طويل مع الزملاء عبد الفتاح عبد المنعم ودندراوى الهوارى وتحدث معهم لوقت طويل، أما آخر اتصال بننا فكان قبل ساعات من الوفاة اتصل بى وطلب نسخة من لائحة مجلس الشعب ونسخة من قائمة تليفونات النواب الجدد، فأخبرته أن اللائحة سأحضرها الأسبوع المقبل، أما قائمة الأسماء فطبعت نسخة منها ووضعتها فى "حافظة مستندات" وكتبت عليها خاص بالأستاذ سعد حسب الله.. ووضعت اسمى إلى جواره .وسلمتها للأستاذ عبد الفتاح عبد المنعم، وطلبت من الأستاذ عبد الفتاح أنه إذا جاء الأستاذ سعد حسب الله ليحصل على الورق فليتصل بى هاتفيا ويخبرنى بأنه استلمها، وبالفعل اتصل بى الأستاذ عبد الفتاح فى التاسعة والنصف صباحا ولكنه لم يخبرنى بأن الأستاذ سعد قد حصل على الورق إنما أخبرنى بأن "الأستاذ سعد تعيش أنت..البقية فى حياتك"، بعدها تلقيت اتصالات أخرى من أصدقاء مشتركين بينى وبينهم أخبرونى أنه اتصل بهم جميعا فى الأيام الماضية فيما تعد مكالمة الوداع.
































مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة