أميرة عبد الرازق تكتب: المولد

ما زلت أتأرجح منذ عام هنا وهناك فأنظر بعينى أحياناً وأنا أقف فى نفس المكان.. أرى زحاماً وضوضاء تشوهات فى الأفكار واختلالا فى إدراك الواقع والتصرف بعشوائية.. ولكن وفى لحظة ما هنا أتأمل المشهد وأدقق النظر.. نعم إنه هو.. "المولد" فها هو الأراجوز يقف هناك بمظهره الساخر.. بل هم أكثر من أراجوز يظهر أحدهم ويتمتم بعبارات غير مفهومة ثم فجأة يختفى ليظهر غيره فيتمتم ويختفى.

وأرى أيضًا مبنى عاليًا ذا قبة فاخرة يرمز لسمو وحضارة ولكنه يحوى بداخله حصانةً راقصة.. أرى بداخله كل أنواع الرقص.. شرقى وغربى ومجهول الهوية.. وأجدنى أتعجب هل كان لهذا الرقص من هوية قبل ذلك؟ إذاً فمن الذى جعل له عرضاً تحت قبة وحماية؟!!

ولا يخلو هذا المولد أيضاً من الدعوات وذقون تغتصب التبرعات وفتاوى تخرج من أفواه وليس لها أساس.. وأيضاً أرى بينهم اللص "الملقاط" الذى يضع يده فى جيوب الناس والكل يراه ولا يراه فهو صاحب حرفة.


وفجأة يظهر فى وسط المولد متفرج ليقول: ممنوع دخول الفرنجة.. ممنوع أن تتحدثوا بلغتهم أوأن تتعلموها.. لماذا؟ هل يريدون هدم المولد؟ ليجعلوه ماذا؟.. مولد أيضاً؟؟ وتذكرت "أنه إذا أردتَ أن تهزم عدوك فلابد أن تتعلم لغته".. وهذا إن كان هناك عدو فكيف إن لم يكن هل أُغلقت أبواب العلم والمعرفة؟!!

أدور بعينى فى المكان فأنا أعلم تماماً أن لهذا المولد "فتوة"، ولكن أين هو؟ ولماذا لا يحمى المكان والناس؟ هل ذهب إلى مولد آخر ليحميه أم هو مشغول بجمع إتاواته؟ أبحث عنه بعينى.. إنه هناك آراه الآن.. شكلاً رائعا قواماً مفتولاً كفتوات الموالد مظهر جذاب.. سأذهب إليه لأخبره ربما هو لا يرى ما آراه.. اقترب منه أكثر فأكثر أتحدث إليه ولكنه.. لكنه لا يسمع صوتى أشير إليه ولكنه لا يرانى.. لماذا؟ هل غاب عن الوعى؟ هل فقد السمع والنظر والعقل ليرى كل ما آراه ورغم هذا يقف ساكناً مكتوف الأيدى؟ هل قرر أن يتخلى عن فتوته.. عن أن يحمينى من كل ما حولى؟؟ ولكننى أكتشف الحقيقة حين ألمسه بيدى.. إنه "ماكيت".. عروسة من ورق تحركها خيوط هو ليس بحقيقة إنه مجرد "فتوة من ورق".

لم أكن أعلم أنه مولد وليس له حامى
أنكس رأسى وأرفع عينى ثانيةً لأرى هناك من بعيد ابتسامة طفل حائرة بائسة يرجو أملا فى حياة هادئة.. ينتظر أن يشتد عودة لينادى بلقمة عيش صالحة وكرامة له وستراً لأخته الخائفة التى تختبئ خلف عوده النحيل..