ما شكل صناعة السينما فى الفترة القادمة؟ وما تأثير دخول الإخوان لحلبة الإنتاج؟ ولماذا انسحبت رؤوس الأموال العربية من سوق الإنتاج فى مصر؟ وكيف سيكون شكل الرقابة بعد الثورة؟ وإلى أين ستسير مصر؟ كل هذه التساؤلات وضعناها أمام الكاتبة والفنانة والمنتجة إسعاد يونس لتطرح لنا تصوراتها فى حوار شجاع وجرىء لـ«اليوم السابع».
> ما تصورك لشكل صناعة السينما فى ظل تصاعد الأحداث الفترة المقبلة؟
- لو فى حد قال إنه عنده تصور واضح يبقى بيضحك علينا، لأننا لا نستطيع تخيل شكل السوق فى ظل هذه الأحداث المتصاعدة وتناقص الإنتاج، فكل المشاريع حاليًا استكمالية بالإضافة إلى أن أسواق التوزيع جميعها بالبلدى كده «واقعة» ونعيش حاليًا على إيراد الداخل لأن دائرة توزيع الفيلم متجمدة ولا يوجد من يشترى، فالفضائيات لا تتعاقد على شراء أفلام وتأخذ من أفلام بتعاقدات سابقة، لأن تلك الفضائيات تعيش على «الإعلان» والإعلان تقلص.
> بما أن صناعة السينما لن تتوقف فهل سيتم تغير فى نمط الإنتاج كالاعتماد على أفلام قليلة التكلفة؟
ـ فكرة أفلام قليلة التكلفة واردة، ولكنها ليست سهلة، وغير قابلة للتحقيق بسهولة، لأن الفيلم قليل التكلفة تدويره توزيعيّا لتعويض رأس ماله أمر صعب جدّا، لأن الجمهور يتوجه للسينما على «حس» نجم أو مخرج كبير، ولن يتوجه لفيلم بطله ممثل جديد أو مخرجه يخرج لأول مرة، وكنت قد بدأت بمبادرة لإنتاج أفلام للشباب، ولكن العرض كان أكثر من الطلب، وحالات نادرة هى التى تحقق إيرادات.
> فى فترة من الفترات ضخ الخليج أمواله فى السينما، ولكن فجأة انسحب، فما الأسباب؟
- طول عمر السينما تمول من الخارج، لأننا نحن رواد فى صناعة بلدها لا تمولها، فالممول لابد أن يكون لديه ضمانات، وفى ظل هذه الأحداث لا توجد ضمانات، ونحن طوال تاريخنا نعيش على التوزيع الخارجى فى سوريا ولبنان والعراق والسعودية، بالإضافة لدخول الدراما التركية للسوق العربى، وهى بكل تأكيد أرخص ولها شعبية أكبر، وتجلب إعلانات لشعبيتها، كل هذه العوامل أدت لسحب الممول الخليجى لأمواله بالإضافة أيضًا لدخول عدد من الدول العربية لحلبة الإنتاج مثل الإمارات وقطر والكويت ودخولهم يعنى تدعيمهم لبضاعتهم والبعد عن المنتج الأجنبى الوارد إليهم، ومشكلتنا أننا صناعة رائدة بلا دعم حكومى وبلا مال من داخلها، رغم أنها صناعة أمن قومى.
> هل ارتباط الإنتاج بالتوزيع جاء فى مصلحة صناعة السينما أم أضر بها؟
- لو أن الصناعة صناعة صحية تحت مظلة أمان كان المفروض أن يتواجد الطرفان، لكن لأننا نعمل بجهود فردية ولا يوجد دعم من الدولة تحول الموزع لمنتج، وبالمناسبة الموزع أفضل له، أو بالبلدى كده «أحب وأسعد على قلبه» ألاّ ينتج، لأن التوزيع أفضل لديه من الإنتاج وأكثر أمنًا.
> ما الذى فجر المشاكل مؤخرًا مع الدولة فيما يتعلق بموضوع إعلانات الواجهات؟
- هذه المشكلة تتكرر، فكلما تحتاج الدولة لفلوس تذهب لصناع السينما، وفى اعتقادهم أننا نكسب فى جميع الأحوال، ونحن نحاول توضيح الأمر ولا أحد يفهم، فهل يتخيل أحد أن عدد ما يتم فرضه على صناع السينما من ضرائب وصل لـ 36 ضريبة، منها ضريبة الملاهى التى تدخل لخزائن الدولة، قبل أن نعرف نحن هل خسرنا أم كسبنا، والمشكلة الأخيرة تفجرت بعدما فرضت المحافظة علينا ما يقرب من 58 ألف جنيه كرسوم فقط، على الإعلانات التى توضع على واجهات السينمات بعدما كنا ندفع حوالى ألفين أو ثلاثة آلاف بالكثير، وما لا يعلمه المحافظ أن حصيلة دخل السينما اليومى فى ظل الظروف السياسية والأمنية غير المستقرة أحيانًا لا يتعدى الـ200 جنيه، أى لا يغطى الإيراد تكاليف الزيت الذى نحضر به الفيشار، والأدهى أن هذه الأموال التى تريد الدولة تحصيلها تذهب لما يسمى بالصناديق، وأنا ضد هذه الصناديق، الخاصة بالمحافظات، وعن نفسى أرفض أن أدفع أموالاً لا أعرف أين تذهب؟ ومن الأفضل أن أمنح هذه الأموال للعاملين بدور العرض أصحاب الأسر.
> هل أثر الإعلام بالسلب على السينما ونظرة المجتمع للعاملين فى تلك الصناعة؟
- إعلام مبارك ساهم فى تدهور صناعة السينما، والوحيد من رؤساء مصر الذى كان مؤمنًا بالسينما وبالقوة الناعمة هو الزعيم جمال عبدالناصر، وفى حكمه خرجنا برموز لن نستطيع تعويضها، وأنتجت فى فترته أعمالاً متميزة، أما فى عصر السادات فقد اضمحلت الصناعة برغم أن السادات كان محبّا للفن وللسينما بالتحديد، ولكن فى عهد مبارك ساءت الأمور لأقصى درجة، وحقيقى مبارك لم يكن مدركًا للقوة الناعمة، ولم يفهم أهميتها، وكنا نقول له ونحاول توضيح أهمية القوة الناعمة بالنسبة لمصر، وقلنا له انظر لأمريكا واعتمادها على السينما كذراع ثالثة فى توجيه الأمم، لكنه لم يفهم ولم يدرك الأمر، وبالفعل أثر الإعلام سلبًا على الصناعة، ولكن نحن العاملين فى الصناعة أيضًا ساهمنا فى رسم صور سلبية عن أنفسنا بمعنى تعدد الرقابات.. وخوفنا من سطوة المجتمع، فالمحامى مثلاً أصبح يرفض أن نقدم أى نموذج سلبى للمحامين، وهكذا فى مختلف المهن، لذلك أصبح صناع السينما والدراما يستسهلون الأمر.. ويقدمون النموذج السيئ من الفنانين.
> لماذا لم تؤثر الثورة فى السينما وفى الصناعة بشكل عام؟
- المشكلة أن ما قدم عقب الثورة كانت أفلامًا ضمن خريطة إنتاج قديمة، وكان متعاقدًا عليها، وتجربة أفلام عن الثورة فيها مغامرة، وإيرادات فيلمى الفاجومى وصرخة نملة جعلت الكثير من المنتجين يتراجعون عن تقديم أفلام عن الثورة فى ذلك التوقيت، لأن الناس حاليًا «شبعت» «سياسة» من الفضائيات وما يقدم فى برامج التوك شو، وجميعنا لم يكن لنا أى علاقة بالسياسة، ولكننا أخذنا دكتوراه فيها، فقد «ذاكرنا مع بعض وخيبنا مع بعض»، حتى الساسة أنفسهم تعلموا من الأحداث، والآن أصبح عدد من المنتجين يفكرون فى صناعة أفلام ترفيهية، لأن الجمهور نفسيّا يبحث عن الترفيه فى ظل الأحداث، وحالة التشبع التى أصيب بها، وأنا مع الانفعال باللحظة وتسجيلها، ولكن عدم عرضها حاليًا».
> هل تأخرت خطوة الإعلان عن جبهة للإبداع؟
- نحن دائمًا شعب رد فعل، لم نقم بفعل طوال تاريخنا، ولكن رغم ذلك الجبهة كانت بوادرها موجودة من قبل الثورة من خلال لقاءات مع الوزيرالسابق فاروق حسنى، وكنا نريد عمل مجلس أمناء للرقابة من المبدعين غير الموظفين، وكنا قبل الثورة نهاجم وتُرفض أعمال لا نعرف أسبابًا لرفضها سوى أن جهات عليا رفضتها، ولكن حاليًا سوف يوضع دستور وممكن حرف «واو» مثلاً فى أحد البنود «يخرب الدنيا» ولذلك فهذه فرصة لنا لن تتكرر.
> هل لديك تخوف من دخول التيارات الإسلامية، وبالتحديد الإخوان، حلبة الإنتاج؟
- أهلا بهم فى الإنتاج، ولكن بدون شروط، فشروطهم ينفذونها على أنفسهم، ومن يريد الاستعانة بى أو التعاون يتعاون معى بصفتى خبيرة فى صناعتى، وسأرشده إلى الطريق الصحيح، ولكن لا يغلق الباب فى وجهى.. أو يضع شروطه ويفرض علىّ نوعًا معينًا من الفن.
> مصر رايحة فين.. سؤال يبحث الجميع عن إجابة له، فهل له من إجابة لديك؟
- «أديكو اللى فى جيبى لو جبتولى رد عن هذا السؤال»، لن يستطيع أى جهبذ فى مصر الإجابة عنه لأن مصر حاليًا تعيش مرحلة من التسيب فى منطقة معينة، مين مثلاً الطرف الثالث أبو أربع إيدين؟ أعتقد أنه متعمد عدم معرفته، وهى نكتة سخيفة، لأن من تحت أيديهم السلطة يعرفون جيدًا من هو الطرف الثالث، ومثلما يأتون بالمجرمين الذين يخطفون بنت فلان أو ابن علان يقدرون على أن يحددوا من هو الطرف الثالث ويقبضوا عليه، لأننا لدينا أجهزة أمنية «بالهبل»، أمن دولة والأمن الوطنى والمخابرات الحربية والمخابرات العامة، فين الأجهزة دى ودورها إيه فى المرحلة دى؟ وبصراحة أنا كان أملى فى المجلس العسكرى أكبر من كده، وكنت فى البداية أدعمه بحكم نشأتى أيضًا، ولكنى حاليًا أقترح تقديم الانتخابات الرئاسية لسرعة ترك المجلس العسكرى للسلطة، ولكن لا يجوز للمجلس أن يسلمها كده فى الهواء.