تمثل مجزرة بورسعيد حلقة جديدة فى مسلسل السلوك الإرهابى للقوى المضادة للثورة، بهدف إجهاضها والحيلولة دون تحقيق أهدافها الكبرى وهى هدم نظام مبارك وتقويض دعائمه وإزالة تراكمات أنقاضه وتحرير المجتمع والشعب من سموم ذلك النظام ورموزه الفاسدين، والبدء فى وضع لبنات النظام الجديد الذى يتمثل فى إقامة مجتمع الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهى تعبير عن ثلاثيات الثورة «عيش - حرية - عدالة اجتماعية»، «حرية - تغيير وتطهير - عدالة اجتماعية»، «حرية - كرامة إنسانية - عدالة اجتماعية».
وكما سبق أن أكدت فى مقالات سابقة، أن المجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير 2011م، انقسم إلى شطرين أساسيين هما: الشريحة الكبرى متمثلة فى القوى الثورية والداعمة لها وللثورة ولأهدافها.. والثانى: القوى المضادة للثورة والداعمة لها والساعية لإجهاض الثورة.
ومن ثم فإن الصراع يجرى على أشده بين الطرفين، فالأول: وهو يمثل شرعية الثورة ومحتواها وهدفها، يمتلك الإرادة والقدرة على التعبير عن الغضب والمطالب الثورية الشعبية وهو الذى استطاع بقوته أن يفرض إرادته ويجبر حسنى مبارك على الاستقالة والرحيل حتى أصبح رئيسا مخلوعا، وهو الفصل المؤثر فى مسار أحداث الثورة حتى الآن، أما الطرف الثانى فإنه طرف لا يستهان به حيث يمتلك أدوات القوة والمال والنفوذ والاستمرار فى مراكز السلطة المختلفة دون تعرضه للتغيير والتطهير، وكان مرعوبا من بداية الثورة، سرعان ما استقوى بعد أن كان يعد العدة للهرب، نتيجة التراخى المتعمد من سلطات البلاد المتمثلة فى المجلس العسكرى والحكومة معا.
وعلى الرغم مما فعله المجلس العسكرى وحكوماته الثلاث خلال العام المنصرم بعد خلع حسنى مبارك، وما اتخذوه من إجراءات للحيلولة دون الانتصار الكامل للثورة بل إنهم وضعوا العراقيل أمام تحرك الثورة للأمام، واختزلوها فى مجرد خلع مبارك وتقويض مشروع توريث الحكم ثم التحول نحو الإصلاحات الشكلية بدأ بتعديل بعض مواد الدستور ثم الاستفتاء «الفتنة»، ثم..، ثم.. إلخ، حتى أن المجلس أطلق أنصاره «المنافقين» الذين كانوا ينافقون حسنى مبارك ونظامه لكى يشيعوا أن يوم 25 يناير 2012 سيكون يوما مشهوداً، تتعرض فيه مصر لتنفيذ مؤامرات حرق المؤسسات، وتدمير الوزارات، وتخريب ونهب.. إلخ، بل وهدم الدولة!!، ثم جاء 25 يناير 2012 لتعيش مصر أجواء الثورة مرة أخرى، ويعطى الشعب الدرس لمن يفهم ويريد أن يفهم، بأنه حامى الثورة، ويصر على مطالبها، بدون حرق أو تدمير، وتحركت المسيرات الشعبية فى كل أنحاء مصر بالملايين صوب ميدان التحرير الرئيسى فى القاهرة، وكل ميادين التحرير فى المحافظات، ليؤكد على سقوط دعاوى حرق وتدمير وإسقاط الدولة، وتشعل لهيب الحرية والاستقلال فى مواجهة المستبدين ودعاة التبعية والفساد وقد تأكد للكافة وللجميع أن سيناريو إسقاط الدولة، هو وهم من صنع المجلس العسكرى وحكومته، وروج له الأنصار المنافقون، بهدف تخويف الشعب وإرهابه ومطالبته بعدم الخروج إلى الميادين خوفا على حياتهم والاكتفاء بالاحتفال بالثورة ومشاهدة البالونات الملونة فى التليفزيونات والتى ستصفها القوات المسلحة ابتهاجا بالثورة!!، إلا أن الشعب المصرى العبقرى رفض ذلك، وخرج «احتفاء» بثورته وليس «احتفالا» باعتبار أن الثورة لم تكتمل بعد، ومن ثم فإن الاحتفال بها وبذكراها لم يرد فى ذهن الشعب، لأن الاحتفال الحقيقى يتم عند السقوط الفعلى والكامل لنظام مبارك وهو ما لم يحدث بعد، فاجتمع الشعب المصرى فى جمعية عمومية مباشرة - فكرتنا بمجتمع أثينا الإغريقى الديمقراطى، منذ أربعة آلاف عام تقريبا- ليقرر استمرار ثورته واستمرار النضال من أجل تنفيذ مطالبها، والمطالبة الفورية بنقل السلطة من المجلس العسكرى إلى سلطة مدنية وفوراً، ولذلك فإن الاعتصام المستمر فى ميدان التحرير وكل ميادين مصر، اعتصام ماسبيرو، تقع فى قلب المطلب الرئيس الآن وهو سرعة نقل السلطة، حيث قرر المجتمعون عدم ترك الميدان تأكيداً للشرعية الثورية الرئيسية، وحتى يتحقق مطلب الشعب فى نفل السلطة.
وينظر هؤلاء إلى مجلس الشعب المنتخب بإرادة شعبية على أنه «الذراع اليمنى» للشرعية الثورية، فإذا ما لم تتم الاستجابة عبر هذا المجلس لمطالب الثورة وعلى نحو عاجل، فإن سحب الشرعية منه والمطالبة بإسقاطه مع المجلس العسكرى هو المطلب القادم والعاجل، ومن هنا يمكن فهم تحركات الثوريين فى ميدان التحرير إلى مجلس الشعب حين انعقاده للمطالبة بتبنى أجندة الثورة، إلا أن هؤلاء صدموا عندما تصدى لهم «كوماندوز» جماعة الإخوان المسلمين، ودخلوا فى اشتباكات على وهم أن الثوريين جاءوا لاقتحام مجلس الشعب والعدوان على أعضائه، وهو أمر لم يكن فى حسبانهم لأنهم مازالو يعتقدون أن مجلس الشعب هو ذراع الثورة!!
> فى هذا السياق تأتى مجزرة بورسعيد الدامية التى راح ضحيتها نحو «80» شابا من خيرة شباب الأمة، ليرفعوا عدد شهداء الثورة إلى نحو «1300» شهيد، وتؤكد جميع الشواهد أن ما حدث هو جريمة متكاملة الأركان، نستطيع أن نرصد ما يلى فى ضوء ذلك:
أولا: فشل جميع أجهزة الأمن «الداخلية والأمن القومى والأمن الوطنى» وجميع الأجهزة التنفيذية داخل محافظة بورسعيد، بمعرفة الحدث أو الجريمة المدبرة مسبقا، وإن عرفوا لم يتخذوا من الإجراءات ما يحول دون وقوعها، ومن ثم فهم شركاء بالتستر المباشر على وقوع هذه الجريمة.
ثانيا: براءة شعب مصر فى بورسعيد، من هذه الجريمة، فهو عمل مدبر ليس لشعب بورسعيد يد فيه من قريب أو بعيد، فهذا الشعب بحكم عملى فى جامعة قناة السويس، وبورسعيد لاحقا، وعلى مدار «22» سنة، أشهد أن هذا الشعب مسالم ومتحضر ومسيس ومهتم سياسيا وكرويا، وهو شعب متعصب للكرة «المصرى = الزمالك» بصفة غالبة وتسمع مشاجرات البورسعيدية البسيطة والتى لا تخرج عن الكلمات اللفظية دون ميل إلى استخدام العنف مطلقا.
ثالثا: أن ما حدث هو حصاد التراخى العمدى أمنيا وسياسيا وحصاد المسار الخاطئ لما بعد الثورة، وحصاد عدم التطهير السياسى والأمنى، وعدم إقرار العزل السياسى، واستمرار الإبقاء على النائب العام من رموز مبارك، والإبقاء على رموز الأجهزة الرقابية وقياداتها فى أماكنها دون تغيير، وحصاد التجديد لمحافظ البنك المركزى وقيادات البنوك وهم من مخلفات نظام مبارك دون أن تطولهم يد التغيير الثورى، وكذلك عدم امتداد التغيير الجذرى لكل مؤسسات الدولة.
رابعا: أن هذا الحدث يفهم فى سياق «الفعل ورد الفعل» الجارى حاليا والذى يهدف إلى الفوضى الشاملة لإجهاض الثورة، تمهيدا لفرض الأحكام العرفية وإلغاء المظاهرات والاعتصامات كلية، ثم بدء محاكمة جميع قيادات الثورة ورموزها، لإعداد المسرح لإعادة استقبال نظام مبارك فى شكل جديد، وقد يكون «الانفلات العسكرى» الذى تم من خلاله الاستيلاء على السلطة فى 11 فبراير 2011 والمستمر حتى الآن هو البداية لتنفيذ هذا المسلسل.
وأكاد أحذر من «السيناريو الأسود» الذى يجهض الثورة ويحول مصر وشعبها إلى جحيم على خلفية «معاقبة الشعب بثورته ومكافأة لصوص السلطة وأموال الشعب وأراضيه ودعم أركان الفساد».. ومن ثم فإن قراءة «المشهد الثورى» عند وزارة الداخلية بعد مجزرة بورسعيد، يمكن فهمه فى هذا السياق.
خامسا: ارتباط الخروج من هذه المعضلة بالانتقال إلى السلطة المدنية وبسرعة، بالخروج الآمن للمجلس العسكرى والوضع المتميز للقوات المسلحة، هو ارتباط مصلحى لا يقدر عليه أحد، لأن الثورة مازالت تعمل حتى الآن بكفاءة، فى مقابل قوى مضادة للثورة تعمل بكفاءة مقابلة، ومن ثم فإن الحل الثورى هو نقل السلطة إلى المدنيين، سواء بمجلس رئاسى مدنى، أو رئيس مؤقت لمدة عام «منتخب أو توافقى من خلال مجلس الشعب» هو المخرج الآمن فقط، ثم تتم محاسبة الجميع على أفعالهم، وإلا فإن الفوضى هى البديل المنتظر كما وعد المخلوع مبارك «أنا أو الفوضى»!! بل والأخطر أن ما أراه أن مصداقية المجلس العسكرى قد تراجعت تماما وهو الأخطر من تقديرى وعلى أية حال فإن ملخص المشهد الآن، أن مجزرة بورسعيد قد تكون مقدمة للتعجيل بسيناريو نقل السلطة، أو تكون مقدمة لسلسلة المجازر المرتقبة فى إطار الفعل ورد الفعل، وذلك على خلفية مناشدة المشير فى كلمته عقب المجزرة، للشعب المصرى بأن يتحرك، وهو التصريح الأخطر فى تصريحات المشير، أتمنى أن يكون عفويا وليس متعمدا، لأنه يتضمن الإيحاء بتحرك الشعب نحو «الحرب الأهلية»، ومعاذ الله أن يكون المشير قد قصد هذا المعنى، وإلا فالكارثة تكون قد حلت، ندعو الله لشعبنا المصرى العظيم أن يمر بثورته بنجاح وأن ينتصر على قوى البغى والظلام والفساد وهى القوى المضادة والمتحالفة والمتآمرة على ثورة هذا الشعب.
«وإنا لمنتصرون..» بإذنه تعالى والله الغالب والشاهد، ومازال الحوار متصلا ومستمرا...
جمال زهران
مجزرة بورسعيد.. حلقة جديدة فى مسلسل القوى المضادة للثورة
الثلاثاء، 07 فبراير 2012 10:05 م