الجميع فى مصر الآن أياديه مرتعشة، إلا البلطجية، وحدهم أياديهم ثابتة وقوية ومستقرة على الزناد تضرب دون خوف أو تردد أو وازع من ضمير أو دين.. الجميع فى مصر لا يعرف أين تسير بهم المرحلة الانتقالية.. البلطجية وحدهم يعرفون، لأنهم يقودون هذه المرحلة إلى الفوضى واللاأمن، بحيث يتمكنون من تحقيق أكبر قدر ممكن من المغانم.. تكتيكاتهم متطورة، ومختلفة، لا يركزون على نوع واحد من السرقات، كل يوم يفاجئوننا بحادثة من نوع جديد.. بدأت بسرقة السيارات، ثم شركات الصرافة والبنوك، ومؤخرا بدأ الهجوم على القطارات، والله وحده يعلم ماذا يخبئون لنا فى جعبتهم.. وفى المقابل فإن الردع الأمنى غير موجود فى كثير من الأحيان، وهو رد فعل فى جميع الحالات، غير مبادر، لم يستطع أن يفرض سطوته وسيطرته، والأسباب وراء ذلك كثيرة ومعروفة، أخطرها وأهمها عدم الرغبة فى بعض الأحيان لدى بعض عناصر الأمن فى تعقب المجرمين أومداهمة أوكارهم، نوع من العقاب للشارع والشعب الذى تجرأ على أسياده وحرق أقسامهم، وهاجمهم مرارا وتكرارا فى عقر دارهم، ونسب إليهم كل فعل لا آدمى طوال السنوات السابقة، حتى إنك إذا سألت ثائرا عن أهم مسببات الثورة، لن يتردد فى أن يضع انتهاكات الجهاز الشرطى فى مقدمتها.. الأزمة إذن فى جهاز لا يريد أن يعترف بتقصيره وذنوبه فى المرحلة الماضية، وأن يتطهر من أذنابه ورجاله الفاسدين، وأن يعلنها بكل شفافية ووضوح أنه جهاز لخدمة الشعب والسهر على راحته وأمنه وأمانه، ولا أشك لحظة واحدة فى أن الشعب حينها هو من سيضع هذا الجهاز ورجاله فوق الرؤوس.
الأيادى الأمنية المرتعشة منذ قيام الثورة، بسبب ما عليها من بطحات، تقف فى الكثير من الأحيان عاجزة عن التصرف، تناور من بعيد، لا تضرب بحسم، ولا تقف صامتة، وهو وضع أسوأ ما فيه أنه يبقى الموقف مشتعلا دائما حتى يتدخل طرف ثالث ليحسم القضية..
الأحداث الدائرة عند محمد محمود الآن وغيره من شوارع وزارة الداخلية، تبدو نموذجا لهذا التصرف.. الألتراس وحركة 6 إبريل وغيرها من القوى السياسية أعلنت بوضوح أنها لا تشارك فى الاشتباك المتبادل بين أمن الوزارة والمتظاهرين، وأنها تدعو الجميع لضبط النفس، وعودة المتظاهرين إلى ميدان التحرير والحفاظ على سلمية الثورة، وقامت عدة أطياف من المجتمع بعدة مبادرات لوقف العنف فشلت جميعها، دون أن تعرف من السبب.. وفى نفس الوقت تواجه الشرطة الحجارة بقنابل الغاز، وهى على يقين من سقوط قتلى جراء هذه القنابل، الأمر الذى يزيد الموقف اشتعالا وسخونة وإصرارا من جانب المتظاهرين على مهاجمة وزارة الداخلية، ومع ذلك يستمر إطلاق قنابل الغاز دون وعى أو حكمة من أى قيادة مسئولة فى البلد لوقف هذا السيل الذى لا ينقطع من القتلى والمصابين..
والمجلس العسكرى، مالك زمام الأمور، هو الأكثر رعشة وارتعاشا لا يدرى ماذا يفعل؟ أو يدرى ويخطط لما يفعل، وفى كلتا الحالتين فإن بقاءه صار أمرا محالا.
القوى السياسية هى الأخرى لا تعرف ماذا تصنع، هل هى مع الثوار أم مع المجلس العسكرى، على من ترسى الجائزة؟ هى لا تعلم، حساباتها مختلطة و"متلخبطة".. يد هنا، وقدم هناك.. لقاء هنا لتأييد المجلس، وآخر هناك لدعم الثوار.. حتى الإخوان المسلمين، بعد دخول البرلمان باتت مواقفه متأرجحة، تحت الضغط يستجيب الكتاتنى لقوى الثورة فى المجلس.. وفى المساء يعلن بديع أن الإخوان ملتزمون بخريطة العسكرى.. الخريطة التى يسقط مع مرور كل شهر منها عدد من الشهداء والمصابين.
الأحداث باتت مكررة ومملة وسخيفة ، ولا شىء يتغير.. كفوا أياديكم المرتعشة عن الوطن الجريح، واتركوه لشعبه يبنيه ويصنع مجده من جديد.
