قال الباحث الدكتور فيصل بدير عون، إن المفكر الكبير الراحل محمد عبد الهادى أبو ريدة، لعب دورًا أساسيًا فى الحركة الفلسفية والثقافية فى مصر والعالم العربى، وإن من يتتبع سيرة هذه القامة يدرك أنه أمام مشروع فكرى كبير، مدلاً على ذلك باختيار عميد الأدب العربى الراحل الدكتور طه حسين لـ"أبو ريدة" لأن يكون مستشار مصر الثقافى فى أسبانيا خلال نهاية فترة الأربعينيات.
وأوضح "عون" خلال الندوة التى عُقدت مساء أمس، الأحد، ضمن فعاليات معرض الكتاب لمناقشة أعمال أبو ريدة، أن "ريدة" كان يدرك قيمة وأهمية الدراسات الاستشراقية باعتبارها أمرا أساسيا فى العالمين العربى والإسلامى، وأن مؤلفات أبو ريدة العلمية كانت بمثابة استجابة حضارية وعصرية لمشكلات العصر، فعندما نطالع المشكلات الموجودة فى المجتمع حاليا سنجد أنها لا تختلف كثيرًا عن عناوين الأبحاث والمحاضرات التى كان يقدمها، وهو ما يدلل على أنه كان سابقًا لعصره وزمانه وكان يستشرف مشكلات المستقبل ويدرك جيدًا أن الإسلام يتعرض لحملة شرسة من قبل المستشرقين.
وأكد "عون" على أن "أبو ريدة" كان متصوفًا من درجة رفيعة، وأن هذا كان دائمًا ما يظهر فى علاقته بالاخرين، واتسم بتوظيفه للعقل والتجربة الروحية بشكل متكامل بحيث لا يأتى جانب فيهما على حساب الآخر وهذا نفس الشئ الذى ظهر فى موقف "أبو ريدة" من الدين والعلم، حيث رأى أنهما مكملان لبعضهما البعض، مضيفًا أن "أبو ريدة" لم يترك مشكلة من المشكلات الآلية إلا وكتب عنها، مشيرًا إلى أنه لعب دور كبير فى تحرير المصطلح الفلسفى.
وعن موقف "أبو ريدة" من المرأة قال "عون" أن الراحل كان يرى دائمًا أن الدين كرم المرأة وخصها ببعض السور التى حملت اسمها، إضافة إلى أنه لا يوجد فارق بين الرجل والمرأة إلا فى بعض الوظائف، ولكنهما متساويان فى المشاعر والعقل وغيرهما.
وقال الدكتور عبد الحميد مدكور، إن ابتعاد "أبو ريدة" عن الوطن لمدة 20 عامًا لم يمكنه من تأسيس مدرسة فلسفية علمية بها تلاميذ له، ولكن هذا لم يمنع أنه كان يتسم بطهارة القلب والإخلاص فى العلم، وقد قدر للدكتور فيصل عون أن يقدم من خلال مجموعة المؤلفات الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، والتى تتناول فكر وأيديولوجية هذا العالم الكبير أن يعيد طرحها من جديد؛ خاصةً وأن كثيرًا من الناس لا يعرفون عن "أبو ريدة" الكثير.
وقال "مدكور" رأيت فى "أبو ريدة" مثالاً للأستاذ الجامعى المستنير الرصين صاحب الخلق الكريم، والمواقف النبيلة فالراحل لم يقدم لنا هذ الكم من الأعمال الفكرية فحسب ولكنه جمع بين الكيف والقيمة أيضًا، مشيرًا إلى أن "أبو ريدة" كان يهتم كثيرًا باللغة والأدب وضرورتهما لدراسة الفلسفة، إضافة إلى أنه كان يتمتع بقيم أخلاقية رفيعة فى العلم والسلوك الأخلاقى.
واتفق معه الدكتور مصطفى لبيب قائلا، إن "أبو ريدة" مثال كامل للمترجم المبدع الذى لا يكتفى بنقل النص، ولكن بنقله فى سياق عصره موثقًا بالمصادر والأصول، حيث إنه كانت عنايته متجهة نحو نقل صورتنا عند الآخرين، فالتراث الإسلامى قد حظى بعناية خاصة عند المستشرقين وكان "أبو ريدة" منشغلاً بترجمة كتابتهم.
وأكد لبيب على أن ترجمة "أبو ريدة" كانت مثالية وإبداعية لأنها جمعت بين الترجمة والتأليف وساعده على ذلك اتقانه المبكر لجملة من اللغات القديمة والحديثة حتى جمع بين كل خصائص المترجم الناجح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة