ماذا كان سيفعل حسنى مبارك لو كان فى الحكم، تجاه ما حدث فى بورسعيد؟، سوف يتحدث فى وسائل الإعلام عن «المؤامرة»، ويطلب من رئيس مجلس الشعب فتحى سرور تشكيل لجنة تقصى حقائق، يضاف إلى ذلك أن تبادر عدد من الهيئات بإصدار بيانات شجب وإدانة، وقد يقيل محافظ بورسعيد، فى حين يقوم حبيب العادلى بتغيير مدير الأمن، والمسؤولين عن المباحث، إلخ. التحقيقات تجريها النيابة على قدم وساق، وقد يلعب جمال وعلاء مبارك دورا فى تهدئة الخواطر، وربما كسب التأييد من الجماهير، نظرا لأن التجربة أثبتت أنهم ينتعشون فى الأحداث الرياضية، نجاحات كانت أو مآس، يضاف إلى ذلك «كتبة النظام» الذين سوف يبادرون بالحديث عن العنف، والمؤامرة، والشرذمة التى تهدد استقرار مصر، إلخ.
بالمناسبة لم نفعل أكثر من ذلك بعد عام على تداعى نظام مبارك.
لم أعد أفهم أو أستعب أن أجد من يروج إلى أن النظام السابق وراء الأحداث التى وقعت خلال الشهور الماضية، ومن بينها مذبحة بورسعيد. لو كان هناك نظام قوى أو لديه مؤيدون لما سقط، ولو كان لديه عناصر بأس لما خرج المرشحون الذين كانوا يرتبطون به خالى الوفاض فى الانتخابات البرلمانية، ولم أعد أصدق أن «سوزان مبارك» أو غيرها وراء ما يحدث.
الحديث عن نظام سابق، أو طرف ثالث، أو مؤامرة، أو متربصين هو العبث بعينه، ومحاولة خائبة لصرف الأنظار عن المشكلات الحقيقية التى تحتاج إلى تحقيق جاد وحقيقى، ولا أتوقع مقدما أن تحقيقات النيابة قد تؤدى إلى نتائج ملموسة، قياسا على أحداث سابقة مشابهة، ضاعت الحقيقة فيها وسط مشاعية الجريمة، وعادة ما يٌلقى القبض على عدد من الأشخاص، ثم ما يلبث أن يطلق سراحهم نظرا لعدم وجود أدلة اتهام جادة.
المسألة باختصار أن الشرطة لم تعد للمجتمع المصرى بصورة فعالة بعد مرور عام على ثورة 25 يناير.
الحضور الشرطى يتحسن، لكنه رمزى، وبه الكثير من التلكؤ، وعدم الرغبة فى مواجهة الجرائم، هناك قصص وروايات متداولة عن تقاعس الشرطة عن التصدى لمشكلات عديدة، ولم يحدث إصلاح حقيقى لأجهزة الأمن، فقط تغيير أشخاص، ورفع شعارات.. بح صوت المطالبين بإصلاح أجهزة الأمن، وهناك مقترحات كثيرة قدمت فى هذا الصدد، بناء على خبرات وتجارب دول أخرى، ذهبت أدراج الريح، ولم يستجب لها أحد، قد يكون الآن مسؤولية مجلس الشعب بأن يفتح تحقيق جاد، ليس فقط عما حدث فى بورسعيد، فإن مجلس شعب فتحى سرور كان سيفعل ذلك، ولكن حول أجهزة الأمن، إمكاناتها، دورها، ووضعها تحت رقابة ومساءلة.
لا ينبغى أن يظل جهاز الشرطة بعيدا عن مراجعة دورية من جانب مجلس الشعب، ولم يعد مقبولا أن تحدث من آن لآخر مآس تدفع المصريين إلى كراهية الثورة، وما جلبته للمجتمع المصرى، من قتلى فى مظاهرات إلى قتلى فى مدرجات كرة القدم، وظهور ما يمكن أن نطلق عليه «ميلشيات» الألتراس التى تتحرك بشعور جماعى بالانتقام، وتدفع العار عن مقتلها، وهكذا ظهرت لدينا قبلية جديدة، بدلا من قبلية الدم أصبحت لدينا قبلية كرة القدم التى تستند إلى الشعور بالانتماء لفريق كروى، ودفع الأخطار عنه، والانتقام لضحاياه، كما لو أننا لا نعيش فى دولة بها مؤسسات عدالة من شرطة ونيابة ومحاكم، فى كل دول العالم هناك مآس يرتكبها مشجعو كرة القدم، ليست إلى هذا الحد، وليست بهذه الطريقة، والسبب أن هناك أجهزة شرطية مؤهلة وقادرة على الحفاظ على النظام، والوصول إلى تجفيف منابع الخطر قبل أن تحدث مآس تهز المجتمع، وتعمق الأحقاد والانقسام بداخله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة