اكتب الآن عن معرض الكتاب الذى يقام فى عام 2012 داخل مصر بعد مرور عام على ثورة لم تنته، بل مازالت تكتب سطورها الأولى حتى تصل البلد إلى أحسن حال.
يشهد معرض الكتاب ندوات ولقاءات وخصومات تقدمها دور النشر المختلفة على الكتب، لكن لفت نظرى أن المرشحين "المحتملين" للرئاسة لم تظهر صورتهم داخل المعرض، فلا وجدنا مرشحا زار بأقدامه أرض هذا العرس الثقافى، أو حتى أشار عن نيته لزيارته، كما يعلنون جميعا عن نيتهم للترشح على منصب أول رئيس لمصر بعد الثورة.
لم يقم أى مرشح محتمل للرئاسة بزيارة واحدة توحد ربنا لمعرض الكتاب، سواء كان هذا المرشح من أنصار توزيع البونبونى أو غنوا له ضمن غنوة يكره فيها المغنواتى "إسرائيل"، أو حتى كان مفصولا من جماعة تتولى الأغلبية فى مجلس شعب مصرى سوف توضح الأيام إذا كان من النوع المصرى الثورى أم لا.
معرض الكتاب مفترض منه أن يقدم الثقافة فى فروع متعددة، ومع عدم قيام أى مرشح للرئاسة بخطف "رجليه" إلى هناك، فهذا قد لا يعنى إلا أن المرشحين مشغولون لشوشتهم لدرجة أن وقتهم لا يسمح بالذهاب إلى تفقد أروقة المعرض، بينما ارتباطات طلتهم البهية على الفضائيات لا تأكل من وقتهم المتاح.
يعنى تخيل لو مرشح للرئاسة راح وزار المعرض، ووجد كتاب الأستاذ هيكل عن مبارك، أو شهادة المناوى عن الساعات الأخيرة وقت الثورة، وتصفح صفحات من الكتابين وعدسات المصورين تلاحقه، ثم وقف يعقب ويحلل ساعتها، إما أن كلامه سيراه البعض دعاية للكتابين، أو مجرد رأى كما سيراه غيرهم يفند ما فى الكتابين طبقا لوجهة نظر كل شخص.
وبخصوص موضوع الكتابة عن المخلوع وطرح الشهادات، بعد أن طار من كرسى الرئاسة، فيلفت نظرى هنا أن من يتصدى للكتابة عن هذه الفترات لا يكتب أو حتى يشير وقت أن كان المخلوع رئيسا، وكأنه من العيب أن تنشر كتابا والرئيس المخلوع فى السلطة، أما إذا غاب عن المشهد فاكتب عن أنك تسجل شهادة للتاريخ، وقدم العديد من المصادر التى تجعلك مستمعا للمكالمات والحوارات دون إفشاء لطبيعة المصدر وشخصيته، وبالتالى لا تتعجبون من قيام طباخ الريس بكتابة مذكراته عن أكلات يحبها المخلوع، أو يقوم نجار قصر رئاسة الجمهورية بكتابة مذكراته عن الأبواب الخشبية، وطبيعة الخامات التى كانت تفضلها زوجة المخلوع، وسيكون ربما لكل من هب ودب فرصة للحديث عن ذكرياتهم مع المخلوع.
ما علينا نعود لموضوع غياب المرشحين للرئاسة عن زيارة معرض الكتاب، فربما غابت زيارتهم، لأن فى بيوتهم مكتبة طويلة عريضة تحوى من خيرات الكتب والموسوعات، وربما ذهبت لهم مجموعة من أحدث الكتب المنشورة فوفرت عليهم فكرة الذهاب لزيارة المعرض.
كل ما أخشاه أن تكون الأنشطة الثقافية خارج نطاق اهتمام أوائل المرشحين لمنصب أول رئيس مصرى بعد ثورة يناير.
كان من الممكن أن يضيف كل مرشح "التاتش" الخاص به عند زيارة المعرض، فواحد تلتقط له الصور وهو يشترى كتبا فى الدين فيخرج له واحد من المذيعين فى البرامج الليلية قائلا: "يا واد يا مؤمن".
بينما مرشح آخر يأخذ تشكيلة منوعة، فتستقبله واحدة من مقدمات برامج الكلام الليلة وتقول له: "يا واد يا مثقف".
كنت أتمنى أن يكون هذا المعرض المغذى للعقول من الأدوات التى يمكن من خلالها تقييم المرشحين المحتملين للرئاسة، بواسطة مناظرة إعلامية مهنية، فيما بينهم، يتولى أمرها عندليب الصحافة التليفزيونية "يسرى فودة"، بحيث توجه الأسئلة لهؤلاء المحتملين، ونتعرف عما يدور فى عقولهم لبناء مصر ببرنامج واضح له خطة زمنية محددة يحاسب عليها، ويطبق وفق الإمكانات المتاحة لأرضنا المحروسة.
ساعة هذه المناظرة التى يمكن أن تتم، سواء فى معرض الكتاب أو فى مكان غيره، يمكننا أن نحصل على إجابات شافية دون بهرجة أو تكلف فى دغدغة مشاعر المتابعين بكلمات ووعود شبعنا منها.
فالأهم فى مثل تلك الأمور هو طرح السؤال الجيد والجاد حتى نستطيع أن نقيم كل من كانت أمه داعية له، أو داعية عليه عندما يصل إلى منصب الرئيس.
أمه داعية عليه من يتلاعب بالناس، لأن وجوده كرئيس يعنى أنه إذا كان من الفاشلين فستحرقه إرادة الشعب التى لن تسمح إلا بتحقيق أبسط الحقوق التى كانت حلما، فسمحت لهم الثورة بأن تكون واقعا يحصلون عليه طالما كانوا مصريين.
وأمه داعية له من يستطع الوصول لمصر حتى بر الأمان وقتها سيحصل على الرضا الشعبى، لأن الأونطة أصبحت لا تأكل مع الناس.
جاء معرض الكتاب، وربما يذهب، وفى النهاية ولا رئيس محتمل فوزه أو خسارته فى الانتخابات القادمة قد يزور هذا العرس الثقافى.
القراءة هى الحل لكننى أخشى أن تكون قراءة القسم الدستورى هى آخر ما سيقرأه الرئيس القادم. فالقراءة ستعينك يا من ستصبح رئيسا على قراءة نبض شعبك دون زيف أو نفاق من حاشيتك وبطانتك التى إن غشتك بالمدح والتطبيل، فسوف تخبطك فى حائط سد مع الشعب.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة