ارُتكبت مجزرة بشعة فى حق الوطن والشعب، قُتل فيها أكثر من 70 شاباً مصرياً ممن ذهبوا لتشجيع مباراة كرة قدم، متصورين أنهم آمنون، حاملين الأعلام للتشجيع، ولم يتصوروا أنهم عائدون مكفنين بهذه الإعلام.
حينما تنقلب مباراة كرة قدم ولأول مرة فى تاريخ مصر والعالم إلى مجزرة، وحينما تصر جميع الأطراف على إخلاء مسئوليتها عما حدث، ففى هذه اللحظة تكون جميع الأطراف مسئولة عما حدث، بخلاف الأطراف المختفية كالعادة والتى تتحمل المسئولية وحدها فى النهاية، ولا يمكننا حتى القبض عليها للقصاص منها.
وبدون الحديث عن بيانات سخيفة صدرت من المسئولين ومن القوى السياسية، وبدون تحليل المواقف المخزية التى تصدر من الجميع بشكل مستمر واعتادنا عليها، وبدون التأثر بالمواقف المتهورة التى تريد إشعال النار فى البلاد أكثر، فلابد من تحميل كل مسئول مسئوليته، والاعتراف بجرمه فى "مجزرة بورسعيد"، فليس فقط من هاجم أخيه المصرى، وسدد له ضربة الموت هو الجانى الوحيد، ولكن هناك شركاء فى الجريمة، فمنهم من شارك بالتدبير والتآمر، ومنهم من شارك بالإهمال وعدم تقدير الحالة الأمنية السيئة أو المؤامرات الكثيرة التى تُدبر من جانب بعض أبناء الوطن فى الداخل وأعدائه فى الخارج.
المجلس العسكرى مسئول مسئولية كاملة عن مقتل عشرات الشباب الأبرياء فى ساعات قليلة؛ لأنه لم يكشف عن المدبرين لموقعة الجمل وأحداث ماسبيرو وغيرها، ولم يتمكن من إجبار المسئولين والجهات التى تعمل تحت سلطته بإطاعة أوامره، فحينما أعلن إلغاء حالة الطوارئ إلا فى حالات البلطجة، أليس ما حدث فى المباراة بلطجة؟ فهذا يدل على اختلاف القول عن الفعل، عجز المجلس العسكرى عن حماية البلاد من البلطجية الذين يتحركون لحساب من يريد تدمير البلاد وإجهاض الثورة وإسقاط البرلمان المنتخب وإسقاط هيبة الدولة.
أخطأ العسكرى حينما تصور أنه بإرساله طائرتين لإنقاذ فريق الأهلى والمشجعين، أنه قد قام بدوره، فكان من الأولى حماية المواطنين من البداية، والسؤال الضرورى: لماذا تحدث هذه المجازر كلما اقترب موعد تسليم السلطة؟ لماذا لم يتم مثول كل من السيد صفوت الشريف والسيد فتحى سرور أمام القاضى حتى الآن؟ ولماذا يتم التأجيل المستمر لمحاكمة المخلوع وأبنائه ووزير داخليته؟ وكأن المنتظر أن يتم قتل الشعب كله، وبعد ذلك البت فى محاكمتهم من عدمه.
وزارة الداخلية تتحمل المسئولية كاملة، بدايةً من الوزير وحتى أصغر عسكرى كان متواجداً فى المباراة، وشهد على حدوث المجزرة دون أن يتحرك له ساكن، فلابد أن نُقيم حداداً ليس على أرواح الضحايا، ولكن على روح وزارة الداخلية التى فقدت هيبتها، وكُسرت أمام البلطجية، فقد وصلنا إلى درجة أن يعجز فيها رجل الشرطة عن حماية المواطنين، وأن يتم قتلهم أمام عينه، كما يصل الأمر لدخول المشجعين حاملين السلاح والشماريخ إلى المدرجات، دون أن يمنعهم أحد، فقد تغيب رجال الشرطة عن دورهم، ولم ترغب الوزارة فى التخلص من البلطجية المنتشرين فى البلاد، فقد تركتهم ينشرون الذعر فى نفوس المواطنين ويقتلون الأبرياء، فهل توجد لوزارة الداخلية أى دور بعد ذلك؟!
كل من مدير أمن ومحافظ بورسعيد مسئولان عما حدث، لأنهما لم يتخذا الإجراءات لحماية المباراة، فكيف لمسئول ألا يتوقع حدوث هذه المجزرة، عقب انفلات أمنى فى البلاد ساد الأيام السابقة للمباراة، وعقب سطو مسلح على عدد من البنوك.
والمطلوب الآن وبدون تقديم حجج غير مبررة أن يتم الآتى: 1ـ القبض فوراً على البلطجية الذين قاموا بالاعتداءات وقتل الأبرياء، وتقديمهم للمحاكمة، وعدم التهاون فى حقوق الضحايا، كما تم التهاون فى جميع الأحداث التى وقعت من قبل فى موقعة الجمل وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، 2ـ ليس كافياً إقالة مدير أمن بورسعيد، أو تقديم محافظ بورسعيد استقالته، فلابد من إقالة وزير الداخلية، والأهم التحقيق معهم جميعا. 3ـ أن يتقدم اتحاد كرة القدم بأكمله باستقالته. 4ـ مطلوب من الحكومة الحالية أو المجلس العسكرى الكشف، وبأدلة قاطعة، عن الجهات التى تتسلم تمويلاً من الخارج بطرق مشروعة وغير مشروعة، والإعلان عن مصادر إنفاق هذه الأموال، ولحساب مَن؟.
قيل من قبل عن المخلوع، مقولة "يا أنا يا الفوضى"، ولكن المؤامرة أصبحت أكبر بكثير من مجرد تحركات فلول النظام السابق لتخريب وتدمير وإحباط الثورة، نحن أمام مجزرة تم التخطيط لها بطريقة منظمة ومدروسة من جهات منظمة وقادرة على التنفيذ داخل وخارج مصر، إنها جريمة فى حق وطن وفى حق شعب.
إن رد الفعل الوحيد المحترم الذى جاء على خلفية الأحداث هو قرار عدد من لاعبى الأهلى باعتزال كرة القادم نهائياً، لأنه حينما تتحول كرة القدم إلى ساحة للبلطجة، وحينما تُختلط الرياضة بالتعصب وبمصالح سياسية واضطرابات أمنية، فيكون القرار الصائب هو إلغاؤها تماما.
السادة المسئولون: سيكتب التاريخ علينا وعليكم أننا بعد أن قمنا بثورة عظيمة، فشلنا وفشلتم فى حماية الثورة والبلاد والمواطنين، وعاقبتم الشباب المصرى على ثورته.
