ليس مألوفا فى اليمن أن تنتقل السلطة من حاكم لآخر "سلميا"، فالمعهود فى التاريخ اليمنى أن عملية انتقال السلطة تتم عن طريق إما بانقلاب عسكرى أو تزكية مجلس النواب لأحد المرشحين ليتولى منصب الرئاسة، ولكن جهود جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وحدها التى استطاعت أن تنقل اليمن من مربع العنف فى انتقال السلطة إلى مربع التسوية السياسية والانتقال السلمى للسلطة.
الوضع فى اليمن معقد إلى حد كبير والحالة السياسية بالدولة لها خصوصية شديدة نظرا لتعدد الأطراف المشتركة فيها من أحزاب معارضة، جماعات دينية، جماعات إسلامية متشددة "تنظيم القاعدة"، بالإضافة إلى قضية الجنوب التى تنادى بتقرير المصير سواء بالوحدة أو الانفصال.
كل هذه التوازنات كان من الصعب أن تجتمع على طاولة حوار والاتفاق على خطة سياسية واحدة خاصة بعد الثورة اليمنية وكان الأمر كفيلا بإصابة جمال بن عمر الذى بدأ نشاطه فى اليمن فى أبريل 2011 بـ"الإحباط" لكن الرجل يتميز بالصبر وعدم اليأس لذلك استطاع بالتعاون مع مبادرة دول الخليج أن يخرج اليمن من مرحلة الصراعات خاصة الطائفية إلى مرحلة الحوار.
"اليوم السابع" التقى بمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن لقيادة الوساطة بين نظام الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح وشباب الثورة اليمنية وقوى المعارضة المساندة لها، حيث أكد بن عمر أن العملية السياسية فى اليمن تشهد تقدما كبيرا خاصة فيما يتعلق بلغة الحوار بين الأطراف المتصارعة وانتقالها من لغة المدافع والرشاشات التى صاحب الثورة اليمنية منذ بدايتها إلى لغة الاتفاق والاتفاق على خارطة طريق تضمن خروج اليمن من أزمته.
وإليكم نص الحوار:
ما رأيك فى الوضع الجديد فى اليمن؟ وهل ترى أن الدولة دخلت مرحلة جديدة أم أنها مازالت فى صراع بين الماضى والحاضر؟
حصل تقدم كبير فى العملية السياسية باليمن، فهناك تسوية وهناك اتفاق سياسى وهذا الاتفاق كان نتيجة جهود كثيرة وكان حوارا مباشرا بين جميع الأطراف المتصارعة وانتهى باتفاق مفصل على خارطة طريق لكيفية الدخول فى مرحلة انتقالية وانتقال السلطة، وكذلك كيفية تنظيم وإدارة العملية الانتقالية.
كما تم الاتفاق على مهام وأولويات المرحلة الانتقالية الأولى التى مضت وكانت مدتها ثلاثة أشهر، ومهام وأولويات المرحلة الانتقالية الثانية والتى تدوم لسنتين وابتدأت بالانتخابات الرئاسية المبكرة، وكذلك فى إطار خارطة الطريق تم الاتفاق على خلق عدد من الهيئات مثلا هيئة الشئون العسكرية لمعالجة الوضع الأمنى، وتم تحديد مهام وأولويات حكومة الوفاق الوطنى وأولويات اللجنة العسكرية، كذلك الاتفاق على عقد مؤتمر "الحوار الوطنى" الذى سيبدأ التحضير له قريبا لمناقشة كل القضايا المطروحة على الساحة السياسية مع جميع الأطراف باليمن، كذلك تم الاتفاق على طريقة معالجة المسألة الدستورية عبر عملية شفافة يشارك فيها الجميع.
تقصد أن لغة الحوار فى اليمن بين الأطراف المتصارعة بعد الانتخابات الرئاسية اختلفت عما كانت وقت اندلاع الثورة؟
عندما أتيت إلى اليمن فى إطار هذه المهمة فى شهر أبريل من العام الماضى كانت اللغة آنذاك هى لغة المدافع والرشاشات والعنف، ولم يكن هناك حوار ولا تواصل بين الأطراف اليمنيين، ونحن منذ البداية أكدنا أن أنسب وسيلة للحل أن يكون هناك حوار بين اليمنيين، الآن هناك اتفاق تم التوقيع عليه فى شهر نوفمبر للحوار المباشر وطلبت جميع أطراف العملية السياسية من الأمم المتحدة أن تكون الطرف الميسر لهذه العملية التوافقية، وبالفعل تم تحقيق معظم ما كان مطروحا بالنسبة للتطبيق خلال المرحلة الانتقالية الأولى ونحن الآن دخلنا فى المرحلة الانتقالية الثانية، وأستطيع أن أقول إن هناك تقدما واضحا فى العملية السياسية فى اليمن.
ما أهم التحديات التى من الممكن أن تعوق سير العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة؟
التحديات القادمة فى اليمن كبيرة جدا، على سبيل المثال الاقتصاد اليمنى منهار تماما، هناك وضع إنسانى مزر فى عدد من المحافظات ونازحون ولاجئون إلى آخره، وهناك حكومة بإمكانيات محدودة جدا، والشعب سيحكم على هذه الحكومة الجديدة(حكومة الوفاق الوطنى) من خلال ما ستوفره لأبناء الشعب من خدمات اجتماعية وفرص عمل، بالإضافة إلى أن الدولة خلال أيام الأزمة فقدت سيطرتها على عدد من المناطق اليمنية.
عندما كان المركز مشغولا بأزمته، المحيط بدأ يتشتت ويخرج على سلطة الدولة، وحتى تعيد الدولة سلطتها وهيبتها سيتطلب ذلك وقتا كبيرا ومجهودا خاصا، فهناك مناطق فى اليمن تسيطر عليها "القاعدة" التى لأول مرة تسيطر على منطقة جغرافية هامة واستراتيجية فى جنوب اليمن وهذا شيء مخيف بالنسبة لليمنيين، كذلك مازالت هناك أحيانا معارك تدور فى عدد من المحافظات مابين قوات غير حكومية مثل الحوثيين وجماعات محسوبة على السلفيين وجماعات قبلية يقال إنها مرتبطة بحزب الإصلاح(الإخوان المسلمين)، حتى العاصمة صنعاء مازالت مقسمة، جزء تحت سيطرة القوات الحكومية وجزء تحت سيطرة قوات اللواء على محسن الأحمر المنشق عن الجيش اليمنى وجزء تحت سيطرة قوات قبلية، ولكن فى المقابل هناك تقدم ملموس فى الوضع الأمنى منذ توقيع الاتفاق على المبادرة الخليجية.
هل نستطيع القول إن شبح الحرب الأهلية قد اختفى فى اليمن أم مازال الخطر قائما؟
أكيد فى شهور أزمة كان الخطر هو الحرب الأهلية ولكن تصرفت الأطراف اليمنية كلها بحكمة فى النهاية، واتفقت تلك الأطراف على أن الحل الأمنى العسكرى لا يؤدى إلا إلى معاناة ومأساة الشعب اليمنى، وفى الحقيقة لم يكن هناك طرف قادر على سحق الطرف الآخر، فلا القوات الحكومية قادرة على القضاء على المعارضة، ولا المعارضة كانت قادرة على ما أسماه البعض بـ"الحسم الثورى" فيما يعنى قلب النظام بشكل نهائى، وهذا التوازن أدى بالطرفين إلى التفكير فى التسوية المبنية على تقاسم السلطة وهذا ما حدث بالأخير.
وما دور القبلية اليمنية فى الوضع الحالى؟ هل تحاول التهدئة أم التصعيد؟
الوضع معقد كثيرا فى اليمن، هناك قيادات قبلية ساندت المعارضة منذ بداية الثورة، وهناك قيادات قبلية أخرى مازالت تساند النظام، فالحاصل فى اليمن عدد من الخلافات وهناك نزاعات مختلفة تطورت بشكل مواز، هناك خلاف ما بين الحوثيين وحزب الإصلاح وكذلك مع الحكومة وهناك حركة فى الجنوب تطالب بالانفصال وتقرير المصير أو حل عادل للقضية الجنوبية، وهناك القاعدة تتحارب مع القوات الحكومية، وهناك قوات حكومية انشقت وأصبحت ضد الحكومة، وهناك الربيع العربى فى اليمن حيث خرج الشباب اليمنى للساحات يطالبون بالتغيير الجزرى ومازالوا فى الساحات.
فالخلافات كثيرة ومتعددة وهذا وضع خاص لا يشبه حالات أخرى فى العالم العربى.
ما موقف الأمم المتحدة من الحصانة التى أعطيت للرئيس السابق على عبد الله صالح مع العلم أن هناك بعض الحقوقيين يعملون على إحالة ملف الرئيس السابق إلى مجلس الأمن؟
موقف الأمم المتحدة كان دائما واضحا وهو أن أى عفو عام يجب أن لا يكون مطلقا حتى لا يشمل الجرائم المحرمة دوليا وهى عادة جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، جرائم إبادة، وخروقات جسيمة لحقوق الإنسان، لكن فى نفس الوقت نصحنا الفرقاء السياسيين بأن الإشكالية الحقيقية ليست مسألة حصانة لشخص أو مجموعة لأن هناك إشكالية أكبر من ذلك وهى كيفية التعامل مع الماضى مع إطار التحول الديمقراطى وذلك من خلال العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ويجب أن يكون هناك إجماع بين كل الأطراف السياسية، لذلك كان لابد من إيجاد حل يساعد على تقدم العملية السياسية من جهة، ومن جهة أخرى يعطى الحق للضحايا فى معرفة الحقيقة والتعويض وإعادة الاعتبار وضمانات بأن الخروقات السابقة لن تتكرر.
بصفتك أحد الأشخاص الفاعلة فى صياغة الآلية التنفيذية للمبادرة.. ما المقصود بإعادة هيكلة الجيش اليمنى؟ وما مصير أقارب الرئيس السابق وعلى رأسهم أحمد على صالح من تلك الهيكلة؟
المتفق عليه فى الآلية التنفيذية للمبادرة أنه يجب معالجة الوضع الأمنى وتأسيس هيئة عسكرية تركز على نقطتين، النقطة الأولى إعادة الاستقرار والأمن من خلال إجراءات عاجلة لفتح الطرقات وإنهاء المظاهر المسلحة فى المدن حتى ترجع الجيوش إلى معسكراتها والميليشيات إلى قراها، والنقطة الثانية هى مهمة اللجنة العسكرية فى إعادة بناء المؤسسة العسكرية وإنهاء الانقسام الموجود بداخلها حاليا وحتى تكون مؤسسة تخضع تحت قيادة موحدة وتخضع لسيادة القانون.
الموضوع ليس موضوع أشخاص فقط فالوضع الحالى أكثر تعقيدا فليس هنا فى اليمن كما هو الشأن فى مصر مؤسسة وطنية تحت قيادة موحدة، ففى مصر منذ بداية الخمسينيات تطورت المؤسسة العسكرية تحت قيادة موحدة ولا تزال هكذا حتى الآن، أما اليمن فليس هناك ظاهرة من هذا النوع فى الدولة فهناك جيوش مختلفة ليست خاضعة لقيادة موحدة كذلك أعداد الجيش ضخمة بالنسبة لليمن والنفقات التى تم صرفها على الجانب العسكرى كانت على حساب التنمية ومهام كل فرقة أحيانا متداخلة، وحان الوقت الآن لإعادة النظر فى هذه التركيبة لأن الهدف من ذلك هو خلق مؤسسة متجانسة موحدة تخضع لقيادة موحدة وتعمل تحت سلطة مدنية فى إطار سيادة القانون وهذا مشروع معقد يتطلب جهدا كبيرا وتعاونا.
فى حالة الإبقاء على قيادات المؤسسة العسكرية الذين اشتركوا فى قتل المتظاهرين.. ألم يتناقض ذلك مع أسس العدالة الانتقالية والتى من أهمها عدم منح حصانات للقتلة أو على الأقل إبعادهم عن مراكزهم فى مؤسسات الدولة؟
النقاش حول موضوع العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بدأ منذ أسابيع فقط، وكان النقاش من شهور يدور حول مسألة إعطاء ضمانات للرئيس السابق أم لا، الآن هناك نقاش واسع ومشروع قانون جديد ستقدمه حكومة الوفاق الوطنى يتركز على هذه المسألة وسيكون هناك نقاش واسع حول من يجب أن يشمله هذا القانون وفى هذا الإطار كان هناك اجتماع مؤخرا نظمه وزير الشئون القانونية حضره منظمات المجتمع المدنى وشباب الثورة ومنظمات حقوق الإنسان لكنى لا أدرى كيف ستكون الصياغة الأخيرة.
الدستور اليمنى منح الرئيس السابق على صالح صلاحيات واسعة أهمها رئاسته للقضاء الأعلى والحزب الحاكم والقائد الأعلى للقوات المسلحة.. فهل سيكون دستور اليمن الجديد مقلصا لصلاحيات رئيس الجمهورية الجديد ومن ثم الحكومة؟ وهل ستشرف الأمم المتحدة على وضع هذا الدستور؟
صياغة الدستور لن تكون إلا بأقلام يمنية، وسيبدأ النقاش حول إعادة صياغة الدستور فى مؤتمر الحوار الوطنى، وستشكل لجنة دستورية لذلك وتم الاتفاق على أن العملية لابد أن تتبعها الشفافية والمشاركة الواسعة لتأسيس عقد اجتماعى جديد وفى هذا الإطار سيتم معالجة النظام السياسى وهناك أفكار كثيرة بخصوص هذا الشأن، فهناك اتجاه يطرح التحول من النظام الرئاسى السياسى إلى برلمانى وهناك من يطرح حل الفيدرالية.
وما وضع القضية الجنوبية من الحوار الوطنى؟
هناك وعى عند الجميع الآن بضرورة حل القضية الجنوبية بشكل عادل وهذه القضية بلا شك من أولويات هذه المرحلة ومن أولويات الحوار الوطنى أيضا القادم.
"اليوم السابع" تحاور الرجل الذى ساعد على النقل السلمى للسلطة فى اليمن: أخشى على اليمن من الاقتصاد المنهار..الجيش المصرى مؤسسة وطنية تخضع لقيادة موحدة لكن اليمن بها قيادات متعددة
الأربعاء، 29 فبراير 2012 04:35 م