الجيش المصرى مؤسسة وطنية تخضع لقيادة موحدة لكن اليمن به جيوش مختلفة ومتعددة القيادات
ليس مألوفا فى اليمن أن تنتقل السلطة من حاكم لآخر «سلمياً»، فالمعهود فى التاريخ اليمنى أن عملية انتقال السلطة تتم إما عن طريق انقلاب عسكرى، أو تزكية مجلس النواب لأحد المرشحين ليتولى منصب الرئاسة، لكن جهود جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وحدها التى استطاعت أن تنقل اليمن من مربع العنف فى انتقال السلطة، إلى مربع التسوية السياسية، والانتقال السلمى للسلطة.
«اليوم السابع» التقت مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن لقيادة الوساطة بين نظام الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، وشباب الثورة اليمنية، وقوى المعارضة المساندة لها، وإليكم نص الحوار:
ما رأيك فى الوضع الجديد فى اليمن؟ وهل ترى أن الدولة دخلت مرحلة جديدة أم أنها مازالت فى صراع بين الماضى والحاضر؟
حصل تقدم كبير فى العملية السياسية باليمن، فهناك تسوية وهناك اتفاق سياسى، وهذا الاتفاق كان نتيجة جهود كثيرة، وكان هناك حوار مباشر بين جميع الأطراف المتصارعة، وانتهى باتفاق مفصل على خارطة طريق لكيفية الدخول فى مرحلة انتقالية وانتقال السلطة، وكذلك كيفية تنظيم وإدارة العملية الانتقالية، كما تم الاتفاق على مهام وأولويات المرحلة الانتقالية الأولى التى مضت، وكانت مدتها ثلاثة أشهر، ومهام وأولويات المرحلة الانتقالية الثانية التى تدوم لسنتين وابتدأت بالانتخابات الرئاسية المبكرة، وكذلك فى إطار خارطة الطريق تم الاتفاق على خلق عدد من الهيئات، مثل هيئة الشؤون العسكرية لمعالجة الوضع الأمنى، وتم تحديد مهام وأولويات حكومة الوفاق الوطنى، وأولويات اللجنة العسكرية، كذلك الاتفاق على عقد مؤتمر «الحوار الوطنى» الذى سيبدأ التحضير له قريبا، لمناقشة كل القضايا المطروحة على الساحة السياسية مع جميع الأطراف باليمن، كذلك تم الاتفاق على طريقة معالجة المسألة الدستورية عبر عملية شفافة يشارك فيها الجميع.
تقصد أن لغة الحوار فى اليمن بين الأطراف المتصارعة بعد الانتخابات الرئاسية اختلفت عما كانت وقت اندلاع الثورة؟
عندما أتيت إلى اليمن فى إطار هذه المهمة فى شهر أبريل من العام الماضى، كانت اللغة آنذاك هى لغة المدافع والرشاشات والعنف، ولم يكن هناك حوار ولا تواصل بين الأطراف اليمنية، ونحن منذ البداية أكدنا أن أنسب وسيلة للحل أن يكون هناك حوار بين اليمنيين، الآن هناك اتفاق تم التوقيع عليه فى نوفمبر الماضى للحوار المباشر، وطلبت جميع أطراف العملية السياسية من الأمم المتحدة أن تكون الطرف الميسر لهذه العملية التوافقية، وبالفعل تم تحقيق معظم ما كان مطروحا بالنسبة للتطبيق خلال المرحلة الانتقالية الأولى، ونحن الآن دخلنا فى المرحلة الانتقالية الثانية، وأستطيع أن أقول إن هناك تقدما واضحا فى العملية السياسية فى اليمن.
ما أهم التحديات التى من الممكن أن تعوق سير العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة؟
التحديات القادمة فى اليمن كبيرة جدا، على سبيل المثال الاقتصاد اليمنى منهار تماماً، هناك وضع إنسانى مزر فى عدد من المحافظات وفى عدد النازحين واللاجئين إلى آخره، وهناك حكومة بإمكانيات محدودة جداً، والشعب سيحكم على هذه الحكومة الجديدة (حكومة الوفاق الوطنى) من خلال ما ستوفره لأبناء الشعب من خدمات اجتماعية وفرص عمل، بالإضافة إلى أن الدولة خلال أيام الأزمة فقدت سيطرتها على عدد من المناطق اليمنية.
عندما كان المركز مشغولا بأزمته، المحيط بدأ يتشتت ويخرج على سلطة الدولة، وحتى تعيد الدولة سلطتها وهيبتها سيتطلب ذلك وقتا كبيرا ومجهودا خاصا، فهناك مناطق فى اليمن تسيطر عليها «القاعدة» التى لأول مرة تسيطر على منطقة جغرافية مهمة وإستيراتيجية فى جنوب اليمن، وهذا شىء مخيف بالنسبة لليمنيين، كذلك مازالت هناك معارك تدور فى عدد من المحافظات ما بين قوات غير حكومية، مثل الحوثيين، وجماعات محسوبة على السلفيين وجماعات قبلية يقال إنها مرتبطة بحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، حتى العاصمة صنعاء مازالت مقسمة، جزء تحت سيطرة القوات الحكومية، وجزء تحت سيطرة قوات اللواء على محسن الأحمر، المنشق عن الجيش اليمنى، وجزء تحت سيطرة قوات قبلية، ولكن فى المقابل هناك تقدم ملموس فى الوضع الأمنى منذ توقيع الاتفاق على المبادرة الخليجية.
ما موقف الأمم المتحدة من الحصانة التى أعطيت للرئيس السابق على عبدالله صالح؟
موقف الأمم المتحدة كان دائماً واضحا، وهو أن أى عفو عام يجب ألا يكون مطلقا حتى لا يشمل الجرائم المحرمة دوليا، وهى عادة جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، جرائم إبادة، وخروقات جسيمة لحقوق الإنسان، لكن فى الوقت نفسه نصحنا الفرقاء السياسيين بأن الإشكالية الحقيقية ليست مسألة حصانة لشخص أو مجموعة لأن هناك إشكالية أكبر من ذلك، وهى كيفية التعامل مع الماضى مع إطار التحول الديمقراطى، وذلك من خلال العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ويجب أن يكون هناك إجماع بين كل الأطراف السياسية، لذلك كان لابد من إيجاد حل يساعد على تقدم العملية السياسية من جهة، ومن جهة أخرى يعطى الحق للضحايا فى معرفة الحقيقة والتعويض، وإعادة الاعتبار وضمانات بأن الخروقات السابقة لن تتكرر.
بصفتك أحد الأشخاص الفاعلة فى صياغة الآلية التنفيذية للمبادرة.. ما المقصود بإعادة هيكلة الجيش اليمنى؟ وما مصير أقارب الرئيس السابق وعلى رأسهم أحمد على صالح من تلك الهيكلة؟
المتفق عليه فى الآلية التنفيذية للمبادرة، أنه يجب معالجة الوضع الأمنى، وتأسيس هيئة عسكرية تركز على نقطتين، النقطة الأولى إعادة الاستقرار والأمن من خلال إجراءات عاجلة لفتح الطرقات، وإنهاء المظاهر المسلحة فى المدن حتى ترجع الجيوش إلى معسكراتها والميليشيات إلى قراها، والنقطة الثانية هى مهمة اللجنة العسكرية فى إعادة بناء المؤسسة العسكرية، وإنهاء الانقسام الموجود بداخلها حالياً، وحتى تكون مؤسسة تخضع تحت قيادة موحدة وتخضع لسيادة القانون.
الموضوع ليس موضوع أشخاص فقط، فالوضع الحالى أكثر تعقيداً، فليس هنا فى اليمن كما هو الشأن فى مصر، فالجيش المصرى هو مؤسسة وطنية تحت قيادة موحدة، ففى مصر منذ بداية الخمسينيات تطورت المؤسسة العسكرية تحت قيادة موحدة، ولاتزال هكذا حتى الآن، أما اليمن فليس هناك ظاهرة من هذا النوع فى الدولة، فهناك جيوش مختلفة ليست خاضعة لقيادة موحدة، أو بمعنى أصح متعددة القيادات، كذلك أعداد الجيش ضخمة بالنسبة لليمن، والنفقات التى تم صرفها على الجانب العسكرى كانت على حساب التنمية، ومهام كل فرقة أحياناً متداخلة، وحان الوقت الآن لإعادة النظر فى هذه التركيبة، لأن الهدف من ذلك هو خلق مؤسسة متجانسة موحدة تخضع لقيادة موحدة، وتعمل تحت سلطة مدنية فى إطار سيادة القانون، وهذا مشروع معقد يتطلب جهدا كبيرا وتعاونا.
اليوم السابع تحاور الرجل الذى ساعد على النقل السلمى للسلطة فى اليمن جمال بن عمر: أخشى على اليمنيين من الاقتصاد المنهار وسيطرة القاعدة على الجنوب
الأربعاء، 29 فبراير 2012 08:43 ص
جمال بن عمر
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عدنان حلبوب
المعضلة الحقيقية "قضية الجنوب"