هبت رياح التغيير وقامت الثورات العربية التى أشاد بها الإعلام الغربى مطلقا عليها ثورات الربيع العربى، لكن.. لى هنا عدة تساؤلات؟ هل تغيرنا فعلا؟ هل نحن شعوب أنانية؟ هل الإنسان العربى أنانى؟ هل المصرى أنانى ؟ وإن كان أنانيا ؟ فإلى أى حد تؤثر أنانيته فى مجريات حياته وأسرته ومجتمعه وبلده ؟ بداية .. ما هى الأنانية ؟ يقول علم النفس إن الأنانية هى عجز الفرد عن النظر إلى العالم إلا من خلال مصالحه ومنافعه الخاصة أو الشخصية، أى هى الحالة التى يغلِب فيها على الفرد واقعـُه ورغباته الذاتية دون النظر إلى رغبات أو مصالح الآخرين، فإذا تشدد الفرد وغلا فى التزام المصلحة الذاتية؛ أطلق على حالته (جنون الأنانية).
أين نحن الآن ما يجرى فى مصرنا الحبيبة وفى اليمن وفى ليبيا؟ من هذا التعريف للأنانية وجنونها ؟ مرة أخرى... هل نحن شعوب أنانية؟
لم تغير الثوارت طبائعنا التى تشربت؛ طوال ثلاثين عاما؛ حتى النخاع قبول كل ماهو منفر ومقذع، فنجد فى كل مناحى حياتنا، ونتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة المستعصية على التغيير؛ الأنانية وقد استشرت وتعمقت فى حتى أصابنا اليأس من تغيير هذه الطباع المؤلمة لنا جميعا، وفى مصر نجد أن الأنانية قد تمكنت من النفوس وأصبحت هى السمة المميزة للشعب المصرى، بكل طوائفه وعلى كل مستويات معيشته وتعليمه وفكره وتصرفه، فمن الشارع والبيت إلى المدرسة والجامعة، من الوزارة حتى الفرن البلدى، من الإسكندرية حتى أسوان، فى كل الأعمار، رجالا ونساء، الكل يتعاملون بمنطق الأثرة لا الإيثار، منطق الأنانية لا الغيرية.
من ينظر إلى الشارع المصرى الآن يأسف إلى ما وصل إليه الحال، فالمشاة لا يستطيعون عبور الطريق من تزاحم السيارات، وقائدو السيارات يتسابقون على أولوية العبور، المشاة لا يتحملون الانتظار لثوان حتى تقف السيارات، إذ يندر أن يقف قائد سيارة برغبته ليعبر المشاة، وكل قائد سيارة يعتبر أنه يقود فى الطريق وحده، أما عن الميكروباص والمينى باص والأوتوبيس العام؛ فحدث ولا حرج، فالسائقون يقفون فى أى مكان من الطريق؛ فى منتصفه أو على يساره؛ ليس مهما، المهم أن ينزل الناس أو يركبوا، وليحترق الشارع بما فيه ومن فيه، ولا عجب فلا يوجد فى شوارع مصر إلى حد كبير أى شرطى مرور فقد ترك المسئولون عن تنظيم المرور الشوارع نهبا لكل من تسول له نفسه إحداث المزيد من الإفساد، هذا عدا عن الضوضاء المنبعثة من الباعة والورش وأجهزة إذاعة الموسيقى والقهاوى والسيارات؛ فقد تصاب بالجنون.. أليست كل هذه الشواهد من مظاهر الأنانية ؟
والحال بعد الثورة بكل أسف لم يتبدل عما كان عليه قبل الثورة، فمن يتوجه إلى أى مصلحة حكومية لإنهاء معاملة له؛ الجوازات مثلا أو المرور أو السجل المدنى، أو فى أى مكان يقف الناس فيه طابورا؛ ستجد من يخترق الصف ليصل إلى المقدمة، ويحصل على ما تقف أنت من أجل الحصول عليه قبلك، رغم أنف كل الواقفين قبله، لمجرد أنه يعرف البائع أو الموظف، أو لأنه فتـّح دماغه، ألا يعتبر هذا الشخص أنانيا ؟ سواء حصل على ما يريد بالرِشى أو بالمحسوبية أو حتى بالفهلوة !
وفى مجالات التعيين فى الوظائف الحكومية، لا تزال الأولوية دائما لمن يوصَى عليه أو يأتى (بواسْطة) كبيرة ؟ ذكر الدكتور نادر فرجانى فى تقريره عن التنمية فى مصر منذ عدة سنوات جملة مؤلمة ترجمتها: (فى مصر؛ يـُعَيـّن الناس فى الوظائف تبعا لمن يعرفون، لا تبعا لما يعرفون)، أليست هذه المحسوبية والكوسة ضربا من أقسى ضروب الأنانية ؟ التى لا تزال تعشش فينا! أن يصبح ابن الطبيب طبيبا بالعافية، أو ابن القاضى قاضيا بالعافية، أو ابن الضابط ضابطا بالعافية، إنها الأنانية بعينها، لأن الأب يُركِب ابنه على رقاب الناس ويحرمهم من حقوقهم، بينما قد - وغالبا ما - يكون المحروم هو الأحق.
وكذلك الأمر بالنسبة للتعدد فنجد الرجل يتصرف بأنانية مفرطة لاعتقاده الراسخ أن التعدد شرع من أجل الرجال بينما إن نزعنا عن مفهوم التعدد صفة الأنانية الذكورية نجد أن الشارع الحكيم قد شرعه رحمة ورأفة باليتامى، لا من أجل الرجل، فالرجل بأنانيته اعتبر التعدد حقا من حقوقه، يختار ويشتهى من يشاء من النساء، دون التقيد بشرط العدل أو رعاية اليتامى.
وحتى فى الحج والعمرة، ينفق المسلمون كل عام ما يقارب عشرات المليارات عليهما، والكثير من الحجاج والمعتمرين أدوا كلا الشعيرتين مرات عديدة، ومع ذلك؛ ومن فرط الأنانية؛ يخرجون من جيوبهم هذه المليارات ينفقونها فى تأدية الشعيرة - المطلوب تأديتها مرة واحدة فى العمر - مرات ومرات، دون النظر إلى احتياج الآخرين إلى هذه الأموال، فمساعدة الشباب على تكاليف الزواج، والإنفاق فى سبيل الله لتنمية مجتمعاتنا ومساندة أشقائنا، وكفالة اليتامى وإطعام الجائعين وتشغيل العاطلين؛ كلها أشياء غفل عنها من لم يفكر إلا فى رغبته ومصلحته، وغض الطرف عن رغبات ومصالح الآخرين، خاصة فى ظل الظروف السيئة التى تمر بها شعوبنا العربية.
وفى مصر انتشرت كثير من الأقوال والأمثال على ألسنة الناس، فمن يقول: يعنى أنا اللى حاصلح البلد؟ ومن قائل: إللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع، وثالث: أنا ومن بعدى الطوفان!! وغيرها كثير مما يدل على تمكن ثقافة الأنانية من حياتنا جميعا، لذلك يجب أن نعترف أننا شعوب أنانية، لا نحب إلا أنفسنا ولا نفكر إلا فى الحاضر، ولكى نحل مشكلاتنا ونعيد الأمل إلى تفكيرنا فى مستقبل أبنائنا، وما ينطبق على الشعب المصرى والليبى أو اللبنانى ينطبق على معظم شعوب الدول العربية من انتشار هذا الداء الذى ينخر مجتمعاتنا ويسىء لنا كشعوب عربية إسلامية أفرادا وحكومات ويجب علينا أن نبحث عن حلول للقضاء على هذا المرض الرهيب بنشر ثقافة العطاء والجود ومحبة الآخرين وأن نتعامل مع أنفسنا والآخرين من منطلق الحديث الشريف: الدين المعاملة، ولا ننسى القول المأثور: (عامل الناس كما تحب أن يعاملوك) وتطبيقه فى كل مناحى حياتنا حتى نتخلص من داء الأنانية البشع الذى يفترس العقول والأرواح حتى كاد أن يقضى علينا، يجب أن نهب جاهدين للحيلولة من أن يرث أبناؤنا هذا الداء البشع لتتقدم شعوبنا وكى لاتضيع أرواح شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم حبا فى أوطانهم من أجل مستقبل أفضل.. والله من وراء القصد..
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد المنعم البراشى
المستقبل المشرق لمصرنا الحبيبة
عدد الردود 0
بواسطة:
د. طارق النجومى
الأنانية ليست له عنوان