لخص الدكتور ثروت عكاشة تجربته فى الثقافة والسياسية والفن فى مذكرات خاصة بعنوان "مذكراتى فى السياسة والثقافة" تكونت هذه التجربة من خلال إلمامه بكافة المذاهب الأدبية والفنية قارئا، ثم تعامل معها برؤية انتقائية مستقلة.
وخلص من تجربته إلى أمرين أولهما أن تكون الدولة فى جميع مرافقها دولة رعاية، وثانيهما الالتزام بالجمع بين الأخلاق والسياسة، والتزم عكاشة فى هذه المذكرات بالموضوعية التامة، وقدم رؤيته كشاهد عيان ومشارك بوصفه واحدا من الضباط الأحرار، متميزًا عنهم بغلبة الميول العلمية والأدبية والفنية، وبالترفع عن السعى وراء المناصب والنفوذ، وهو ما دفع الرئيس عبد الناصر إلى الاستجابة لطلبه أن يأخذ إجازة لمدة شهر وكان وقتها وزيرا للثقافة، كى يناقش رسالته للدكتوراة فى جامعة السربون.
يبدى صاحب المذكرات رأيًا لافتا فى ثورة يوليو، حيث يرى أن عهد الثورة انتهى فى يونيو 1956 حين صدر الدستور الذى منح الرئيس جمال عبد الناصر صلاحيات واسعة، وجمع كل السلطات فى يديه دون مساءلة دستورية، حتى أنه استغنى بصلاحياته عن مجلس قيادة الثورة، ليبدأ نظام سياسى جديد قائم على مركزية السلطة، يقول عكاشة ذلك عارفا فضل عبد الناصر ومقدرا نزاهته وعفة يده وانجازاته التى وضعته فى مصاف كبار الزعماء والحق أن قارئ المذكرات – بتوجيه من صاحبها – عليه أن يتعامل مع الشق الخاص بالثورة، وبالأدوار التى لعبها المؤلف طوال حياته عسكريا ودبلوماسيا ووزيرا وعضوا بالمجلس التنفيذى لليونسكو باعتبارها حقائق لا خيالات.
وأول ما نلحظه فى نهج عكاشة هو سعيه إلى أن يحيط نفسه بمجموعة من المستشارين والمثقفين ذوى الكفاءات المعروفة، حيث استعان بالراحل لويس عوض الذى كان يعمل آنذاك أستاذًا بجامعة دمشق، وكان تطوير مشروع الألف كتاب إحدى مهام الدكتور عكاشة العاجلة، ثم وضع خطة للنشر هدفها إتاحة الكتاب بقروش قليلة، وكان إنشاء مبنى جديد لدار الكتب إحدى المهام العاجلة كذلك بعد أن ارتفعت مقتنيات دار الكتب فى عام 1959 إلى 500 ألف مجلد، وهو المشروع الذى لم يكتمل حتى أوائل السبعينيات.
وصدر له أيضا كتاب "إعصار من الشرق" وأعادت طباعته دار الشروق عام 1992، تحدث فيه عكاشة عن زعيم التتار جنكيز خان يقول "ومما يؤسف له أن نذكر شيئاً وقع فى مدينة الرِّى، فقد كان هناك فى تلك المدينة مذاهب أربعة: الشافعى والحنفى ثم المالكى والحنبلى، وكان بين أصحاب المذهبين الأولين وأصحاب المذهبين الأخريين خلاف شديد، يجوز هذا بين الناس وقت السّلم ولكنه غير معقول أن يجوز فى وقت الحروب و العدوُّ على الأبواب، وغير معقول أن يستعين أصحاب مذهب من هذه المذاهب على غيره بأجنبى، لاسيما إذا كان ذلك الأجنبى على غير دين، فلقد رأينا أن قاضى القضاة الشافعى - انتقاما من خصومه الذين هم على دينه لا يفرِّقٌ بينهم غير اختلاف فى المذهب - يُسرع فينضم إلى الخان ويفتح له الأبواب ليستعين به على أهله و ذويه، ولما دخل المغول المدينة لم يرحموا رجلاً من رجال هذه المذاهب كلها".
ولم يغفل عكاشة التطرق للعمارة الإسلامية فكان له كتاب "القيم الجمالية فى العمارة الإسلامية" وقدمه له المعمارى الكبير حسن فتحى، ومن مؤلفاته أيضا كتاب "الفن والحياة".