جمال زهران

حديث «الصفقات السياسية»:«1-3»

الثلاثاء، 28 فبراير 2012 10:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ثارت أحاديث فى وسائل الإعلام وفى المنتديات الفكرية وفى الاجتماعات والمؤتمرات السياسية حول موضوع «الصفقة السياسية»، وقد أخذ بقدر كبير بحساسية مفرطة ممن وجهت إليهم هذه الأحاديث، باعتبارها شيئاً مهيناً لهم وللشعب المصرى الذى أقحم على الموضوع فى إطار المزيدات العامة، على حين تناوله البعض باعتباره «جريمة سياسية» تؤكد أن من يقومون بها ويعقدون هذه الصفقات يحرصون على تحقيق مصالحهم السياسية أكثر من حرصهم على المصلحة العامة، وعلى حساب الآخرين من المنافسين، وقد ثبت واستقر فى التحليل السياسى، أن موضوع «الصفقة السياسية» هو أمر قائم، وعادة ما يكون مؤقتاً وليس دائماً أو تكتيكيا «مرحليا»، وليس استراتيجيا «بعيد المدى»، وقد يحاول كل طرف من أطراف الصفقة أن يمسك بعناصر قوته قدر الإمكان لضمان استمرار الصفقة وحماية لمصالحه فى مواجهة الطرف والأطراف الأخرى، تجنباً لانقلاب مفاجئ من هذا أو ذاك، وقد تستمر هذه الصفقة على الوضع الذى عقدت فى إطاره أو من أجله، إلى حين تغير أو تغيير موازين القوى بين الأطراف لصالح طرف، فيقوم بالعصف بالطرف أو الأطراف الأخرى.
كما أنه من المستقر عليه أن تكون الصفقة مكتوبة أى موثقة فى صيغة عامة تتضمن واجبات كل طرف عليه أن يقوم بها وحده، دون أن تكون مقابل ما يفعله الآخرون لتجنب صيغة العقد أو الاتفاق المباشر، حيث يحرص كل طرف على أن تكون الاتفاقات والحقوق المتبادلة ضمنية أكثر مما هى صريحة ولتجنب اكتشافها فيما بعد على أنها صفقة سياسية موجهة ضد أحد فترتب التزامات قد لا يحتملها هذا الطرف أو ذاك مستقبلا فى ظل قيادات أخرى، وقد يكون هذا أو ذاك مستقبلا غير قادر على دفع الثمن الباهظ على المستوى السياسى فيما بعد.
كما أن «الصفقات السياسية» قد تعقد بين دولتين أو أكثر «أى خارج حدود الدولة فى مواجهة دولة أو دول أخرى»، وقد تعقد داخل الدولة بين قوى سياسية معينة «معارضة فى مواجهة الحزب الحاكم»، أو بين الحزب الحاكم وإحدى هذه القوى السياسية من المعارضة، وقد تكون بين رموز السلطة فى الفترات الانتقالية وبعض الفصائل دون الأخرى، وهكذا.
ومن ثم فإن حديث الصفقات حديث طويل، ويصعب نكرانه فى السياسة اليومية والعلاقات بين الأطراف السياسية، والسؤال هو: كيف يمكن التعرف على وجود «صفقة سياسية» من عدمه؟
والإجابة: أن الصفقة تعرف من خلال مخرجات كل طرف فى مواجهة الطرف الآخر، حيث يتسم كل ما يخرج عن هذا الطرف بالنبرة الهادئة فى تناول هذا وذاك من موضوعات ثم التفاهم بشأنها وتجنب كل طرف المواجهة المباشرة مع هذا الآخر أو ذاك، كما أن محاولة أى طرف للتغلب أو تجاوز الطرف الآخر، قد تدفع بهذا الآخر للرد الشديد دون نقل الخلاف إلى صراع فى إطار «جس النبض» حتى يطمئن كل طرف إلى ثبات الأطراف الأخرى على ما تم الاتفاق عليه على منضدة الاجتماع التى صيغت الصفقة حولها، وفى الغالب كما نلاحظ من استخدام «المنضدة»، وهو كناية عن أن الصفقة تعقد دائماً بعيدة عن العيون، ومن ثم أطلق عليه «اتفاقات ما تحت الترابيزة» أو من خلف ظهر الآخرين، أو بعيداً عن عيونهم!!
وفى المعنى الأخير فإن متابعة تصرف كل طرف ونمط سلوكه السياسى، هو المدخل لمعرفة مدى وجود صفقة سياسية بين طرف أو أكثر، وإذا تعددت الأطراف، قد تكون الصفقة مباشرة بين طرفين، ويقوم أحدهما بعقد الصفقة مع طرف ثالث، وقد يتم الاتصال بكل طرف على حدة مع الآخر دون أن يكون هناك لقاء ثلاثى أو أكثر يجمع هؤلاء معاً.
وعادة ما تكون «المصلحة السياسية» أحد مداخل فهم وجود الصفقة من عدمه أيضاً، حيث يتم البحث بين مدخلى المصلحة السياسية والمخرجات السياسية لكل طرف، ومن خلالهما نستطيع أن نفسر مدى وجود الصفقة من عدمه.
تلك مقدمة نظرية، لتفهم وتحليل ما يدور فى الشأن المصرى خلال الفترة الانتقالية بعد قيام ثورة 25 يناير 2011، وهل هناك صفقة أو صفقات سياسية أم لا؟ وإذا وجدت فما هى المصالح المشتركة التى تجمع كل الأطراف فى الصفقة؟ وهل تدل سلوكياتهم السياسية على وجود الصفقة السياسية من عدمه؟
فقد دارت الأحاديث عقب 11 فبراير 2011، وهو تاريخ إجبار الرئيس حسنى مبارك على التنحى حتى أصبح الرئيس المخلوع، حول وجود صفقة سياسية بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكرى، ويبدو أن مثل هذه الأحاديث قد مست وترا حساسا لدى قيادات الإخوان المسلمين، فاندفعوا تباعا يرفضون وجود صفقات سياسية مع المجلس العسكرى أو أى أحد آخر، ولم يكتفوا بالرفض بل وجهوا الاتهامات إلى كل من يشير إلى ذلك، معتبرين أن ذلك تهمة سياسية هم براء منها، وأن مثل هذه التحليلات التى تؤكد وجود الصفقة هى بمثابة «إهانة» للشعب المصرى، حيث تتم الصفقات من وراء ظهره وكأنه مغيب وغير واعٍ بما يحدث، وهو القادر على الاختيار الحقيقى، بل اتهموا من يقول ذلك بأنهم مجموعة من الفاشلين فى الانتخابات البرلمانية «مجلس الشعب»، وأرادوا أن يبرروا فشلهم بمثل هذه المغالطات والأقاويل على الإخوان المسلمين الذين ضحوا من أجل الوطن.. إلخ!!
وقد تناسى هؤلاء أن هذه الأقاويل وتلك التحليلات بوجود صفقة، تتردد عقب تنحى مبارك، وبالتالى ليست هناك علاقة بين الأقاويل وانتخابات مجلس الشعب، كما أن تصريحات مرشد الإخوان السابق فى أحاديث صحفية متعددة أكد فيها أن الإخوان عقدوا صفقة مع أمن الدولة فى عام 2005 تم بمقتضاها نجاح 88 نائباً للإخوان فقط، وأن نسبتهم فى البرلمان لا يجب أن تتجاوز الـ%20 فقط، كما أكدت قيادات إخوانية أخرى أنه كانت هناك اتفاقات مع أمن الدولة ألا تنزل جماهير الإخوان الشارع يوم 25 يناير 2011، فاكتفى الإخوان بنزول رموز محدودة ونواب برلمان سابقين، وما سبق أن أشرت إليه موثق لدىّ ومنشور فى الإعلام دون مبالغة أو تهوين، ولا أفضل ذكر الأسماء من قيادات الإخوان الذين قالوا ذلك، وفى هذا السياق، وفى ظل منهج التحليل من خلال بعدين «المصلحة والسلوك» يمكن ترجيح وجود صفقة سياسية ذات أطراف ثلاثة فى إدارة الفترة الانتقالية على النحو التالى:
أولاً: المجلس العسكرى: استهدف من الصفقة ما يلى:
1 - استمرار نظام مبارك بكل رموزه وتفاعلاته وقواعده وسياساته.
2 - تمرير أسلوب الإصلاحات التدريجية والبطيئة تفاديا لأحداث التغيير الجذرى الذى تفرضه الثورات عادة.
3 - الخروج الآمن للمجلس العسكرى دون محاسبة على أية إجراءات أو تصرفات قام بها خلال الفترة الانتقالية أو باعتبار أعضاء المجلس جزءاً من نظام مبارك الفاسد، بحيث لا تتم مقاضاتهم أبداً.
4 - تجنب العزل السياسى لقيادات الحزب الوطنى ورموز النظام السابق، رهانا على نجاح بعضهم ليشكلوا جبهة داعمة للمجلس العسكرى فى البرلمان.
5 - تجنب إجراء محاكمات ثورية، وتشكيل محاكم ثورية استثنائية والاكتفاء بالمحاكمات العادية طويلة الأمد التى تستهلك الثورة والثوار وقد تؤدى إلى أحكام جزئية أو براءات فى الغالب لعدم ثبوت الأدلة!!
6 - الاحتفاظ بوضع القوات المسلحة كآلية لضمان حماية الدستور والتدخل عند اللزوم عند خروج أى طرف من القوى السياسية عما هو مرسوم.
7 - تمكين فصيل سياسى محدد من مجلسى الشعب والشورى ليحتل الغالبية التى تمكنهم من تحقيق أهدافهم السابقة دون دفع تكلفة سياسية باهظة جراء إجهاض عملية التوريث وإجبار حسنى مبارك على التنحى، ويشترط أن يكون هذا الفصيل هو الأكثر تنظيماً والأكثر شعبية والأكثر قبولاً للصفقة والأكثر قبولا عن أطراف دولية وإقليمية ولا شك: أنه بتحليل سلوكيات المجلس العسكرى لترجمة هذه الأهداف يتضح ما يلى:
1 - أنه وجد فى فصيل الإخوان المسلمين دون غيرهم، السبيل لترجمة كل أهدافهم وطموحاتهم، فبدأوا على الفور فى الاتفاق معهم، وقد بدأ ذلك بتشكيل لجنة لتعديل الدستور - بنفس منطق مبارك وعمر سليمان - كأول خطوة لإجهاض الثورة واختزالها فى التعديلات والإجراءات، وبإشراك شخصيات إخوانية الهوى والواقع ثم سارت الأمور تباعا بإجراء الاستفتاء على عجل لخلق واقع وشق صفوف القوى الثورية.
2 - توالى إصدار التعديلات على قانون تلو الآخر، دون عمل قانون جديد مثل الحقوق السياسية، والأحزاب، والشعب والشورى.. إلخ، واكتفى بمنهج التعديلات على قوانين أساسية دون مساسها بقوانين بديلة، لتأكيد معنى «النهج الإصلاحى» دون «النهج الثورى التغييرى»، وقد اكتفى المجلس العسكرى بقانون المظاهرات وتجريمها ليحول دون استمرارها، ولكنه فشل تماما فى تطبيقه نظرا للرفض الشعبى والثورى لهذا القانون الذى طالبوا جميعاً بإسقاطه.
3 - أصر المجلس العسكرى على عدم تطبيق العزل السياسى لقيادات النظام السابق، وسمح لهم بتكوين الأحزاب السياسية التى وصلت إلى نحو «10» أحزاب جديدة، وسمح لهم بالترشح فى الانتخابات البرلمانية، وسمح لهم بإنشاء قنوات فضائية، مستخدما أدوات النظام الإعلامية فى استمرار نظام مبارك شكلا وفعلا.
4 - انتهاج سياسة رد الفعل إزاء ضغوط الشارع دون مبادرات من المجلس العسكرى التزاما بمتطلبات الثورة، حيث تم تقديم مبارك للمحاكمة فى ظل مليونيات الثوار المتكررة، وتغيير الحكومة أكثر من مرة «إسقاط شفيق واستبداله بشرف، ثم الجنزورى»، وجمعيهم من رموز مبارك وحكمه.
5 - طرح وثيقتى المبادئ العامة للدستور والمعروفة بالفوق دستورية، أو الحاكمة للدستور، والتى تضمنت وضعا مستقلاً للقوات المسلحة سواء الميزانية الخاصة بها وقوانينها.. إلخ، بالإضافة إلى قواعد تشكيل لجنة الدستور.
6 - انتهاج سياسة التنكيل بالثوار وتقديمهم لمحاكم عسكرية دون غيرهم من تيارات سياسية أخرى، الأمر الذى يقضى بوجود صفقة، حيث لم يثبت اعتراض القوى الإسلامية على ذلك حينه إلا بإصدار بيانات خجلا، وبمنطق سد الذرائع!!
7 - رفض تشكيل محكمة ثورية، والاكتفاء بما يتم من محاكمات محدودة، مع إجهاض قانون الغدر، وعدم عزل النائب العام باعتباره من رموز مبارك المطلوب استمراره تحقيقاً لأهداف المجلس العسكرى، مع خفوت صوت الإخوان إزاء ذلك باستثناء بعض التصريحات المحدودة، وتفهم فى سياق تصفية الحسابات أكثر من دعم الثورة.
8 - استخدام القوة فى فض المظاهرات، دون تصدٍ واضح من الإخوان المسلمين، اكتفاء بالبيانات الشفهية والشكلية، وظهر ذلك واضحا فى أحداث ماسبيرو، وشارع محمد محمود، وشارع مجلس الوزراء والشعب.
وأخيراً: الإعداد للتوافق مع قوى دولية وإقليمية بقبول واضح من المجلس العسكرى، وللحديث بقية فى المقال القادم، ومازال الحوار مستمراً ومتصلاً.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة