إنتاج الأسماك انخفض بسبب التغاضى عن الصيد الجائر.. و«رخص الصيد» يحتكرها التجار
«البردويل» هى البحيرة الثانية على مستوى بحيرات مصر من حيث المساحة والأكثر إنتاجية أيضا ومصدر الرزق الوحيد لعائلات حوالى 10 آلاف صياد من أبناء سيناء، منذ عودة البحيرة إلى مصر بعد خروج الاحتلال الصهيونى، إلا أن الدولة سحبت يديها من مشاكلهم ولم توفر لهم فرص عمل مناسبة.

على بعد 30 كم من كوبرى السلام بوابة المرور إلى شمال سيناء تقع مدينة بئر العبد، التى تضم بحيرة البردويل على مساحة 165 ألف فدان، المدينة هادئة ساكنة لا تظهر فيها حركة رواج بيع الأسماك أو حتى نقلها، عرفنا بعد ذلك أن الصيد فى فترة «منع» تبدأ من ديسمبر وتنتهى منتصف أبريل، والتى تعتمد فيها الأسماك على التكاثر قبل موسم الصيد. وتبلغ مراكب الصيد العاملة فى البحيرة 1228 مركبا يتنوع إنتاجها ما بين الجمبرى والكابوريا والبورى والدنيس والطوبارة وسمك الموسى والدهبانة.. سكون المدينة الذى شعرنا به لم يكن يعبر عما يدور خلف أسوار البيوت فى قرية رمانة التى يسكن فيها أغلب الصيادين، فما بين زخم استعداداتهم لتحضير الشباك وإعادة صيانة المراكب والعدة، أنين يكوى قلوبهم وهموم تلازمهم بعدما تدهورت مهنة الصيد من البحيرة على مدى السنوات الماضية، فما كادوا يروننا حتى أعلنوا أن لا أحد يسمعهم ولا يتحرك تجاههم، واشتكوا مر الشكوى من ملاحقة أصحاب الديون الذين يلجأون للقضاء، بينما يضرب الفقر بجذوره بين الصيادين.

سعيد أبوفريشخ، عضو جمعية 6 أكتوبر، يشرح كيف تدهورت مهنة الصيد فى البحيرة وانخفضت الانتاجية لاقل من 10 أضعاف عما كانت تنتجه منذ 10 سنوات فقط ويقول: «أغلب صيادى الأسماك هنا يتوارثون المهنة من آبائهم لذا نعرف أصولها عن جدارة، لكن فى الفترة الأخيرة ومع غياب الرقابة بدأنا نرصد العديد من الأفعال المستحدثة التى تضر بالثروة السمكية مثل الجر والذى يعتمد فيه الصيادون على شباك رفيعة ينزلونها حتى تصل إلى تربة البحيرة نفسها ثم يقومون بمسح المنطقة كلها لاصطياد الجمبرى الذى يتركز على مسافة 5 سم تحت سطح التربة، ورغم أن الجمبرى غالٍ فإن ذلك يؤثر على بقية الأسماك فتقوم هذه الشباك باصطياد الذريعة الصغيرة، كما أنها تدمر الأشجار الصغيرة التى يتغذى عليها السمك»، ويضيف: «رفعنا عشرات الشكاوى للمسؤولين لوقف هذه السلوكيات التى تكاد تدمر البحيرة، لكن دون جدوى، كما أننا لا نجد أى عقوبات على الصيادين الذين يقومون بمثل هذه الأفعال، وكأن المسؤولين قرروا أن يتخلوا عنا أو يدعموا مثل هؤلاء الصيادين وغيرهم ممن يقومون بالصيد عند البواغيز، وهى المنطقة الممنوع العمل فيها لأنها تمثل مدخل البحيرة والصيد فيها يضر بالأسماك، وفوجئنا بأن عددا منهم يحملون تراخيص للصيد هناك بما يخالف القانون».

يتدخل الحاج سليمان، أحد الصيادين، ويقول: «إحنا اتولدنا ملقيناش قدامنا إلا مهنة الصيد وماينفعش نفكر فى حاجة تانية خصوصا أن أبناء سيناء لا يتوافر لهم أى عمل حكومى حتى، ولو كنا حاصلين على شهادات عليا، لكن أوضاع الصيادين اتدهورت بشدة لدرجة أننا مع نهاية الموسم بنلاقى نفسنا خسرانين الحكومة أوقفت استخراج رخص جديدة لمراكب الصيد حتى عام، والرخص السارية يحتكرها التجار ويبيعونها إلى الصيادين حتى وصل سعرها إلى 150 ألف جنيه، وهو ما لا نقدر عليه فنضطر إلى تأجيرها سنويا إلا أن ذلك يلزمنا بشروط أخرى، أهمها أن الإنتاج يجب أن أبيعه لهذا التاجر، وبالسعر الذى يحدده كما أننى أتحمل نفقات صيانة، وإعداد الشباك كل سنة فيجد الصياد نفسه فى النهاية مدانا، وكل ذلك دون أى تأمين صحى ولا جهة تضمن عدم تشرد أسرة الصياد إذا ما حدث له أى مكروه».

الإهمال الذى اتهم به الصيادون هيئة الثروة السمكية يتمثل فى مسؤوليتها عن تنظيف البواغيز، «وهى الفتحات التى تربط بين البحر المتوسط والبحيرة والسبيل لدخول الأسماك»، موضحين أن عملية التنظيف لا تتم باستمرار مما يؤدى إلى ردم البواغيز، بسبب العوامل الطبيعية، وبالتالى إعاقة الأسماك عند دخولها من البحر إلى البحيرة، مشيرين إلى أن «الكراكات» التى اشترتها الهيئة لا تعمل، على عكس ما أعلنته الهيئة على موقعها، والتى ادعت فيه تنفيذ أعمال حماية للبواغيز باستخدام معدات تم توريدها ضمن منحة السوق الأوروبية المشتركة، ويعلق سليمان على ذلك، قائلا: «يحصلون من الصياد على 2 جنيه عن كل كيلو، ولا يقدمون له أى خدمات ولو حتى صحية».

أما التضارب الذى تحدث عنه الصيادون، فيفسره سعيد، قائلا: «يدير البحيرة منظومتان، هما حرس الحدود وشرطة المسطحات المائية، وغالبا ما يحدث التضارب بينهما فى التعامل مع الصياد، ويتم التعامل معه، وكأنه سوف يسرق، يقف فى طوابير لكى يحصل على دفتر يومه، وإذا حدث أى مشكلة معه تتم محاكمته عسكريا رغم أننا جهة مدنية».

عطية أحد الصيادين قال إن وزارة الزراعة أعلنت فى الفترة الأخيرة عن زيادة عدد الرخص بنسبة %10 كل عام، ورغم أنه تقدم وغيره من الصيادين للحصول على رخصة إلا أنه لم يحصل أى منهم عليها، ويقول «هو إحنا لازم نكون من المسؤولين عشان ناخدها، وبعدين نأجرها للصياد الغلبان بالآلاف».. سلامة حسن، صياد، لم تشفع له حصوله على ليسانس الحقوق أن يعمل فى سلك النيابة، كما كان يتمنى، فالأصل لدى كل أبناء سيناء أنهم لا يحصلون على الوظائف العليا ولا حتى الحكومية، فانضم إلى والده للعمل معه على مركبة بأجرة يومية يتم احتسابها بناء على الإنتاج، أشار إلى أن شهور المنع، وهى 5 أشهر يبقى فيها الصياد «عاطل»، وربح الصيد طوال العام لا يكفيه لتغطية نفقاته فى هذه الشهور.

سلامة وباقى الصيادين طالبوا ببناء ميناء على شاطئ البحر حتى يستمر الصيد فى شهور المنع بمنطقة 6 أكتوبر، ورغم حصولهم على جميع الموافقات من القوات المسلحة والجهات الأمنية، وإقرار المشروع فى الهيئة إلا أن أعواما مرت دون أن يرد عليهم أى مسؤول بمصير المشروع، أما المشكلة الأكثر جدلا بين الصيادين والتى قاموا بسببها برفع دعوى قضائية فهى «المحطة البخارية» بالقرب من البحيرة على شاطئ البحر المتوسط، فهى وفقا لسعيد فريشخ، تولد الكهرباء بالطاقة المائية من خلال شفط المياه إلى داخل المولدات والتى يدخل معها الأسماك وتتعرض للأحماض والمياه الساخنة التى تختلط بمياه البحر فتموت.. ويضيف: «لم يحرك أحد ساكنا تجاه المحطة التى يملكها رأسمال أجنبى، فى مقابل أن أى صياد مجرد أن يقترب من البواغيز حتى لو ضل طريقه يتم القبض عليه فى ظل عدم وجود نقطة إغاثة تساعده».

«قلعة العريش».. بوابة مصر الفرعونية تتحول إلى مقلب للقمامة ومأوى للحيوانات
وزارة الثقافة خصصت 6 ملايين جنيه لترميمها.. ثم تركتها فريسة لبائعى سوق الخميس
لم تكن السياحة بحال أفضل من غيرها من القطاعات فى محافظة شمال سيناء، فالإهمال الذى طال الخدمات الأساسية للمواطنين، لم يبال بوضع المنشآت السياحية فى نفس المحافظة، وتعد «قلعة العريش» مثالا صارخا لذلك، فعلى الرغم من أنها تعد الأثر الوحيد الموجود فى مدينة العريش، التى يعود تاريخها لعصر الفراعنة المصريين، إلا أنه فى عصر نظام مبارك تحولت إلى مقلب للقمامة ومأوى للحيوانات.
قبل زيارة «اليوم السابع» لقلعة العريش سألنا أحد مواطنى المدينة عن مكانها، فاعتقد أننا نرغب فى زيارتها للسياحة والتمتع بجمال منظرها، وسارع بالقول «منصحكوش تزوروها».
جملة المواطن العرايشى أثارت العديد من الأسئلة التى ضاعفت لدينا الإصرار بضرورة زيارتها، خصوصا أنها تقع إلى جانب «سوق الخميس» وهى أحد الأسواق الأسبوعية التى يعرض فيها التجار والبائعون بضاعتهم أمام المواطنين، وهو ما يثير علامات تعجب واستفهام حول ترك هذه السوق بجوار قلعة تحمل هذا التاريخ الطويل من الزمن، مما يعرضها للعبث والمخاطر.
اصطحبنا إلى القلعة شاب يدعى معتصم، الذى قال وهو يشير بيده اليمنى «لم يبق منها سوى سور»، السور الذى يتحدث عنه معتصم تحيط به كميات ضخمة من القمامة، وأمامه حفرة كبيرة تظهر على جوانبها ملامح سلم قديم، قال لنا أحد قاطنى المنطقة إنه يؤدى إلى نفق يدور حول مدينة العريش. لم يطل صمتنا طويلا، فقد قاطعنا محمد، طفل صغير بدا عليه الغضب جاء ينهرنا «بتصوروا إيه؟ انتوا خدتوا الإذن من الشيخ؟»، وطلبنا منه أن يوصلنا إلى الشيخ.
خطوات قليلة بعيدا عن القلعة التى تلاصقها منطقة سكنية تتفحصنا عيون المواطنين أسفل المنازل التى تشير إلى التعرف علينا كأغراب عن المنطقة، يصطحبنا محمد «الغاضب» إلى بوابة حديدية مغلقة بالجنازير، ليخرج إلينا رجل فى الخمسينيات من عمره، رفض البوح باسمه، كما تحدث إلينا من خلف البوابة، مكررا نفس سؤال محمد «انتوا بتصوروا إيه؟».
لم تشفع كلماتنا بأننا صحفيون للرجل الذى عرفنا منه أنه حارس القلعة المعين من قبل وزارة الثقافة، مفسرا ذلك بأنه يحافظ على مهنته، وأن الأوامر عنده منع الاقتراب أو التصوير بجانب القلعة إلا بورقة كتابية من مكتب الوزارة فى القاهرة، كلمات زادت من دهشتنا أكثر، فالقلعة التى يحرسها ما هى إلا حطام.
الحارس الذى لم نعرف اسمه لم يكن يعرف عن القلعة إلا اسمها فلا يعلم تاريخها، ولا حتى أهميتها، فهو لا يعرف أنها تعود إلى فترة العصور الفرعونية الوسطى، وتم هدم أجزاء منها أثناء الحكم العثمانى، حيث أصدر السلطان العثمانى سليمان القانونى بن السلطان سليم الأول فرمانا بإعادة إنشائها من جديد عام 1560 على مساحة 575 مترا، وأضاف عليها إنشاء مساكن للجنود وبئر بداخلها.
البحث فيما تم نشره من أخبار حول القلعة يشير بأصابع الاتهام إلى قيادات وزارة الثقافة ومحافظة شمال سيناء الذين تتسارع تصريحاتهم إلى تشكيل اللجان وإقرار المشروعات بملايين الجنيهات لإعادة ترميم القلعة وإعادة رونقها التاريخى، والأهم أن المجلس الأعلى للآثار حدد فى عام 2009 مبلغ 6 ملايين جنيه لتطوير القلعة فى إطار سياسة وزارة الثقافة لوضعها على الخريطة السياحية، وحتى هذه اللحظة لا تزال طلبات الاستغاثة تخرج من المثقفين الموجودين فى سيناء من أجل اللحاق بالقلعة قبل اندثارها، خاصة أن المواطنين الذين يعيشون فى المنطقة لا يهتمون بها وهو ما أكده محمود أحد بائعى سوق الخميس، الذى قال «المهم أكل العيش سياحة إيه بس» هذه العبارة تعكس عدم وعى المواطنين بأهمية السياحة باعتبارها أحد مصادر الدخل الرئيسية فى المجتمع التى بمقدورنا أن نجعلها المصدر الأول فى الدخل القومى للبلاد لما نتملكه من حضارة فاقت فى عظمتها كل حضارات العالم.