تبدو الحسرة واجبة إذا طالعنا بيان الحكومة الذى ألقاه السيد كمال الجنزورى أمام مجلس الشعب، فقد خلا البيان المتهافت من أى ذكر لكلمة ثقافة، كما تجاهل السيد رئيس الحكومة أن لهذه «الثقافة» وزارة ربما تكون محترمة، ولها ميزانية من أموال الشعب، وعليها مسؤوليات وتحديات وواجبات، فقد أثبت هذا البيان أن الحكومة لا تقرأ ولا تتثقف ولا تضع الثقافة فى حسبانها، بما يعنى أنه إذا ما طبقنا الحكمة الشهيرة «قل لى ماذا تقرأ أقول لك من أنت» فسنكتشف أننا «عدم».
مصر ليست عدم يا سيادة رئيس الوزراء، لكن حكومتك هى التى لا تساوى شيئا إذا ما قورنت بمصر وثقافتها وحضارتها وسموها وريادتها، ولا أعرف متى سينعم الله علينا بحكومات تعرف قيمة مصر وتعمل على تدعيمها، وبالطبع فإن العيب ليست فيك ولا فى وزرائك ومخططيك، وإنما فيمن اختارك لترسم سياسة مصر، وأنت لا تفقه فى الرسم، ولا الشعر، ولا المسرح شيئا، وليس غريبا على حكومة المجلس العسكرى الذى عينه مبارك بما يتميز من جهل عصامى أن تتجاهل الثقافة والآثار، وأن تنساها وتهجرها، بما يعنى أنها لا تتجاهلها فقط وإنما تعاديها وتحاربها، ليستمر سيناريو تجهيل الشعب وإفقاره حضاريا، بالتوازى مع إفقاره ماديا.
خمسون صفحة هى عدد صفحات بيان الحكومة، أخذت أقلب فيها لأرى للثقافة طيفا ولو خفيفا، لكنى للأسف لم أجد، والأدهى أن غياب الثقافة لم يظهر فقط فى مشروعات الحكومة وإنما وضح أيما وضوح فى صياغة البيان الركيكة المفككة التى تفتقد لأدنى قواعد بناء الجملة، وأدنى مستوى للخيال، ولو كان عند كاتب البيان ثقافة تذكر لعرف أن ما كتبه لا يصح أبدا أن يكون بيانا للحكومة وإنما «طق حنك» يفتقد إلى الرؤية والعمق والتخطيط السليم، فالبيان عديم «البنية» باهت المفاهيم ملتبس المعانى.. فمثلا يتكلم البيان عن إعادة هيكلة الشرطة وحينما يأتى إلى التفصيل تجده يقول إن الحكومة ستعمل على توفير معدات التسليح واستكمال المقار الشرطية الخربة وإمدادها بالسيارات المعاونة، ما يدل على أن رئيس الحكومة لا يعرف معانى الكلمات ولا يعرف الفرق بين إعادة التجهيز، وإعادة الهيكلة.
يشاء الله أن يرزقنا فى الوقت الذى نتلهف فيه لمن يؤكد على هويتنا وحضارتنا وثقافتنا برئيس حكومة لا يهتم إلا ببدلته التى لم يغيرها فى أوقات الكوارث، ولو علم السيد كمال ما يمكن أن تضيفه الثقافة إلى مجتمعنا لكرس نصف هذا البيان على الأقل للحديث عن المشاريع الثقافية التى سيغير بها بنية المجتمع ويطورها ويحدثها، إذ لا أبالغ إن قلت إن أعظم مشكلاتنا تنتظر الحل الثقافى أولا، وليس الحل الأمنى ولا الاقتصادى، دون أن ننقص من قدر هذه المجالات شيئا، فالأزمة المرورية ثقافية بالأساس، ومجابهة ما يسمى بـ «مخطط تقسيم مصر» مشكلة ثقافية بالأساس، وإذكاء روح الانتماء وتدعيم العمل من أجل الوطن مشكلة ثقافية بالأساس، وإنماء فكرة الاستثمار المفتقدة وتدعيم روح المغامرة المثمرة مشكلة ثقافية بالأساس، وكل مشكلات انتشار العنف والتطرف والتواكل والتخاذل وفقر الخيال وإلقاء القمامة فى الشوارع، مشكلات ثقافية فى الأساس، تنتظر حلا ثقافيا عاجلا، لا تجاهلا ممقوتا مميتا ياسيادة رئيس الوزراء.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
التكية