حدود مصر.. أطراف بلا حياة.. الصناعة فى شمال سيناء.. مصانع وشركات لـ «الأغراب والكبار» والمواطنون يتوارثون الفقر والحرف اليدوية

الإثنين، 27 فبراير 2012 12:07 م
حدود مصر.. أطراف بلا حياة.. الصناعة فى شمال سيناء.. مصانع وشركات لـ «الأغراب والكبار» والمواطنون يتوارثون الفقر والحرف اليدوية محررة "ليوم السابع" مع أصحاب الورش
تحقيق آية نبيل - تصوير محمد نبيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الطريق من العريش إلى وسط سيناء شاقّا.. فالمسافة طويلة والطريق غير ممهد، قطعنا الصحراء الشاسعة وسط السلاسل الجبلية، يقول أفراد الأمن إنها تؤوى «المطاريد» حيث تزداد حوادث الخطف وقطع الطرق.. البيوت متشابهة بسيطة يغطيها الخوص، وداخلها يجلس الأطفال على الحصير مبتسمين لا يعرفون ماذا ينتظرهم فى المستقبل، سوى الجوع والفقر والبطالة.

بوسط سيناء يتذوق آلاف مرارة الحياة.. فبجانب افتقادهم للخدمات الأساسية من مياه شرب نقية ورعاية صحية تأتى مشكلة عدم توافر الكهرباء بالإضافة إلى أزمة الورش الحرفية فى المنطقة الصناعية لتستكمل حلقة الإهمال.



عدم مد الدولة خطوط المياه أو الكهرباء لم يكن بالأمر الغريب فى وسط سيناء التى يعتمد أغلب سكانها تقريبًا على السيارات التابعة للشركة القابضة للمياه فى العريش، وتصل تكلفة النقلة الواحدة إلى 200 جنيه، لكنّ الغريب أن سكان القرى لم يروا الكهرباء إلا عن طريق «وصلة» من غرفة الخفير النظامى لتعمل عليها كشافات الكهرباء لكنها لا تتحمل الأجهزة.

تقول أم محمد: «مش عارفين لو مشينا نروح فين، أغلب الناس هنا يعيشون على شكاير القمح الذى نحصل عليه من التموين حتى أنابيب البوتاجاز نضطر إلى تأجير سيارة خاصة عشان نجيبها من المحطة فى العريش».



الشلاق

فى الناحية الأخرى من العريش، وفى طريقك إلى مدينة الشيخ زويد، تقابلك لافتة مكتوب عليها «قرية الشلاق» تتكون القرية من مبان متراصة، وتعتبر من أفضل قرى وسط سيناء، تفصلها طرق طينية قامت على الجهود الأهلية، فالمحافظة هنا لا تهتم سوى برصف الطريق الرئيسى، ترتسم على وجوهنا ابتسامة فور رؤيتنا بعض المدارس الابتدائية والإعدادية، لكنها لا تستمر كثيرًا فور علمنا بأن أبناء القرية يتوقف تعليمهم عند المرحلة الإعدادية بسبب المسافة الطويلة التى تفصلهم عن أقرب مدرسة ثانوية وتبلغ 37 كيلومترًا.



داخل الشلاق ترى أسلاكًا عارية لا تأتى إليها الكهرباء إلا أيامًا معدودة كل أسبوع، وخزانات فوق المبانى يملؤها الصدأ، تنتظر سيارات المياه التى لا تأتى إلا كل 3 شهور وأيادىَ عاطلة عن العمل لم تعد ينتظر أصحابها التعيين من خلال الشهادات التى حصلوا عليها فاتجهت أغلبها إلى الزراعة، كل هذه المشاهد تتغير أمام شركة جاسكو المسؤولة عن خط الغاز المصدر إلى إسرائيل ما بين الحراسة المشددة والطرق الممهدة والتى يخرج منها أتوبيسات الشركة.

سمير المقلوظ، أحد أبناء القرية من قبيلة السواركة، يقول: «الشركة اتبنت على أراضينا التى كنا نزرعها زيتونًا وخوخًا وبطيخًا وكانت تفتح بيوتًا كثيرة فى القرية، ورغم رصد 7 ملايين جنيه كتعويض عن الأراضى لم تحصل كل العائلات سوى على 3 ملايين جنيه وبعد توزيعها وجد الفرد أنه لم يحصل إلا على مبلغ قليل جدّا لا يكفيه كى يشترى أرضًا أخرى، ولا نعلم حتى الآن مصير الـ 4 ملايين التى تسلمتها المحافظة ولم نتسلمها».



ويضيف المقلوظ: «الشركة لم تكتفِ بالمساحة التى حصلت عليها من الحكومة، وهى كيلومتر مربع، ولكنها فرضت سطوتها على جانب كبير من الأراضى المحيطة بها تشكل حرمًا للشركة وتمنع الحراسات الخاصة بها الاقتراب منها، بما يعادل مساحة 3 كيلومترات مربعة، ولم يحصل أصحابها على أى تعويضات مقابل سيطرة الشركة عليها، وهو ما تحققنا منه بالفعل، حينما منعنا حارس الشركة من المرور حتى من البوابة للذهاب إلى أرض سمير التى تقع خارج نطاق الشركة».

الحارس الذى كان يملك جزءًا من أرض الشركة فوظفته «غفيرًا» كجزء من التعويض منعنا بقوة من الدخول إلا بموافقة الأجهزة الأمنية والحصول على جواب منها وهو الأمر الذى أكد الأهالى أنه تغير بعد الثورة حيث كان المنع فى السابق من مجرد الاقتراب من البوابات وإطلاق النار فى حالة عدم الاستجابة للتعليمات بالابتعاد.



الشكوى نفسها يرددها كثير من الأهالى الذين يؤكدون أن السجون كانت مصير من كان يتحدث منهم فى عهد النظام السابق، وأن الغاز المصرى الذى تبيعه الشركة إلى المصانع والمنازل الإسرائيلية محرومة منه منازلهم التى يُعتصر أبناؤها فى رحلة ملء «أنبوبة» البوتاجاز من محطة الشيخ زويد مقابل 30 جنيهًا.

تفجيرات خط الغاز الذى يؤكد أهالى القرية أن فاعليها من خارج البدو لم تؤثر على القرية بقدر ما تثيره من رعب داخلهم من أن تطول يده الشركة، وهو ما حدث بالفعل، وفقًا لما يقول سمير المقلوظ باستهداف الشركة من قبل، لكن التفجير جاء فى خزان المياه التابع للشركة، يقول: «هذا دليل على أن من قام بتنفيذ تلك الهجمات ليس من البدو الذين يعلمون كل تفاصيل الشركة، لكن لو تم استهداف المصفاة فسيبقى هناك خطورة على كل القرى المحيطة فى ظل عدم وجود وسائل أمان صناعى».



«الشلاق» لا يملك سكانها الذين يتعدون ألفى نسمة إلا مخبزًا واحدًا، ولا تجد فيها نقطة شرطة ولا حتى فرد أمن، عكس الأعداد المتواجدة لدى شركة الغاز، خدماتها تعتمد على المجهود الذاتى، تبرع أبناؤها بقطعة أرض لبناء مدرسة ثانوية لاهتمامهم باستكمال أبنائهم التعليم، لكن وزارة التربية والتعليم لم تعرهم اهتمامًا، وسار على دربها المجلس القومى للشباب والرياضة الذى حصل على تنازل عن قطعة أرض كبيرة من الأهالى لتحويلها إلى نادٍ يستوعب شباب القرية منذ 1995 لكنها مازالت أرضًا جرداء حتى الآن، وهذا التجاهل دفع ساكنى أطراف القرية إلى تأجير شقق لتعليم أطفالهم لعدم وجود مدارس قريبة منهم».

المنطقة الصناعية

هنا أطراف مدينة العريش، حيث المنطقة الصناعية التى تضم 400 ورشة حرفية، يعانى أصحابها من فقدان مصدر الرزق الوحيد لهم بسبب أخطاء إدارية، وسوء تعامل مع البدو العائشين على الأرض منذ مئات السنين.

المشكلة بدأت منذ عام 2004 كما يقول «محمود محمد»، أمين عام نقابة الورش الصناعية بشمال سيناء، مضيفًا: «أجبرت المحافظة أصحاب الورش الموجودين داخل مدينة العريش على شراء الأراضى التى طرحتها لإقامة منطقة صناعية خارج نطاق المدينة، منعًا للتلوث، مقابل 12 جنيهًا للمتر الواحد، 3 جنيهات قيمة الأرض و9 جنيهات سعر المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحى، على أن تكون المحافظة مسؤولة عن إدخال المرافق، ويضيف محمود، عند استلام الأرض فوجئنا بأن المحافظة لم تدفع مبلغ التعويض الذى قررته لأصحاب الأرض من البدو والذين يعيشون عليها منذ مئات السنين مما أوقعنا فى أزمة معهم، حيث طالبونا بدفع مقابل الأرض وإلا فلن يسلموها لنا».



وأمام ورشته التى انهمك فيها الصنايعية بالعمل قال محمود محمد حسن: «مش عارف أوصل لأرضى الجديدة لأن البدو يطالبوننى بثمنها ومديون بـ 12 ألف جنيه غرامة لأنى لم أنتقل إليها، والمحافظة لا تتخذ أى إجراء لحل المشكلة، وسايبانا نضرب فى بعض»، مضيفًا: «أنا متعاطف مع البدو لأن دى أرض جدودهم وكانوا يقومون بالزراعة فيها، ولا أعلم سبب تقاعس المحافظة عن تعويضهم حتى الآن».

حال الصناعة فى العريش كباقى مدن شمال سيناء يعتمد بالكاد على الحرف اليدوية والمهنية التى تقوم على مجهود أصحابها، عدا ذلك لا تجد سوى مصانع وشركات كبرى لا يستفيد منها إلا أصحابها، ومحروم منها أبناء الأرض.



على أبوعجوة، نقيب الورش الصناعية، يفسر الأزمة قائلاً: «المناطق الصناعية التى أقامتها المحافظة فى باقى المدن كانت بقرار من هيئة التنمية الصناعية، لكن فى العريش اتخذ القرار المجلس المحلى، لذلك الهيئة غير مسؤولة عن توصيل المرافق على حسابها، فى الوقت الذى قام فيه المجلس بتحصيل ثمن الأراضى وأوهمنا بأنه يشمل المرافق، أما الأزمة الثانية فهى عدم تقنين أوضاع القاطنين فى الأرض نفسها واتباع المنطق الأمنى ذاته الذى يعانى منه سكان شمال سيناء بعد طرد المواطنين وهدم العشش وتحويلهم من مزارعين إلى عاطلين».

أبوصلاح الذى وقف يستمع إلى تدخل قائلاً: «اختيار الحى لهذه المنطقة لنقل الورش الصناعية جريمة، لأنه يهدر مئات الفدادين الصالحة للزراعة ومياه آبار تستطيع أن تغطى احتياجات العريش بأكملها».



يتجول معنا أبوصلاح، مشيرًا بقايا النخيل الذى حلت محله المبانى، لنصل إلى إحدى الآبار المردومة والتى امتلأت بالقمامة وأعمال الهدم لنقابل مسعود، الذى عرف نفسه بأنه أحد المجاهدين فى الجيش إبان نكسة 1967 قائلاً: «البير دى شربت منها كتيبتان من الجيش أيام الحرب، واتزرع من مياهه آلاف النخيل وأشجار الزيتون والخوخ والبطيخ، لكن موظفى المحافظة أخذوا الأراضى منّا دون حتى أن يعطونا جزءًا منها لنستخدمها فى أى حرفة نأكل من خلالها».

لماذا لم تظهر هذه الاحتجاجات قبل الثورة؟ وجدنا نفس الإجابة: الملاحقة الأمنية لم تكن تترك منهم أحدًا يتحدث إلا وكممت فمه بوضعه فى السجن أو الضغط عليه حتى يتراجع مثل الحاج صباح الذى أوكله الأهالى للتقاضى أمام المحكمة باسمهم للمطالبة بمبلغ الـ 4 ملايين الذى خصصته المحافظة كتعويض، إلا أنه فجأة تنازل عن القضية.

مزارع النخيل والشعير الذى تحيط بالمنطقة الصناعية تشعل النار فى نفوس أصحابها والذين يتعاملون مع النخيل كجزء من عائلاتهم لا يجب التخلى عنه، تملؤك الحسرة على ضياع تربة خصبة ما أن تلمسها بيدك حتى تتحسس ملمس المياه فيها لتدرك أنه على مسافة قريبة جدّا فى ظل وجود العديد من الأماكن الصحراوية الأخرى التى كان يستطيع المجلس نقل المنطقة إليها. وتبقى المشكلة الكبرى لأصحاب الورش هى انتهاء المساحات المخصصة للبيع، حيث يدعى مجلس المدينة أن كل الأراضى تم بيعها، لتبقى الشائعات وحدها بين الأهالى عن دخول مسؤولين ومستثمرين كبار للمنطقة وتخصيص مساحات واسعة من الأراضى لمشروعاتهم، لا يزاحمها إلا الأمل فى إصلاح الأحوال والاهتمام بالإنسان فى العهد الجديد بعد الثورة.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

شمس

الاستاذه اية نبيل

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة