شعراءٌ قتلهم الإهمال ونظام المخلوع "مبارك"

الأحد، 26 فبراير 2012 11:06 م
شعراءٌ قتلهم الإهمال ونظام المخلوع "مبارك" الشاعر الكبير الرحل محمد عفيفى مطر
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يعرف فى يومٍ من الأيام الغابرة منذ ثلاثين عامًا، عن المخلوع "مبارك" أنه استشهد بأحد أبيات الشعر فى خطاباته العصماء، أو أنه اهتم بأحوال شعراء مصر الذين عانوا آلام المرض حتى فارقوا حياتنا، كأغلب أبناء الشعب البسطاء، أو من تعذبوا فى معتقلات النظام لرفضهم سياساته، فترك الجلاد على وجوههم وظهورهم بصمته؛ حتى رحلوا إلى عالم أفضل وخلدوا أبياتهم تنطق بها الأجيال فى الميادين، وقد يذكر الشعب لـ"مبارك" الذى استشهد ببيت الشعر القائل "بلادى وإن جارت علىّ عزيزة.. وأهلى وإن ضنوا علىّ كرام"، أنه حينما غرق أبناء الوطن فى العبارة "السلام 98" ضحك من قلبه أمام عدسات التليفزيون التى قهرت قلوب أمهات الضحايا وأسرهم بأكملها.

الشاعر الكبير محمد عفيفى مطر، الذى رحل عن عالمنا عن عمرٍ يناهز الخامسة والسبعين عامًا، بعد سنوات مريرة من الصراع مع المرض، وارتفاع نسبة تليف الكبد إلى مستوى خطير، ويعد مطر من العلامات الفارقة فى حركة الشعر العربى الحديث، فبعدما درس الفلسفة على يد عبد الرحمن بدوى بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وتخرج وعمل مدرسًا لها فى معهد المعلمين بمحافظة كفر الشيخ، واهتم خلال عمله بتبسيط الفلسفة ونظرياتها للطلاب، وربطها بقضايا الواقع والحياة، واتخاذها معولا لإثارة الدهشة والمعرفة وكيفية طرح الأسئلة وتنمية الخيال والحواس.. فى هذه الأثناء أصدر "مطر" مجلة "سنابل" بدعم وتشجيع من محافظ كفر الشيخ آنذاك إبراهيم البغدادى، وكانت منبرًا ثقافيًا مهماً فى تلك الفترة، وقد أغلقت المجلة على إثر نشرها قصيدة "الكعكة الحجرية" التى كتبها الشاعر أمل دنقل تجاوبًا مع مظاهرات الطلبة عام 1972 احتجاجًا على حالة "اللاحرب واللاسلم" التى سادت البلاد فى أعقاب هزيمة 1967، وبعد غلق "سنابل" تم التضييق على "مطر"، فرحل إلى العراق تاركًا مصر، ومكث هناك نحو عشر سنوات، ارتفع خلالها إيقاع الرفض والتمرد فى كتاباته، وتجسد هذا الإيقاع على نحو خاص فى أحد أبرز دواوينه الشعرية "أنت واحدها وهى أعضاؤك انتثرت" ففيه تبلورت ملامح تجربة مطر الحداثية، ورغبته فى تجاوز ما هو مألوف وشائع، والتمرد على مختلف الثوابت الجمالية والمجتمعية والسياسية فى آن واحد.

وفى عام 1991 اعتقل مطر نتيجة معارضته السياسة المصرية فى موقفها من الحرب على العراق التى استهدفت إخراج الجيش العراقى من الكويت، وسجل مطر تجربة الاعتقال فى عدة قصائد، أشهرها "هلاوس ليلة ظمأ"، وأثمرت تلك التجربة ديوانه "احتفاليات المومياء المتوحشة" عام 1992، وقد تركت هذه التجربة على وجهه ندبات من شواهد التعذيب التى تعرض لها فى المعتقل. حتى إنه - حسبما كان يروى - كان يستقوى على الألم بتخيل أبنائه الثلاثة (لؤى وناهد وفرحة) معه فى الزنزانة، ويسمع عويلاً طوال الليل.

أما الشعراء أسامة الدناصورى والدكتور وليد منير، فهما من أبرز ضحايا الإهمال ككثيرين من أبناء الشعب المصرى، فأسامة الدناصورى، وهو أحد شعراء قصيدة النثر المبدعين، توفى فى ريعان شبابه بعدما ظل يعانى من فشل كلوى لمدة عشر سنوات ثم دخل المستشفى "صيدناوى" ثم "مركز القاهرة للكلى" حتى رحل عن عالمنا فى الرابع من يناير لعام 2007، ليترك لنا كتابه المهم "كلبى الحبيب.. كلبى الهرم"، وأربعة دواوين هى "حراشف الجهم" 1991، و"مثل ذئب أعمى" 1996، و"عين سارحة وعين مندهشة" 2003،، بالإضافة إلى ديوان بالعامية "على هيئة واحد شبهى" 2001، ونشر كل أعماله فى طبعات خاصة ومحدودة لتجنب مواجهة الرقابة.

أما "وليد منير"، والذى رحل عن عالمنا فى الثامن عشر من هذا الشهر مايو 2009، بعد صراعٍ مع المرض، فهو أحد أكبر شعراء الحداثة المصرية والعربية، وأحد النقاد الأكاديميين المبرّزين فى الحركة النقدية المعاصرة، ورحل وسط تجاهلٍ غير مبرر على الإطلاق فى سيناريو اعتيادى مقيت تتكرر حلقاتِه مراراً وتكرارًا بسبب التجاهل الوحشى لنظام "مبارك" الذى ينهش فى جسد المثقفين المصريين، وقد ولد "منير" بالقاهرة عام 1957، وتخرج فى كلية الهندسة عام 1980، ليلتحق بعد تخرجه بالعمل فى إحدى الشركات المناسبة لشهادته الجامعية، لكن موهبته الشعرية والنقدية غلبت على تخصصه العلمى ووظيفته العملية، فقرر الانتساب إلى أكاديمية الفنون "معهد النقد الفنى"، وحصل منه على درجة الماجستير فى النقد الأدبى الحديث عن أطروحته "خصائص اللغة الشعرية فى مسرح صلاح عبد الصبور" عام 1990، ثم حصل على إثرها على منحة دراسية قصيرة بإنجلترا، وخلال تلك الأعوام كان وليد منير قد بدأ نشر عددٍ من قصائده فى منتصف السبعينيات فى مجلة "الكاتب" التى كان يرأس تحريرها الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور.

وترك "منير" باكورة أعمال شعرية، فجاء ديوانه "الرعوى الذى فاجأ السهل"، و"النيل أخضر فى العيون" عام 1985، لتتوالى بعد ذلك دواوينه الشعرية "قصائد للبعيد البعيد" 1989، و"بعض الوقت لدهشة صغيرة" 1993، و"أربعون نافذة على صباح فى التيه" 1999، ثم "قيثارة واحدة وأكثر من عازف"، و"هذا دمى وهذا قرنفلى"، و"سيرة اليد"، و"طعم قديم للحلم"، حتى ديوانيه الأخيرين "كمشكاة فيها مصباح" و"الروح تعزف الموسيقى" 2004، كما ترك نصوصًا مسرحية مثل "حفل لتتويج الدهشة"، و"شهر زاد تدعو العاشق للرقص".





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

شريف عبد المجيد

جميل

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة