أنت تشعر بالرضا الآن.. فماذا عن "جيبك" فى المستقبل؟
السبت، 25 فبراير 2012 12:26 م
مستقبل المصريين لن تبنيه المعونات
تحليل يكتبه عمرو جاد
لو أنصف أحدهم وأخذ يحسب مقدار ما تجمعه حملات ومبادرات مساعدة الفقراء من المصريين، مقارنة بأعداد هؤلاء الفقراء، فسيكتشف بالتأكيد أنها مبالغ ستغنى هؤلاء لو كانت وفرت لهم مصادر تمويل دائمة تتلخص فى فرص عمل "حقيقية"، ولكن المستقبل يحمل بشائر خلاف ذلك، فالفقراء يزدادون، رغم المبادرات والحملات، والحكومات لا تنفك تتحدث عن معاناتها من أنظمة الدعم العقيمة، فى هذه الحالة، فلا تنتظر من شخص يجلس كل صباح ليفكر من أين ستأتى معونته، أن يسأل نفسه "ما الخطوة القادمة؟"... لأنه على يقين بأن جيبه يمتلئ بالمعونة التى تأتيه كل يوم دون انقطاع.
ولا تنتظر أيضاً من هؤلاء الجالسين فى المناطق الفقيرة والعشوائية الذين يجترون شعورهم بالإحباط والإهمال ضد السادة المسئولين، أن يقدموا لك أفكاراً خلاقة لإخراج مجتمعاتهم مما هى عليه من فقر وفوضى، لعلهم أيضاً "يمصمصون" شفاههم شعوراً بالرضا حينما يسمعون من مسئولين حكوميين يرتدون ملابس تنطق نظافة، أن بلدهم مصر، وبلا فخر، الأولى عربياً فى معدل الفقر، والـ20 عالمياً، وأن أكثر من 3 ملايين عاطل تعترف بهم الحكومة فقط، هذا أيضاً يغذى شعورهم بالمهانة وقلة الحيلة.
ويعتقد كثير من الإعلاميين الذين لهم قدر كبير من الاحترام لدى الجمهور، أنهم حينما يهبون لتدشين حملات لإنقاذ الفقراء بوجبات وبطاطين وحصر لمنازلهم غير المسقوفة، أنهم بذلك يفككون قنبلة موقوتة قدروا أنها ستنفجر فى وجوه أبنائهم، لا يعلمون أنهم يدعمون المسئول المهمل والحاكم الظالم والموظف المرتشى، فضلاً عن أنهم يجعلون الفقر شيئاً محبباً للمواطن، فلماذا سيبحث عن عمل يمنحه 20 جنيهاً، طالما سيحصل عليها بسهولة بمجرد طلة فى التليفزيون يشكو فيها قلة حيلته؟.
والتجربة أثبتت أنه حينما قررت الحكومة إسقاط ما يزيد على 400 مليون جنيها المزارعين لصالح بنك الائتمان الزراعى، فهى قد أدت واجباً اجتماعياً وإنسانياً لا شك فى نبل غايته، ولكن العدل هنا - وليس العدالة - أن يتساءل دافعوا الضرائب عن إقحامهم كشريك للحكومة فى حملة إخماد مشاكل اجتماعية، فى حين أنه ما من مسئول بوزارة الزراعة إلا ويعلم أن عدداً كبيراً من هذه الديون تراكمت على كبار مزارعين من أعضاء الحزب الوطنى المنحل، وأعضاء فاسدين بالبرلمانات السابقة، استغلوا التوجه نحو سياسية استصلاح الأراضى، وحازوا مساحات شاسعة واستصدروا بناء عليها حيازات زراعية تجعل لهم الأفضلية فى القروض الزراعية وصرف الأسمدة، أنت إذن لم تنقذ 61 ألف مزارع من الإفلاس، بل دعمت حيتان المزارعين على حساب صغارهم.
حملات جمع الأموال إذن ليست حلاً مستداماً، رغم أنها تطيب الخاطر وتجمل الوجه، لكنها لن تصنع النمو الذى نريده، لأنه سيصيبها أيضا ما أصاب الحملات الفردية بتشجيع المنتج المصرى والتخفيضات المفاجئة، فأنت حينما تطلب مستقبلاً اقتصادياً مبشراً فى دولة تحكمها المؤسسات، فلا يجب أن تنتظر مبادرات جمع المعونات أو كساء العرايا أو إطعام الجوعى، بل ستنتظر خططاً حكومية واضحة للمستقبل لا تتأثر بمخاوف تباطؤ النمو أو اتساع فجوة عجز الموازنة، وهى خطط حاسمة لا تضعها حكومات انتقالية، وقوانين اقتصادية واضحة لا تقبل اللبس وحاسمة لا تحتمل المناورة، وسيوفر هذا على الحكومات المقبلة عبئاً مادياً من مخصصات الدعم التى تفوق 130 مليار جنيه سنوياً، ولكن على هذا المنوال سيظل هذا البلد حبيس المبادرات التى تجعل مؤشر النمو به يهتم حساب الرقع فى ملابس مواطنيه أكثر مما يهتم بأرصدتهم فى البنوك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لو أنصف أحدهم وأخذ يحسب مقدار ما تجمعه حملات ومبادرات مساعدة الفقراء من المصريين، مقارنة بأعداد هؤلاء الفقراء، فسيكتشف بالتأكيد أنها مبالغ ستغنى هؤلاء لو كانت وفرت لهم مصادر تمويل دائمة تتلخص فى فرص عمل "حقيقية"، ولكن المستقبل يحمل بشائر خلاف ذلك، فالفقراء يزدادون، رغم المبادرات والحملات، والحكومات لا تنفك تتحدث عن معاناتها من أنظمة الدعم العقيمة، فى هذه الحالة، فلا تنتظر من شخص يجلس كل صباح ليفكر من أين ستأتى معونته، أن يسأل نفسه "ما الخطوة القادمة؟"... لأنه على يقين بأن جيبه يمتلئ بالمعونة التى تأتيه كل يوم دون انقطاع.
ولا تنتظر أيضاً من هؤلاء الجالسين فى المناطق الفقيرة والعشوائية الذين يجترون شعورهم بالإحباط والإهمال ضد السادة المسئولين، أن يقدموا لك أفكاراً خلاقة لإخراج مجتمعاتهم مما هى عليه من فقر وفوضى، لعلهم أيضاً "يمصمصون" شفاههم شعوراً بالرضا حينما يسمعون من مسئولين حكوميين يرتدون ملابس تنطق نظافة، أن بلدهم مصر، وبلا فخر، الأولى عربياً فى معدل الفقر، والـ20 عالمياً، وأن أكثر من 3 ملايين عاطل تعترف بهم الحكومة فقط، هذا أيضاً يغذى شعورهم بالمهانة وقلة الحيلة.
ويعتقد كثير من الإعلاميين الذين لهم قدر كبير من الاحترام لدى الجمهور، أنهم حينما يهبون لتدشين حملات لإنقاذ الفقراء بوجبات وبطاطين وحصر لمنازلهم غير المسقوفة، أنهم بذلك يفككون قنبلة موقوتة قدروا أنها ستنفجر فى وجوه أبنائهم، لا يعلمون أنهم يدعمون المسئول المهمل والحاكم الظالم والموظف المرتشى، فضلاً عن أنهم يجعلون الفقر شيئاً محبباً للمواطن، فلماذا سيبحث عن عمل يمنحه 20 جنيهاً، طالما سيحصل عليها بسهولة بمجرد طلة فى التليفزيون يشكو فيها قلة حيلته؟.
والتجربة أثبتت أنه حينما قررت الحكومة إسقاط ما يزيد على 400 مليون جنيها المزارعين لصالح بنك الائتمان الزراعى، فهى قد أدت واجباً اجتماعياً وإنسانياً لا شك فى نبل غايته، ولكن العدل هنا - وليس العدالة - أن يتساءل دافعوا الضرائب عن إقحامهم كشريك للحكومة فى حملة إخماد مشاكل اجتماعية، فى حين أنه ما من مسئول بوزارة الزراعة إلا ويعلم أن عدداً كبيراً من هذه الديون تراكمت على كبار مزارعين من أعضاء الحزب الوطنى المنحل، وأعضاء فاسدين بالبرلمانات السابقة، استغلوا التوجه نحو سياسية استصلاح الأراضى، وحازوا مساحات شاسعة واستصدروا بناء عليها حيازات زراعية تجعل لهم الأفضلية فى القروض الزراعية وصرف الأسمدة، أنت إذن لم تنقذ 61 ألف مزارع من الإفلاس، بل دعمت حيتان المزارعين على حساب صغارهم.
حملات جمع الأموال إذن ليست حلاً مستداماً، رغم أنها تطيب الخاطر وتجمل الوجه، لكنها لن تصنع النمو الذى نريده، لأنه سيصيبها أيضا ما أصاب الحملات الفردية بتشجيع المنتج المصرى والتخفيضات المفاجئة، فأنت حينما تطلب مستقبلاً اقتصادياً مبشراً فى دولة تحكمها المؤسسات، فلا يجب أن تنتظر مبادرات جمع المعونات أو كساء العرايا أو إطعام الجوعى، بل ستنتظر خططاً حكومية واضحة للمستقبل لا تتأثر بمخاوف تباطؤ النمو أو اتساع فجوة عجز الموازنة، وهى خطط حاسمة لا تضعها حكومات انتقالية، وقوانين اقتصادية واضحة لا تقبل اللبس وحاسمة لا تحتمل المناورة، وسيوفر هذا على الحكومات المقبلة عبئاً مادياً من مخصصات الدعم التى تفوق 130 مليار جنيه سنوياً، ولكن على هذا المنوال سيظل هذا البلد حبيس المبادرات التى تجعل مؤشر النمو به يهتم حساب الرقع فى ملابس مواطنيه أكثر مما يهتم بأرصدتهم فى البنوك.
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
الحل في القروض المتناهية الصغر
عدد الردود 0
بواسطة:
hazem
ادعوا له
عدد الردود 0
بواسطة:
عبداللة
مشروعات
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
حل سهل وبسيط