يبدو أن خفة الدم المصرية شىء لا جدال فيه، وهو ما بدا واضح المعالم فى حوادث السرقة والنصب التى انتشرت اليوم، وحرص فيها أبطالها على ابتكارات وفنون لم نسمع بها من قبل، وسأقوم بسرد بعض تلك القصص التى حدثت بالفعل وكانت مسار حديث الناس.
أول حدوتة فى فنون النصب وقعت فى شارع جسر السويس وبدأت بالمشهد التالى "رجل مسن يلبس جلابية بيضاء وعمامة بيضاء ولحية كثيفة بيضاء وسبحة طويلة أيضا بيضاء نادى على تاكسى أبيض، فوقف السائق الشاب الأنيق وركب الرجل إلى جواره، وبعد قليل تفحصه الرجل وقال له: يابنى أنا مبعوث العناية الإهية إليك قف وصلى الآن ركعتين لله لأنك ستموت بعد لحظات، فلم يصدقه السائق، وبعد مسافة بشارع الجسر نادى شاب على السائق فتوقف على الفور ليركب معه، وفتح الشاب باب السيارة، حيث يجلس الشيخ، فنهره السائق قائلا: هتركب فين أنت مش شايف الراجل الكبير قاعد قدام "اركب أنت ورا، فقال له الشاب: فين الراجل ده مفيش حد جنبك أنت شكلك مبرشم، وأغلق الباب وترك التاكسى، فتعجب السائق، فقال له الشيخ: يابنى لن يرانى أحد غيرك فأنا مبعوث لك ونهياتك قد اقتربت، انزل وصلى قبل فوات الأوان، فما كان من السائق إلا أنه وقف بجوار أول مسجد قابله وذهب ليصلى، وعندما عاد لم يجد التاكسى الأبيض ولا الشيخ الأبيض الذى سرق شقا عمره "وشرخ".
أما المشهد الثانى.. فهو لرجل يبدو عليه من ملبسه وهيئته علامات الثراء جاء إلى موقف ميكروباص وطلب توصيلة عاجلة بأى سعر، فتشاجر عليه السائقون، وهنا كان قراره بأن اختار السيارة الأحدث، وركب إلى جوار السائق، وفى وسط الطريق ظل الرجل يبكى بحرارة فسأله السائق: ما الحكاية؟ فقال له: ماتت أمى ولم أرها منذ زمن وأريد ألحق بجنازتها، ثم أخرج من جيبه روزمة من العشرينات وبدأ فى رميها على جانب الطريق، فقال له السائق: ماذا تفعل؟ رد عليه الرجل: هذه النقود على روح أمى، فقال له السائق: استنى ألم الفلوس دى وآخذها أنا حتى أقرأ الفاتحة على روحه أمك، ونزل السائق وكله همة ونهم على التقاط النقود، وعندها انتقل الرجل ذو القلب الحنون مرهف الإحساس على طارة القيادة مكان السائق الطماع وطار كالريح سارقا شقى عمره.
وفى المشهد الثالث سيارة نصف نقل تحمل جاموسة فى الطريق إلى سوق البهائم، فأشار للسائق رجلين فتوقف لهما وركبا فى الخلف مع الجاموسة، وبعد قليل ركب رجل ثالث بعدما أشار للسائق الطامع فى جنيه ونصف أجرة من الركاب الثلاثة، وبعد قليل نزل الرجلان وبقى الثالث، وبعد مسافة أخرى نزل الرجل الثالث ولكنه فك حبل الجاموسة من السيارة وقام بإنزالها على الأرض، فنزل السائق مسرعا وقال له لماذا تأخذ الجاموسة، فقال له اشتريتها من الرجلان أصحابها ودفعت عشرة آلاف جنيه وسأدفع لهم الباقى بعدين، فرد السائق هذه جاموستى وهؤلاء نصابون ضحكوا عليك وسرقوا فلوسك فدارت معركة بين الجانبين.
والمشهد الرابع ميكروباص يحمل 12 شخصا يدورون فى الشوارع حتى يركب معهم فريسة فيرفعون فى وجهه السلاح والسنج والمطاوى حتى يقلشوه ويتركوه على الحديدة، وهو ما حدث لرئيس تحرير صحيفة مشهورة بعدما تعطلت به سيارته وركب معهم وسرقوا كل ما معه.
وفى المشهد الخامس رجل يركب ميكروباص حديث ويطلب من السائق أن يجلس على كافيتريا على الطريق ليشرب فنجان من القهوة، وبينما هو جالس أخرج ورقة بخمسين جنيها وألقى بها على الأرض، فأخذها أول شخص مر فى الشارع، فقال السائق للراكب: لم فعلت ذلك ؟ قال له: الفلوس كتير والخمسين جنيه راحت لصاحب نصيبها، ثم استعادا السير من جديد، فأخرج الرجل مبلغ 200 جنيه ورقتان وألقى بهما على الطريق، فتوقف السائق وقال للرجل: لم رميتها؟ فقال له لصاحب نصيبها، فقال السائق: انتظر حتى أتى بهما فأنا صاحب نصيبها، ونزل يجمع الورقتين ونظر إلى ما فى يد غيره وترك ما بين يديه، بينما طار الرجل بالميكروباص واختفى دون أمل فى العودة، وظل صاحبنا يبكى بدلا من الدموع دما بعدما أضاع بطمعه وحيلة الرجل سيارة بـ200 ألف مقابل 200 جنيه.
أما فى المشهد الأخير ترى سيدة تحمل طفلة صغيرة تبكى، وبعدما سبق جسدى قدماى عدت إليها مرة أخرى وأعطيتها ما فيه النصيب، ولكن صديقى ظل وافقا يتفرج علىّ قائلا: أنت بيضحك عليك كتير، فقلت له: لماذا ؟ فقال: تراهننى أن هذه السيدة لا تحمل طفلة؟، فقلت له بالفعل إن الطفلة تبكى، فأمسك بيدى وعدنا للسيدة ووضع 5 جنيهات فى ثياب الطفلة، وقال للسيدة أريد أن أقبل الطفلة، فرفضت وتغير وجهها من السعادة بالخمسة جنيهات إلى العبوس، عندها جذب صاحبى اللفافة، فسقطت منها أجمل عروسة صينى.
وهناك الكثير من القصص التى سمعتها وكلها تعتمد على طمع الفريسة وذكاء النصاب المصرى الذى يولد بطبيعته بجينات وراثية شديدة الذكاء ولكنه دائما ما يستخدمها فى غير مكانها، ولو أن هؤلاء المتفننين استخدموا تلك الحيل فى أمور نافعة لكانوا جميعا أفضل من زويل ومصطفى السيد.
وأرى أن ما يحدث فى بلادنا يؤكد أننا نحتاج إلى ثورة أخلاقية مع الثورة على الحكام الفاسدين، ونحتاج إلى بناء اقتصادى جديد ينهى على الفقر والمحتالين.
ونحتاج دولة تملك قانونا غير مخروم وبدون فتحات أو ترقيع، وما رأيته بعينى فى أوروبا جعلنى مؤمنا بتلك الدولة التى يخاف فيها الجميع من المساءلة القانونية وتحرص فيه الأم على أن تعلم ابنها كيف يشترى تذكرة المترو ليركب بها المترو ويصبح شخصا يحترم نفسه حتى يحترمه الآخرون.
عدد الردود 0
بواسطة:
سهير ابراهيم
فهلوت المصريين
عدد الردود 0
بواسطة:
عابر سبيل
الغنى غنى النفس
عدد الردود 0
بواسطة:
هناء
بقدر ما أضحكتنى فقد أبكيتنى