خلال الجدل الدائر حول الأوضاع فى سوريا، تصاعدت الأصوات المنادية بالتدخل العسكرى الخارجى ضد النظام السورى، وربما يتعين أن نعرف أن ميثاق الأمم المتحدة ينص فى الفقرة الرابعة من المادة الثانية على تحريم التهديد بالقوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لأى دولة.. وهذا التحريم – طبقاً لأغلب الفقه الدولى – يعد تحريماً شاملاً، بل ويرتقى إلى قاعدة آمرة من قواعد النظام العام (jus cogens)، أى لا يجوز تعديلها أو إلغاءها إلا بقاعدة لها نفس الصفة، أو بمعنى آخر تعديل ميثاق الأمم المتحدة نفسه فيما يتعلق بهذا التحريم.
ومن ناحية أخرى، ولنفس السبب، لا يجوز لأى دولة أو مجموعة من الدول أن تتفق أو تتصرف بما يخالف هذه القاعدة، حيث يقع الاتفاق أو التصرف فى دائرة البطلان المطلق وفقاً للفهم القانونى السليم، وهو ما تؤكده اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التى نصت فى مادتها 52 على بطلان المعاهدة التى تتضمن التهديد بالقوة أو استخدامها لانتهاكها لمبادئ القانون الدولى التى تضمنها ميثاق الأمم المتحدة.
وهذه القاعدة الآمرة يرد عليها استثناءان لا ثالث لهما، الأول هو ما تضمنته المادة 51 فى الميثاق بشأن "حق الدفاع عن النفس" إذا تعرضت الدولة لهجوم مسلح عليها، على أن هذا الحق محدد ويتوقف بعد اتخاذ مجلس الأمن للإجراءت الضرورية، ولا ينتقص بأى شكل من سلطات ومسؤليات المجلس، ويلاحظ هنا أن هذا الحق مكفول للدول سواء بشكل فردى أو جماعى.
أما الاستثناء الثانى فيتعلق بنظام الأمن الجماعى تحت الفصل السابع من الميثاق، وهو حق استخدام القوة الذى يخوله مجلس الأمن فى حالات محدودة وهى: تهديد السلام أو انتهاك السلام، أو عمل عدوانى، حيث يتخذ المجلس قراراً بالتهديد بالقوة أو استخدامها، وقد يكون التنفيذ من خلال تفويض المجلس للدول بذلك سواء بشكل فردى أو جماعى.
خلاصة ما تقدم أن أى عمل عسكرى أو التهديد به خارج الإطار السابق يعد انتهاكاً لقاعدة آمرة من قواعد النظام الدولى العام، بل أن مجلس الأمن نفسه لا يملك اتخاذ قرار يخالف ذلك الإطار، وبالتالى إذا افترضنا مثلاً أن مجلس الأمن قد اعتبر أن انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان فى إحدى الدول يمثل تهديداً للسلام (أحد شروط استخدام الفصل السابع من الميثاق)، يستدعى تفويضاً بالتدخل العسكرى، فإن هذا القرار يعد فى ذاته مخالفة قانونية وانتهاكاً صارخاً للميثاق، حيث أنه لا توجد ضمن حالات الاستثناء من تحريم استخدام القوة ما يشير صراحة أو ضمناً إلى إشكالية ممارسات الدول الداخلية.
لذلك كان التدخل العسكرى – فى غياب قرار لمجلس الأمن – انتهاكاً أشد خطورة للميثاق، بل ويمثل فى التكييف القانونى السليم اعتداء يهدد السلام كان يستدعى من المجلس اتخاذ الإجراءات اللازمة لدفعه بما فى ذلك إجراءات الأمن الجماعى طبقاً للفصل السابع.
ولتطبيق ذلك على إدعاء تقنين التدخل العسكرى فى سوريا بأنه تدخل إنسانى، فإن القائلين به إنما يروجون لانتهاك قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولى.
وبطبيعة الحال لا يمكننا تخيل وصول التطبيق الصحيح للقانون الدولى إلى هذه الدرجة من المثالية، ولكن ذلك لا يمنح هذه التصرفات شرعية من أى نوع، ولا ينبغى لفقهاء القانون الدولى أن يحاولوا اعتساف تفسيرات واسعة لاستثناء على تحريم استخدام القوة، فالاستثناء فى القانون لا يتوسع فى تفسيره ولا يطبق إلا فى أضيق الحدود وإلا انعدمت قيمة قاعدة تحريم استخدام القوة فى العلاقات الدولية، حيث يتم استخدام حجة "التدخل الإنسانى" للتدخل فى الشئون الداخلية للدول بالقوة، بل وأن التوسع قد يفتح الباب لتدخلات أخرى بحجة البيئة أو الديمقراطية أو أى حجة أخرى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد الله
التغيير سمة الحياة
عدد الردود 0
بواسطة:
الصقر المصري
الاسد يستأهل الدبح
التعليق فوق ..............
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد الشيخ
القانون مافهوش زينب... فيه أمن اسرائيل أولا
عدد الردود 0
بواسطة:
سرين
فالح
عدد الردود 0
بواسطة:
سرين
فالح
عدد الردود 0
بواسطة:
الدريني
لا حول ولا قوة إلا الله
عدد الردود 0
بواسطة:
الدريني
لا حول ولا قوة إلا الله