"نجوم عمرى" كان هو المعرض الشخصى التاسع عشر للفنان عادل السيوى، ولا أبالغ إذا قلت إنه المعرض الأهم فى تجربته التشكيلية، إذ يمثل نقلة نوعية فى رحلته بين التجريد والتشخيص.
المعرض المقسوم على قاعتى عرض "المشربية" و"كريم فرنسيس" بالقاهرة يضم لوحات لمطربين وممثلين وفنانين - من عشرينات وحتى سبعينات القرن الماضى- يشكلون مع نظرائهم من نجوم الفكر والثقافة والأدب ثمار خمسين عاماً من التنوير فى مصر.
فى رواية "سحر أسود" للروائى حمدى الجزار يقول البطل عن الكاميرا" فى سنوات نضجها ونبوّتها صارت نصّابة، محترفة، تتظاهر بأن ما تقدمه ليس سوى الواقع، صارت تطمس حقيقة أنها تلعب، تصطنع عالما وهميا ببراءة وإتقان مبهر.. إن ما تفعله الكاميرا ليس أقل من سحر أسود".
الصورة إذن وهم نتلقاه جميعاً على انه الحقيقة، وسوف نتلقاه هكذا طالما أن الصورة ليست سوى العين التى رأت، العين التى حددت المكان والزمان، وانتقت هذا الكادر، دون غيره من عشرات الكادرات الممكنة، والتى ستعمل بعد ذلك من خلال الرتوش والفلاتر وزاوية الضوء على تقديم (وهْم) النموذج لا النموذج على الحقيقة.
وإذا كان عادل السيوى "يتأمل المسافة بين الذاكرة والفوتوغرافيا، بين الصورة التى تصنعها الكاميرا والصورة التى تصنعها اليد، ليتعرف (كما يقول) على المساحة الممكنة من التدخل التشكيلى، فقد جعل من (وهْم النموذج) الذى صنعته الفوتوغرافيا مادة أولية للتشكيل، أى جعل من الأوهام التى صدقناها، والتى تواطأنا على أنها الحقيقة ـ بتأثير من سحر الكاميرا والعين المغرضة ـ موضوعا لبحثه التشكيلى عن الروح التى تحوِّمُ حول الشكل ولا تسكن فيه.
يمكن اعتبار لوحات السيوى نسخ من نسخ ضعفت علاقتها بالنماذج إلى حد عدم اعتبارها نسخا!!، أو اعتبارها نسخا بدون نماذج، بمعنى أنها محاكاة للذى لم يوجد حقا !!، حسب مفهوم "ديلوز" و "جواتارى" لـ(السميولاكرا)، حيث الشبه بين السيميولاكرا وما يفترض أنه نموذجه ليس سوى وهْمٍ، ووسيلة يوجه بها حيويته الداخلية للانقلاب على النموذج، ومغادرة عالمه إلى فضاء جديد يخصه وحده.
يبدأ عادل السيوى من وهم الحقيقة (الفوتوغرافيا) فهل يكسر هذا الوهم عبر التشكيل ليصنع لنا وهما آخر؟ هل يضعنا أمام خيار نستبدل معه بأيقونة الماضى أيقونة حاضر؟ أم أنه يحرِّرنا من الأوهام جميعا تحت غيمة من الفقد والأسى، ليطلق هذه الأرواح من السيميولاكرا الميتة، ويضعنا مباشرة فى حوار حميم معها؟!
فى اختباره لإمكانات التدخل التشكيلى استخدم السيوى أكثر من أسلوب لتحرير الروح من السيميولاكرا، فراوح بين التجسيد والتجريد، بين الرسم والتشكيل، فى أجواء من توازنات لونية وزخارف، وعناصر أخرى، صانعا حوارات درامية تتجاوز إمكانات الفوتوغرافيا، وتؤكد على ما هو جوهرى فى هذه الروح أو تلك.
تلوح فى إطار هذا التنوع تأثيرات من تجربة السيوى السابقة فى تقديم الوجوه، نجد هذا فى لوحات مثل (فاتن حمامة) و(تحية كاريوكا) بينما تظل بعض اللوحات أمينة لفن الرسم بالقلم الرصاص، مثل لوحتى (رشدى أباظة) و (صباح)، كما تظل رغبته فى تحقيق ما يشبه الصدمة للمشاهد ـ عبر التشويه المتعمد ـ قادرة ليس فقط على إثارة الدهشة أو الاستنكار، ، بل وقادرة أيضا على رفع سخونة الحوار الدائر بين العين والذاكرة.
استطاع عادل السيوى فى هذه المغامرة التشكيلية أن ينقلب على نماذجه نجوم عمره، فجعلها تغادر عوالمها الأيقونة إلى فضاء جديد يخصه ويتلون بمزاجه الخاص.
التوتر الجمالى بين عرامة التشكيل وما استقر فى ذاكرة المشاهد من أيقونات الزمن الجميل هو السبيل الذى يفتحه عادل بقوة، وبقسوة أحيانا، أمام حوار المشاهد مع نفسه فى حضور اللوحة، حوار يطمح التشكيل إلى أن يحرره من تصوراته عن الماضي، ويعيد تشكيل علاقته بالنماذج/ النجوم تلك التى غادرت اللوحة، وشرعت فى مغادرة الذاكرة أيضا، وإن ظلت تجد فى الشكل/ اللوحة نقطة تبدأ منها التحليق فى المسافة بين اللوحة والذاكرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة