عقلية القطيع معروفة، جماعات تسير بالتأثير الذاتى وتتخذ مواقف بناء على القائد أو الزعيم أو الحزب أو الجماعة، بصرف النظر عن صحته وخطئه. تخلط بين الموقف والعداء، وتختلف عن عقلية الثورة التى يشارك فيها الفرد مع المجموع بناء على قناعة. ومع تحديد أهداف وليس قفزًا فى الفراغ. لكن الأمور اختلطت وتداخلت، ويمكن أن تتوقع موقف كل طرف مسبقًا، لأن الحق ليس هو الهدف.
والأخطر من عقلية القطيع هو عقلية الكمين، التى تقوم على التصيد والتربص والتخوين وتجاوز الخلاف فى الرأى إلى العداء.
لقد اتسع الشرخ على الراتق، واختلط الماء بالمجارى، والمواقف بالملافظ، وأصبحنا فى حالة من الالتهاب السياسى تحتاج إلى أكثر من مرهم، بعد أن تداخل النضال بالصراخ بالمصالح، والعمل البرلمانى بأذان العصر والحصانة بالبلطجة.
كانت معركة الشتائم فى مجلس الشعب وخارجه نموذجًا عمليّا لعقلية الكمين، تحول حوار بين وزير التموين والنواب إلى مشاجرة كادت تتحول إلى معركة بالأيدى، وفى قضية زياد العليمى اتخذت الأغلبية فى البرلمان الموقف من النائب بصفته خصمًا سياسيّا وليس لأنه أخطأ، وتم التهاون مع أخطاء أخرى ومخالفات للائحة من نائب الأذان أو نائب شتم زميله واتهمه بأنه فاسق، وثالث اتهم مواطنًا مصريّا بالخيانة دون دليل، كل هذا ضمن مناقشة برلمانية.
عقلية الكمين لا تتعلق فقط بنواب الأغلبية الذين ينقادون فى اتجاه واحد، لكنها أيضًا متوافرة لدى المعارضة، التى تحدد المواقف على الهوية، فقد انحاز خصوم الإخوان لزياد وليس للحق، مثلما انحازت الأغلبية ضده، وكان يمكن لأنصاره أن يعلنوا أنه أخطأ ويقنعوه بالاعتذار. وهو ما لم يحدث، وقبلها كانت هناك انحيازات من النواب لأخطاء المتظاهرين أمام الداخلية، وفى المقابل دافعت الأغلبية عن موقف الداخلية.
ومن البرلمان للإعلام، نحن أمام حالة من الفضح والتشفى والشتم وتحولت الإنترنت إلى مشتمة، لا تفرق بين الخلاف فى الرأى والانحياز لموقف. ونرى الموقف السياسى يتحول إلى شتائم، تضيع القضية، وبعض الذين ينادون بحرية الرأى ينادون بها لأنفسهم وليس للكل، فترى من يفرح لإهانة تعرض لها هذا المرشح الرئاسى أو ذاك وطرده. والاتهامات الجزافية، حيث يعين كل فصيل نفسه حارسًا على الثورة أو الفكرة وغيره على خطأ. والنتيجة أن هناك حالة من التربص والتصيد، ليس بين المختلفين فى الآراء والخصوم، وقد رأينا كيف تحولت العلاقة بين ائتلافات الثورة إلى حروب واتهامات. وحتى فى قضية مصر وأمريكا وجدنا بعض النشطاء يبدون نوعًا من الشماتة فى الموقف المصرى، وخلطًا بين المجلس العسكرى الذى ينتقدون إدارته السياسية، وبين المصالح المصرية والمتعلقة بتدخلات أمريكية واضحة. مع علمهم بأن أمريكا كانت حليفًا للتسلط والطغيان دائمًا.
لقد سادت عقلية الكمين، لأن كثيرًا، ممن يرفضون تجاوزات الأمن، عينوا أنفسهم رؤساء للكمين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة