أحد أصدقائى عندما أسأله سؤالا لا يعرف له إجابة، أو يحدث أمامه موقف لا يجد له تفسيراً، ينظر إلى فى ثقة كاملة، ويقول مُباغتاً، وهو مطمئن القلب : "مانجـا".
داخل المترو مرأى لمصر كلها، وما فيها من تناقضات غريبة، يقف أمامها العقل عاجزاً عن الإدراك، فعلى اليمين شابان يتحدثان عن أفلام "الرقص الشرقى" وما بها من مشاهد ساخنة تستحق من أجلها الذهاب إلى السينما (والشباب عماد الأمم)، وبجوارهم شيخ يبدو عليه المرض، ويتصبب منه العرق، يبذل مجهودا ملحوظاً فى التمسك بتلك البقعة التى استطاع احتلالها فى هذا الازدحام المرير، محاولاً أن يقرأ ما تيسر من ذلك المصحف الذى لا يقوى على الثبات بين يديه، وفى العمق شاب ثالث يضع سماعات ال MP3 فى أذنيه ويخرج منها صوت مطربة تتغنى بحب البلاد ومياه نيلها وطيبة أهلها، وهى نفسها منْ أقلعت من أرض الوطن إلى بلاد "كريستوفر كولومبو" لتضع وليدتها هناك، كى تحصل على "صك الغفران" الدنيوى، من عناء البحث عن وظيفةٍ لا تأتى أبداً، أو شقةٍ لا يتم تسليمها قبل أن يُسلم صاحبها روحه لملك الموت، أو عسلٍ أسود لا يقوى أمثالهن على تذوقه.
قل مانجا
"قلة أدب!" .. كان هذا صوت جلى لفتاة ترتدى الجينز "الاستريتش" و "البادى" الشفاف، ويبدو أن كل ما فيها تعرض لعملية "إعادة تصنيع" واضحة، رموشها من "خزف" وظوافرها من "بلاتين"، فى وجه شاب لمسها بيده وهو لا يقصد (هتموت من الإيمان والتقوى).
"عندك بلوتوث؟!" .. أما هذا فقد كان هذا نداء عاجلا من فتاة محتشمة إلى نفس الشاب أفضى إلى انتهاء الاحتقان السابق بسلام، واستمرت هذه الأخيره فى الحديث حتى علت ضحكاتها بين الحاضرين بشكل مستفز.
ولم يأخذ منها الأضواء الصاخبة التى صاحبت حيرة العقلاء، ودهشة الأسوياء، سوى فتاة ثالثة لا يتجاوز عمرها الخامسة عشر، ترتدى حجاب "مارلين منرو" وسروال "شاكيرا" و حاملات إطلاق صواريخ "هيفاء وهبى"، دخلت إلى العربة عندما توقف القطار فى المحطة التى تركته بها.
قل مانجا!
إذا نظرت إلى جريدة من الجرائد تجد أعلى اليمين خبرا – اعتدنا عليه- عن انتحار مواطن بسبب الغلاء، وآخر يعرض أسرته للبيع على أبواب مبنى وزارة الخارجية، وفى نفس الجريدة أعلى الشمال خبرا آخر يقول إن السيد رشيد محمد رشيد كان يرتدى ساعة يد بحوالى أربعة ملايين و 190 ألف جنيه مصرى، ماركة "فاشيرون"، أما المسكين "أنس الفقى" فساعته تُقدر بمليون و 450 ألفا ماركة "هارى وينستون".
قل مانجا!
إذا وجدت القلة الثورية داخل حزب الأغلبية لا تجد لنفسها مكانا بين تعليمات مكتب الإرشاد من جهة، وترهات الإصلاحيين من جهة أخرى، ورأيت نواب النور والجماعة ممن تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يحصدون من بطش الجهاز الأمنى، ووسائله الشيطانية فى تزييف الحقائق، يجمعون كل ما بحناجرهم من قوة، مطالبين الداخلية "بالضرب بيد من حديد" على من وصفوهم "بالبلطجية"، ثم يطالبوننا بالاعتراف الذى – لا مراء فيه- أنهم يمثلون برلمان الثورة، فلن تجد كلمة أكثر تعبيراً من "مانجا".
إذا أدرت جهاز التحكم بتليفزيون منزلك على قناة دينية تظن بها خيراً، تجد أحدهم، وقد تساقطت الدموع من وجنتيه الكريمتين، يأخذ عقلك، بحديث برّاق عن تقشف الصحابة، والأزمات النفسية والمالية التى مرت بالمسلمين من زمان إلى زمان، تقاوم رغبة مُلحة بداخلك فى البكاء، وما أن تعرف آليات إدارة القناة، والمبالغ "الدولارية" التى يتقاضاها الرجل، حتى تدخل فى "عويل صوتى" وهياج "قولونى عصبى"، وتدرك –عن قرب- من الذى تأخذه تلك الشاشة –بالفعل- "إلى الجنة".
قل مانجا!
إذا استيقظت من النوم وذهبت لتناول الفطار على عربية الفول، ووجدت البائع يطلب منك ثلاث جنيهات ونصف، وكنت تدفع جنيهين على الأكثر بالأمس القريب، أو طاوعت نفسك وذهبت لتستقل تاكسى فى مشوار كنت تدفع فيه عشر جنيهات، ووجدت السائق يصرخ فى وجهك "عشرين يابيه"، أو ذهبت إلى الفرارجى لشراء "فرخة" بيضاء، فاقع لونها تسر الناظرين، وأخرجت من جيبك على مضض مبلغ خمسة وعشرين جنيها، لتشترى بها 2 كيلو، ووجدت الرجل ينظر إليك ويقول معاتباً: "الكيلو ب 17 حضرتك"، فما عليك سوى أن تهيم على وجهك، وتحبس أنفاسك، وتكظم غيظك، بينما لسان حالك يقول "كرهتونى فى المانجا يا ولاد ال...."!
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Ahmed Fawzy
مقاله حلوه خالص تصف واقعنا الأليم
يارب أستر علي مصر.
عدد الردود 0
بواسطة:
سالي
كوميديا ساخره .. تذكرني بجلال عامر
رحم الله جلال عامر، مقال متميز
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري حتى النخاع
مانجاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
عدد الردود 0
بواسطة:
bebo
جااااااااااااااامد
عدد الردود 0
بواسطة:
هانى
تعقيب بسيط
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالحميد يسري
أووووووووووووووووووووووووووف
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالودود فكري
ردود من كاتب المقال
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد جمال محمد
أعجز عن الوصف